جور نار
ردّا على بعض الجامعيين والمثقفين التونسيين الأشاوس
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriذكّرني موقف بعض المثقفين التونسيين من الإقبال المكثف للقرّاء على كتب ياسمينة خضرا والطوابير الطويلة لتونسيين من كل الأعمار لملاقاته والتحدّث إليه والحصول على توقيع شخصي منه…ذكّرني سخطهم عليه ورميه بكل الألقاب المُشينة والمُقزّمة، بتعبير احتفظت به للمفكّر المصري الشهيد فرج فودة عندما قدِم إلى تونس في نهاية الثمانينات، قال في إحدى محاضراته “كان الشارع المصري مزهوّا بأغنية محمد عبد الوهاب “من غير ليه” التي يقول مطلعُها :
جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا رايحين فين ولا عايزين ايه
مشاوير مرسومه لخطاوينا نمشيها في غربة ليالينا…
لم يرُقْ للمتزمّتين ومروّجي الأناشيد الباكية الناحبة أن يفرح الشعب المصري بأغنية عذبة فيها سؤال فلسفي طرحته الإنسانية منذ الأزل، فكفّروا صاحبها ومؤلّفها (مرسي جميل عزيز) معتبرين أن كلماتها تُشكّك في إرادة الذات الإلهية العليا وأن الشك ليس أول مراتب اليقين كما يدّعون” ثم أنهى ملاحظته بالمزحة التالية : “من الأجدر بهؤلاء أن يسارعوا إلى تأسيس حزب النّكَدْ والكمَدْ”.
قرأتُ في الآونة الأخيرة تعاليق لأم زياد وآمنة الرميلي وسلوى الشرفي وعصام المرزوقي ورافع الطبيب وعدة أسماء أخرى تشترك في اعتبار أن أدب ياسمينة خضرا ليس فيه ما يبرّر كل الوله والافتتان به لدى قطاع واسع من التونسيين المهتمّين بالكِتاب.
على سبيل المثال، تقول الرميلي على صفحتها: “انا ما قريتش لياسمينة خضرا حتى حرف رغم ولعي المرضي بالقراءة… زعمة ناقصتني حاجة ؟ تجيبها نزيهة رجيبة: “أنا قريت شوية ونهنّيك… ما ناقصك شي”. أما سلوى الشرفي فترد عليها مُثنّية: “ربحت وقتك وأعصابك…”، وهذا السيد رافع الطبيب يقول هو الآخر : “قد يُصدم البعض، لكن المنتحل لتسمية “ياسمينة خضراء” لا يمثل قمة أدبية ولا استثناء عبقريا كما قدمه بعض “صحافيي” المشهد الإعلامي الرديء في تونس… هذا المؤلف من صناعة الآلة الإعلامية الفرنسية…” إلى نهاية معزوفة التنكيد والتغريد.
صُدمت شخصيا بمثل هذه التعليقات الموغلة في السلبيّة لأنها لا فقط تعتدي على قامة أدبية وثقافية عالية بشهادة كل لغات العالم التي تُرجمت نحوها كتبها (أقول هذا في غير ترديد ساذج لما يقوله الناس وإنما بناءً على الانطباعات الشخصية التي حصلت لي بعد قراءة أغلب كُتبه) بل وتعتدي كذلك على عشرات الآلاف من القرّاء التونسيين الذين استعادوا علاقتهم بالكتاب والذين اقتلعهم ياسمينة خضرا اقتلاعا من أمام شاشات هواتفهم الكسولة.
أليس هذا مصدر فخر وفرح واطمئنان على أنه لدينا في تونس جمهور واسع جدا من القرّاء ؟ أليس هذا مصدر اعتزاز أن يكون لدينا أديب من أبناء جِلدتنا وأبناء حدودنا ولغتنا وثقافتنا يُجيد اللغة الفرنسية التي تعلّمها وأتقنها وسط مناخ من العرق والدموع ؟ وهل باستطاعة فرنسا – التي يلقى في مؤسساتها وسياسييها معاداة واستهدافا أعتى من أي مكان آخر في العالم – أن تصنع أدباء لديهم كل هذه القدرة على الإبداع والتخيّل وتطويع اللغة والثقة بالنفس والشغف والثقافة الموسوعية…هكذا بمجرد قرار إداري بغيض ؟ !
وكيف لإنسان يدّعي انه مثقف وله كتب ومؤلفات أن يجرؤ على الاعتراف بأنه لم يقرأ كتابا واحدا لياسمينة خضرا ورغم ذلك يسمح لنفسه بالتنمّر عليه والسعي إلى تحقير إنتاجه والتقليل من شأنه ؟ ألا يذكّركم هذا بالجملة الشهيرة التي قيلت في كتاب الطاهر الحداد “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” (هذه دفعة على الحساب ريثما أقرأ الكتاب) ؟
سأحاول الإجابة عن كل هذه التساؤلات من خلال بعض العناصر التالية :
المطالعة حصن حصين ضد التطرف والانغلاق
أن يُغرم الشباب بالقراءة، مهما كانت مشاربها، هو أمر محمود في حدّ ذاته ويجب التشجيع عليه وسنّ البرامج الوطنية للارتقاء به، لأن الجهل والأمية وتسطيح الوعي ونبذ الكتاب وغياب المسافة النقدية عن السائد سياسيا ودينيا ومجتمعيا هي البذور الممتازة والمنتقاة بعناية التي تزرعها الإيديولوجيات المنغلقة والعنيفة في المجتمعات التي تروم السيطرة عليها وتدجينها، وأن الإنسان لا يتحرر حقيقة إلا متى أفلت من قبضة المشعوذين والمتهوّلين والدجّالين والأدعياء بمختلف صنوفهم.
ياسمينة خضرا لم يسرق مجده ولم تصنعه الآلات الإعلامية المشبوهة كما يدّعون
هذا الرّوائي لمن لا يعرف أو لمن لا يريد أن يعرف وُلد من رحم الفقر والمعاناة وتربّى تحت السّياط العسكرية وهو ما يزال طفلا، سُرقت منه طفولته وكان مُقاوما (بمعنى résilient) شرسا لأنه عرف كيف يتغلّب على كل ما كان سيكسِرُهُ، أو في أحسن الأحوال كل ما كان سيُرديه ضابطا عسكريا يستثمر انخراط والده في المقاومة وبلوغه – هو- أعلى الرّتب العسكرية ليتمعّش ويستكرش وينتعش ماديا. بالإضافة إلى ذلك، الكتابة عمل شاقّ ومُضنٍ وهو “من يتكبّد أرق الليالي ومَوْجات الصُّداع جرّاء التفكير وذُعر الأيام اللاحقة” كما يقول في إحدى تدويناته. فطبيعي جدا، في ظل هذا الشغف الذي يسكنه والذي يجعله يكتب ويفسخ ويُعدّل ويحسّن ويدبّج ويصوّب ويشكّ وتخذله الكلمات… يوميا من الساعة العاشرة صباحا إلى ساعات متأخرة من الليل، أن يجد طريقه إلى التميّز والتألق وترويض ملاك الإبداع الذي حطّ به في أركان الكوكب الأربعة.
اللغة الفرنسية هي لغة إنسانية لا تلينُ لكل من هبّ ودبّ
قرأت لأحدهم يقول “لست أدري ما اللافت في أدب ياسمينة خضرا …الإعلام يُلمّع صورته … وهو فرنكوفوني ) ! هو لا يدري ما اللافت…؟ هذا الحكم يفترض أن صاحبنا هذا اطلع على نصف كتب ياسمينة خضرا على الأقل فلم يجد ما هو لافت حقا في مؤلفاته والحال أنه لم يقرأ ولو كتابا واحدا لهذا الروائي. ويستشهد هؤلاء بالروائي الجزائري الآخر واسيني الأعرج المختص في اللغة الفرنسية “لكنه تخلى عنها وأصبح أديبا يكتب باللغة العربية” ! فاللغة هنا أضحت هدفا في حدّ ذاتها وكأن الأثر الأدبي والفني يُقيّم من خلال الرموز التي يُكتب بها لا من خلال جودته وعمق المشاعر التي تؤثّثه ومعانقة أنبل المعاني التي يدافع عنها. وإذا سحبنا هذا المنطق الأقرب إلى “اللّغو” على الرسم والموسيقى والنحت والصورة الفوتوغرافية … هل يكون للألوان عنوان انتماء عِرقي غير تناسقها وعمق الأحاسيس المنبثقة منها ؟ وهل يكون للنوتة الموسيقية هوية غير قدرتها على هزّ مشاعر الناس ؟ وهل يمكن للصورة أن تدّعي انتسابا غير ما تعكسه من نَقْل مرهف للواقع أو صدق نظرات …أو ما تُوثّقه من لحظات فارقة في التاريخ ؟
ياسمينة خضرا في كلمة واحدة: عرف كيف يركب جواد اللغة الفرنسية وغزا بواسطتها العالم كأديب جزائري عربي لحما ودما وقلبا وفؤادا ومُهجة ومبادئ. واللغة – مهما كانت- لا تُذعن إلا لمن يُجلّها ويدلّلها ويُلاعبها ويبني مع مفرداتها علاقة مؤسّسة على حسن المعاشرة وعمق الإصغاء.
الباكالوريا التونسية أسهمت في انتشار ياسمينة خضرا
إن برمجة نصوص لياسمينة خضرا في مناسبتين أو ثلاث ضمن امتحان الباكالوريا التونسية (ويصحّ الأمر كذلك مع الكاتب اللبناني أمين معلوف) جعل عددا كبيرا من التلاميذ والأساتذة يطّلعون على قيمة هذا الأثر الانساني ومستلذّات اللغة التي كُتب فيها. وأثير هذه المسألة لأن لجان اختيار مواضيع الباكالوريا ومراجعتها وتثبيتها تُدرك جيدا تبِعات أي اختيار غير مدروس كأن يكون صاحب النص له ميولات عنصرية أو يكون ما يروّج له يتعارض مع القيم الانسانية عموما. وتكفيني شخصيا هذه الضمانة لأقول ان ياسمينة خضرا فوق الشبهات الزائفة وأرفع من المهاترات والمعارك التي تمتنع بجُبن عن قول حقيقة محرّكاتها.
أقول في النهاية أنني أخشى من أن هؤلاء “المُنكّدين” كما قال فرج فودة لا يزعجهم في الواقع مستوى أدب ياسمينة خضرا، بل يزعجهم نجاحه وعالميّته ووصوله إلى قلوب الملايين عبر كل أنحاء العالم. كما أخشى أن يكون وراء اعتراضهم هذا حقيقة أن الكتب التي ألّفوها لا تتجاوز مبيعاتها بعض العشرات من النسخ… وهو وضع لا يتحمّل فيه كاتبنا أية مسؤولية.
قال خضرا مؤخرا وهو يغادر بلادنا “في تونس، التقيتُ بأساتذة مُخلصين وتلاميذ وطلبة يُعلنون بعدُ ملامح تونس العظيمة التي سيُشرق فجرها غدا” (بتصرف).
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 11 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 11 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 22 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟