رسالة عاجلة إلى الفاروق عمر… عن بلاد دخلت مرحلة “الخُرّ ـ طُرْ”
نشرت
قبل 3 سنوات
في
من مواطن تونسي يعيش في غياهب القرن الحادي والعشرين
إلى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وأعدل الخلفاء الراشدين
رضي الله عنه ورحمه
سلام عليك يا أعدل خلق الله…
أما بعد، الأكيد أنه بلغك يا مولاي أن بعض من حكموا شعوبهم بعدك انتحلوا صفاتك وأوهموا شعوبهم أنهم في عدلك وقربك من شعبك ورعيتك…وأن بعضهم الآخر أعجبته صفة الفاروق التي يطلقها عليهم أنصارهم فاكتفوا بسماعها واستمتعوا بموسيقاها في اذانهم، ولم يخدموا بلادهم ولا شعبهم بل اكتفوا بالخطب الرنّانة…ولا شيء بعدها…أفعلت أنت ذلك يا مولاي؟ …لا… لم تفعل…فأنت العادل…
أما بلغك يا أمير المؤمنين أن الحقد استوطن كل أرض العرب من شرقها إلى غربها…أما بلغك أن بعض شعب تونس التي فُتحت في السنة السابعة والعشرين من الهجرة، في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه على يد الصحابي عبد الله بن أبي سرح الذي جاء شمال افريقيا فاتحا على رأس جيش كبير قادما من طرابلس الغرب، في حملة سميت بغزوة العبادلة السبعة لأن قادتها السبعة كانوا يحملون نفس الاسم “عبد الله”…
أقول يا مولاي أما بلغك أن بعض شعب تونس وخلال سنة 1440 للهجرة انتخبوا رئيسا ولقبوه بالفاروق…وحمّلوه ما لا يمكنه حمله ولا تأمينه…وعاشوا بحلم ووهم أن من يحكمهم أقرب إلى الفاروق منه إلى رئيس عربي آخر، في زمن ليس كزمانكم ولا كما كنتم تحكمون وتعدلون…فخاب ظنّهم، فمن اختاروه فاروقا لم يأت ما أتاه الفاروق… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا …لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي ان من يلقبه أنصاره بالفاروق انقلب على من كانوا شركاء له في الحكم حسب ما جاءت به فصول الدستور… فقط، لينقذ نفسه من غضب الشعب الذي كان سيخرج على كل من يجلس على كراسي الحكم لو أبطأ من يلقبونه بالفاروق شهرا آخر… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا… لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي أن من يلقبونه بالفاروق لم يأت شيئا ينفع الناس منذ استحواذه على كل مفاصل الدولة والحكم…ولم يغفل يوما عن اتهام خصومه ومن كانوا شركاء له في السلطة، بالفساد وهلاك العباد وأشياء أخرى لا أحد يعلم إن كانت له حجج وأدلّة تثبتها وتؤكدها… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا …لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي أن البلاد تئن وترزح تحت ثقل الفقر وأن شعبها قد يجوع لو تواصل الحال على ما هو عليه…أما بلغك يا مولاي أن كل من وعدوا بمساعدتنا على حلّ مشكلاتنا الاقتصادية لم يفعلوا بسبب ما أتاه من يلقبه بالفاروق أنصاره…وأن من يلقبونه بالفاروق لم يحرّك ساكنا غير مجالس وزارية لا نسمع منها غير ديباجتها التي تكون دائما عبارة عن وصلة شيطنة للخصوم والمنافسين على مقام أنا أو لا أحد… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا …لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي أن تونس ومنذ أكثر من عشر سنوات لم يحكمها سياسي واحد شجاع يمتلك رؤية محترمة، للتعامل مع الوضع الراهن في البلاد حتى الآن…وأن البلاد تعيش فراغا سياسيا رهيبا لم ينجح من يلقبونه بالفاروق في ملئه بخطابه المشحون شيطنة وتشويها لخصومه، دون أن يعرف الشعب يوما واحدا هدنة من خطاب التحريض والتقسيم… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا… لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي أن لا أحد من ساسة البلاد ولا حتى الذي يلقبونه بالفاروق فكّر في المصالحة الوطنية الشاملة التي قد تكفينا شرّ التقاتل والفتنة والشيطنة والأحقاد…ولا أحد جعل من المصالحة الوطنية احدى أهمّ الأدوات المشروعة، والشجاعة، في تنفيذ استحقاقات العدالة الانتقالية التي يزعمون أنهم يريدونها حقّا…جميعهم تعنتوا وتعاملوا بسياسات الضدّية فكل من حكمنا منذ عشر سنوات شيطن من جلس على كراسي الحكم قبله…ولم يفكّر في كيف ينقذ البلاد والعباد بل اصبح همّهم الوحيد كيف يحاسبون من سبقهم…ونسوا أنهم سيحاسبون يوم يأتي من يجلس مكانهم….كما فعلوا هم…وربّما أكثر…لا أحد منهم وضع حدّا لسياسات الأحقاد والانتقام…وتصفية الحسابات الضيّقة…أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا… لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي أن أغلب ساسة البلاد يستشعرون الخوف والوجل مما يحدث اليوم في تونس…أتعلم يا مولاي أن الوضع الراهن لا يحكمه منطق أو تحدّه قوانين وأن الخوف والتردّد كفيلان بأن يغرقا الجميع في دائرة لا تحمد عقباها…وأن لا أحد ولا حتى من يلقبونه بالفاروق فكّر في خطاب يقلب الخوف إلى طمأنينة نعبر بها بهذا الوطن الموجوع إلى مساحة آمنة يتعايش فيها الجميع دون خوف ودون هلع مما قد يخفيه المستقبل… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا… لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي وكأني بمن يلقبونه بالفاروق أوعز له بعض من هم حوله بأن يبني جدارا ويحفر خندقا بينه وبين من هم ليسوا من أنصاره، أو من أتباعه، دون أن يضعوا نصب أعينهم أن من يحكم عليه أن يعامل الشعب كل الشعب بنفس الشاكلة… فمن هم حوله يتعاملون كأن لا صديق لهم ولا عدو إلا بالقدر الذي يحتاجون فيه إلى إشباع رغبة جامحة أو استجابة لمزاج سياسي سلطوي عابر وغير مستقرّ… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا… لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي أن لا أحد ولا حتى من يلقبونه بالفاروق قرأ التاريخ قراءة تليق بما تعيشه البلاد من أحداث…فالبلاد تنتقل كل يوم إلى دائرة أضيق ومساحة الخيارات تتضاءل …ومساحة العصبية العمياء والاندفاع المزاجي الغريب تتوسع كل يوم… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا… لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي أن البلاد وأقصد تونس التي حدثتك عنها في بداية رسالتي هذه وصلت حدّ التسوّل عبر فتوى أصدرها مكتب مفتي الديار التونسية تطلب دعما ومساندة مادية عينية للدولة من شعبها الموجوع، والمفقّر، والذي يعيش وضعا مأساويا لم يعشه منذ استقلال البلاد…فهل طلب منه من يلقبونه بالفاروق إصدار هذه الفتوى أم هو تصرف شخصي …فهل يجوز يا مولاي أن يسلب الحاكم شعبه…على شكل فتاوى… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا… لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي أن حكومة من يلقبونه بالفاروق لا تسمع…لا تتكلم…ولا ترى…فمنذ وصولها إلى كراسيها لم نر شيئا واحدا منها ينفع البلاد والعباد…حكومة عرجاء…فقدت النطق منذ جلوسها على كراسي السلطة…وفقدت حاسة السمع فالفاروق هو من يستمع نيابة عنها ويتحدث بالمناولة عنها…فلا الفاروق ولا حكومته جاؤوا بأمر ينفع الناس… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا… لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي أن الظلم انتشر في البلاد منذ استحوذ من يلقبونه بالفاروق على حكم البلاد والعباد…أما بلغك أن الشعب يعيش رعبا من جوع قادم…ومن فقر ظالم…ومن حكم لا أحد يعرف كيف سيكون…فلا شيء مما وعد به من يلقبونه بالفاروق أنجز…فقط أصبح الحقد يسيطر على العباد وأمزجة العباد…أما بلغك مولاي أن بعض الناس يسعدون ويرقصون حين يسجن بعضهم الآخر…أما بلغك يا مولاي أن بعضهم يوزع المشروبات احتفاء بعزل بعضهم الآخر….أما بلغك يا مولاي أن بعضهم يحتفل بظلم بعضهم الآخر…ويطالب بالمزيد… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا… لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي أن كل الشعب مشتبه فيه حتى اشعار آخر…فجميعنا من الفاسدين…وجميعنا أفسدنا في الأرض…والغريب يا مولاي أن لا اثباتات عند من يلقبونه بالفاروق غير كلامه وما يلقيه على مسامع مجلسه الوزاري…وهو يحسب كلامه وثيقة اثبات تورط بقية الشعب بالفساد والإفساد…وحدهم أنصاره هم من الملائكة ولا هم يحاسبون ولا يُشَيْطَنون ولا يحزنون… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا… لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي أن أغلب سكان البلاد يعيشون الرعب…رعب الأيام القادمة…رعب الخوف على أبنائهم…رعب مستقبل غامض مخيف…رعب حقد يتعاظم يوما بعد يوم…فجميعهم يشعرون أنهم يفقدون هويتهم يوما بعد آخر…فهم لا يعلمون إلى أي فصيل ينتمون…فأنصار الفاروق أو من يلقبونه بالفاروق قسموا البلاد إلى من هم مع الفاروق المزعوم…ومن هم ضدّه…فمن هم معه هم من الأخيار…ومن هم ضدّه هم من الأشرار… أفعلت أنت ذلك يا مولاي…لا… لم تفعل… فأنت العادل…
أما بلغك يا مولاي …أن الشعب وأقصد شعب تونس يعيش الإقصاء والترهيب كما لم يعشهما من قبل…أما بلغك أن نصف الشعب يريد الهروب…يبحث عن وطن يحتضنه…يقبل به…وطن يعترف به…ولا يخذله…هم لا يريدون ترك وطنهم…هم فقط يخافون أن يكونوا غدا غرباء في وطنهم…فتونس ليست وطنا يعيشون فيه…بل وطنا يعيش فيهم…ويبقى بعدهم وإن ماتوا…
هكذا حال شعب تونس يا مولاي إن لم يبلغك حاله…فأنت الفاروق…ولا أحد سيعدل كما عدلت…ولا أحد سيحكم كما حكمت…ولا أحد سيهنأ بنومه كما نمت…ولا أحد بُشِّر بالجنة كما بُشرْت….