تابعنا على

ثقافيا

عائلة سورية تحت نيران الحرب … في رواية يونانية

نشرت

في

رواية مأساة عائلة حلبية

كثيرة هي الأعمال الأدبية التي تناولت محنة اللجوء السوري، وعبور المتوسط للضفة الأوروبية في قوارب الموت، وحاولت تتبع حكايات الغربة أو القتل أو الغرق أو الضياع. الحكايات التي ربما لن تجد من ينصفها يوماً، ولو إحصائياً. ونافل عن القول أيضاً الإشارة إلى المبالغة والكذب الذي طال كثيراً من تلك القصص لأغراض مسيسة غالباً. لكن ماذا يمكن للأدب فعله – وتحديداً الرواية – لتخفيف آثار الغربة والمنفى وفقدان الانتماء، وحتى أبسط مقومات الحياة، كالإحساس بالأمان؟
من غير المألوف أن تسمع حكايتك الشخصية والعامة (والمقصود هنا حكايات المحرقة السورية) في آن معاً، من شخص خارج المكان بكل مواصفاته ومعانيه، أي من خارج اللغة والجغرافيا، ما يؤمل بتتبع سرد غير منحاز، إلى حد ما، رغم صعوبة الحياد

الكاتبة كريستي ليفتري ليست سورية ولا عربية حتى؛ وقد يكون أصلها هو الرابط الوحيد للكاتبة مع الحدث، من حيث الانتماء إلى أسرة تحمل ذاكرة متوسطية. فهي من أبوين يونانيين، هاجرا إلى بريطانيا بسبب احتلال تركيا لشمال قبرص، في بداية سبعينات القرن العشرين.
تروي الكاتبة في عملها «طريق النحَّال الطويل» حكاية نوري إبراهيم وزوجته عفراء. الحكاية التي لا تخلو من مفاجآت تثير الدهشة، حين تتلمس مناطق الألم المتواري في حنايا قصة مبعثرة على مساحات شتات التغريبة السورية المريرة والمستمرة.
الصوت الأساسي في الرواية هو لنوري، نحَّال من حلب اختار مهنة تربية النحل، بدلاً من تجارة آبائه وأجداده في بيع الأقمشة. لقد اختار تلك المهنة مدفوعاً بعشق الطبيعة والنحل.
في جحيم الحرب، تتعرض الأسرة لمأساة فقد طفلها الوحيد، بانفجار قرب المنزل. ويتسبب التفجير في فقدان الأم لبصرها. فيضطر نوري للهروب من حلب نحو تركيا، مصطحباً زوجته عفراء، الفنانة التشكيلية، بعد أن يدفنا وحيدهما سامي في حديقة المنزل. ومن تركيا يستطيعان العبور بحراً نحو اليونان، ثم بريطانيا؛ حيث ينتظرهما مصطفى، قريب نوري وصديقه الحميم منذ أيام الطفولة والمراهقة والشباب والعمل والأحلام المشتركة. 
كان مصطفى قد غادر حلب سابقاً، دون توديع صديق العمر، بعد أن فقد هو أيضاً وحيده فراس الذي قضى في مقتلة نهر قويق. النهر الذي يظهر كثيراً في الرواية عبر رمزين: النهر الذي تحول لمقبرة مفتوحة. والنهر في لوحات عفراء التي تستعيد بصرها في لندن، والتي تستعيض به في رسوماتها عن بحر المدينة التي تنحدر منها في الساحل السوري.

مصطفى حلبي الأصل، يعمل أستاذاً جامعياً في كلية الزراعة بدمشق، باختصاص علوم النحل. حين يكون مع أسرته، في مدينته حلب، يختفي ابنه فراس في ظرف غامض. وتحت وطأة الخوف على أفراد الأسرة، يقوم بتهريب زوجته «ذهب» وابنته «آية». ويبقى هو في حلب متعللاً بالعثور على وحيده. خلال تلك الفترة يمارس العمل التطوعي في مشرحة أحد المشافي الميدانية، داخل إحدى الأبنية المدمرة. يدون أسماء وأعمار الضحايا التقريبية، وعلامات فارقة إن وجدت؛ لتحدث المفاجأة القاسية، بعد بضعة أسابيع، إذ يرى جثة ابنه أمامه! «يبقى مصطفى وحيداً أمام جثمان ولده صامتاً ربما لساعات، ويتناول قلمه ويكتب في ذلك الدفتر:
الاسم: ولدي الوحيد، ولدي الجميل.
سبب الوفاة: هذا العالم المحطم».
يقرر مصطفى أن يهجر حلب إلى زوجته وابنته، فيترك رسالة وداع مقتضبة لنوري، مشجعاً إياه على اللحاق به، مهما صعبت الظروف، ومهما حاولت عفراء الرفض.

في المرحلة السابقة للوصول إلى أثينا، وعلى جزيرة مليئة بالهاربين، من كل جنسيات الأسى الأفريقي والشرق أوسطي، كاد نوري أن يُقتل من قبل عصابة يقودها نديم، وهو شاب أفغاني يبتز الأطفال العالقين في الجزيرة، فيستغلهم جنسياً ويتاجر بهم وبأعضائهم. ينجو نوري بأعجوبة ويصاب بجرح عميق. لكن نديم سيلقى حتفه لاحقاً بالتواطؤ بين عدة رجال من المخيمين في الجزيرة. حينها كان نوري يقف متفرجاً، قبل أن يؤنبوه بصرخات استنكار لعدم مشاركته في قتل مجرم، كان من الممكن أن يكون ابنه أحد ضحاياه. في تلك اللحظة يخرج من كهف روح نوري مارد رهيب، فيلتقط عصا من يد أحدهم ويقوم فجأة بتكسير جسد نديم، دون رحمة. يضربه على اليد التي طعنته منذ أيام. ويصاب نوري بصعقة ندم، حين يكتشف دواخله، بقوله: «لقد شاركت في قتل إنسان، لقد أصبحت قادراً على ارتكاب فعل القتل!».
بعد أن يصل نوري وعفراء إلى أثينا، يواجهان محنة الافتقار للمبلغ المطلوب للسفر جواً إلى بريطانيا، واللحاق بمصطفى. تمثل هذه اللحظة بالنسبة لهما محنة أشد ألماً ربما من فقدان سامي.
يضطر نوري للعمل مع المهرب، كسائق في نقل بضاعة يجهل ماهيتها، كشرط لتأمين جوازي سفر مزورين وتذكرة الطائرة. وقبل انطلاقه في كل رحلة، كان نوري يقفل الباب على عفراء، خوفاً عليها، كامرأة وحيدة وعمياء. وحين يشاء سوء حظهما أن ينسى في آخر رحلة له أن يقفل الباب؛ ينتبه إلى ذلك وهو في الطريق، فيقف بين خيارين كلاهما مر: فإما العودة إلى زوجته، مما سيحرمه استكمال المبلغ المطلوب للسفر، وإما متابعة طريقه، مغامراً باحتمال تعرض زوجته للخطر. وهو ما أدرك حدوثه لاحقاً، بعد أن أخبرته زوجته بأن المهرب قد اغتصبها تحت التهديد بأنه سيقتل زوجها إن هي رفضت

يصل الزوجان إلى بريطانيا العظمى، بعد رحلة أثقلها الرعب من الكشف والترحيل من على متن الطائرة، كما حصل مع مسافرَين كانا خلفهما في الرحلة ذاتها.
«نحال حلب» رواية السوري العادي الذي أخذت منه الحرب كل شيء. نوري فقد وحيده، زوجته عفراء فقدت بصرها وكرامة جسدها عنوة، وصديقه وشريكه مصطفى فقد وحيده أيضاً، وكلاهما فقدا النحل والمنحلة، وذاك النسغ الوجودي الذي تمثله النحلة، والأمل الذي تمثله زهور المنحلة.
إنها رواية ترسم جانباً من الألم السوري، دون ابتذال أو تكلف لغة عاطفية مفتعلة. فنرى دمار حلب، ونشهد انهيار مكونات العيش، ونسمع الأنين المكتوم لأطفال غرقوا أو علقوا في جزر العبور، عاجزين حتى عن قول أسمائهم!
نشرت الرواية سنة 2019، ونالت تصويتات مهمة كأفضل كتاب صوتي لعام 2020 (بي بي سي راديو 3)، وتقديرات ومراجعات مهمة في الصحافة الأدبية في بريطانيا وخارجها.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثقافيا

منتدى قرطاج: ندوة حول عودة الشعر العمودي

نشرت

في

متابعة: جورج ماهر

اختتمت مساء اليوم السبت 6 ديسمبر 2025 فعاليات الندوة العلمية الدولية التي نظمها منتدى قرطاج تحت عنوان “الشعر العربي الحديث والمعاصر بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة”، والتي انطلقت أمس الجمعة بحضور أساتذة جامعيين وشعراء من تونس والعراق والجزائر والبحرين والمغرب.

ناقشت الندوة التحولات التي شهدها الشعر العربي، وركزت في جلساتها على القصيدة العمودية، حيث تم استعراض تاريخها وأهميتها، مع تحليل مواقف كبار الشعراء المجددين مثل أمين الريحاني ونازك الملائكة تجاه هذا الشكل الشعري التقليدي.

وبيّنت المناقشات أن القصيدة العمودية ما زالت حية ومرنة وقادرة على استيعاب التجديدات الفنية إذا ما تم تطوير طرق صياغتها وأدائها.

في الجانب الآخر، قدمت الدكتورة سامية الدريدي قراءة معمقة في أسباب العودة إلى القصيدة التقليدية، مبرزة أن هناك دوافع فنية وثقافية إلى جانب أبعاد نفسية تعكس حالة انكفاء الذات في مواجهة التحولات السريعة.

وفي اليوم الثاني، استمرت الجلسات في التعمق بمناقشة الأشكال الشعرية الحديثة وتفاعلاتها مع التلقي النقدي، إلى جانب استعراض تجارب شعراء من مختلف البلدان العربية.

واختتمت الندوة بخلاصات بحثية تعزز من أهمية الحوار النقدي وتبادل الخبرات، مؤكدة على دور مثل هذه اللقاءات في دعم البحث الأكاديمي والشعر العربي المعاصر.

أكمل القراءة

ثقافيا

“الحلم في الرواية العربية”… محور الدورة الثالثة لملتقى تونس للرواية العربية

نشرت

في

متابعة: جورج ماهر

تنطلق يوم الأربعاء 10 ديسمبر 2025 فعاليات ملتقى تونس للرواية العربية في دورته الثالثة، تحت شعار “الحلم في الرواية العربية”، بتنظيم من بيت الرواية وتحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية.

يُفتتح الملتقى بعرض موسيقي بعنوان “حلم” برعاية مسرح الأوبرا، وذلك على الساعة الخامسة مساءً بمسرح المبدعين الشبان بمدينة الثقافة، على أن تتواصل أعماله أيام 11 و12 و13 ديسمبر 2025 بـ*دار الكتب الوطنية بالعاصمة.

وتشهد هذه الدورة مشاركة نخبة من الأدباء والنقاد من 17 دولة عربية، إلى جانب حضور لافت للأدباء التونسيين، حيث سيطرح المشاركون قراءاتهم وتحاليلهم حول ثيمة “الحلم” في الرواية العربية، من خلال جلسات أدبية وحوارية تهدف إلى إثراء المشهد السردي العربي.

الملتقى يُعدّ فرصة ثقافية استثنائية للتبادل الأدبي وتعزيز الحوار حول قضايا الرواية العربية، وتأكيدًا على مكانة تونس كمنصّة ثقافية فاعلة في الفضاء العربي.

أكمل القراءة

ثقافيا

عرض خاص لفيلم “صاحبك راجل 2” للمخرج قيس شقير

نشرت

في

متابعة: جورج ماهر

استقبلت قاعة الكوليزي بالعاصمة، أمس الجمعة العرض الخاص للفيلم التونسي الجديد “صاحبك راجل 2″، من إخراج قيس شقير، وذلك بحضور فريق العمل وعدد من الفنانين والضيوف والإعلاميين.

الفيلم يُعد الجزء الثاني من عمل بنفس العنوان، ولاقى نجاحًا جماهيريًا كبيرًا في جزئه الأول، ويواصل في هذا الجزء التطرق إلى مواضيع اجتماعية بقالب درامي كوميدي، يسلّط من خلاله الضوء على العلاقات بين الأصدقاء والتحديات اليومية التي يواجهها الشباب التونسي.

وقد حظي هذا العرض بتفاعل واسع من الجمهور والنقاد، خاصة بعد ترقّب كبير لهذا الجزء الجديد، الذي راهن عليه المخرج قيس شقير لتأكيد حضوره في الساحة السينمائية التونسية. ويسبق العرض الخاص التوزيع الرسمي للفيلم في القاعات التونسية، في إطار موسم سينمائي واعد يشهد عودة قوية للإنتاجات المحلية.

أكمل القراءة

صن نار