عبد القادر المقري:
في البلاتوهات الرياضية، صار عاديا إعلان الانتماءات، بل إعلان الكراهية وبث الفتنة والاستفزاز والشتائم والتشكيك دون دليل في الألقاب والذمم وتهم الرشوة التي توزع يمنة ويسرة بمجرد نتيجة لا تعجب…
لم يعد أحد يتقبل أن المسابقات الرياضية تفضي دوما إلى احتمال واحد من ثلاثة، وهذا من عهد أثينا إلى اليوم… لا… لايمكن أن ننهزم ولو أدى الأمر إلى سحل الحكم وترهيب الهياكل الرياضية والتهديد بالويلات وتوجيه رسالة عاجلة إلى رئيس البلاد مع الإنذار بحرب أهلية وشيكة… غرائز الشارع ليست حديثة ولا مستغربة، ولكنها كانت تقف عند الصدور أو في زوايا مقهى بعيد خفيض الصوت… الآن صارت مجاهرة كصياح الديوك، والذي أججها أولا ومازال، هو إعلام معتلّ ضحل الثقافة كسول البحث ارتدى بزّته عتاولة الفيراج وكافة الطفيليين من كل ملّة… وامتشق سيفه العنّين والديّوث وربّ السوابق والمفتش عنه كما حصلت عينة من ذلك مرة أمام أنظارنا…
ابتُذِلت في القصة صفات إعلاميين ومعلقين و”مستشارين” رياضيين وغير رياضيين… وهذه المهن حسب أصولها محمولة على الحياد وعلى معاملة الأندية والجماهير على قدم المساواة… ولكنها حين استبيحت حدودها وداس عليها غجر العصر، تحولت إلى ما يشبه السلاح الفتّاك في يد معتوه القرية أو ثعالب الحقل في غياب النواطير … غاب الرقيب خائنا لدوره هاربا من واجبه، بل وصارت المحطات والقنوات تتخاطف هذه الكلاب المسعورة ويقام لذلك ميركاتو شبيه بميركاتو اللاعبين… وصرنا يوما يومين نسمع أو نرى مدربا مطرودا أو لاعبا محدودا يتلقى الترحيب من فريق أحد البرامج، فإذا به يرد التحية باحسن منها ويبدأ في القصف من أول مداخلة وهو آمن وكأنه في بيت أبي سفيان…
يذهلك الكلام فتحتار إن كنت تتابع مؤسسة إعلامية معتمدة لدى أجهزة الدولة ولها تراخيص واستكملت شروطا وأمضت على ميثاق… أو أنت أمام تسجيل لمسمع أو مشهد مسرّب خفية بعيدا عن أعين القانون… يصيبك الدهش وتبقى منتظرا مداهمة شرطة ومحاصرة للوكر وحملة إيقافات إثر بطاقة جلب من وكيل الجمهورية في حق المعربدين… ولكنك تكتشف مصعوقا أن ذلك تم في محطة إذاعة أو قناة تلفزة في المباشر وأمام الجميع وكأنه حديث في الطقس أو عرض لأسعار السوق… وتجد أن البلطجية أصبحوا نجوما وأساتذة وفيهم من دعاهم معهدنا للمحاضرة فيه بعد أن انكبّ سعده…
وقد حصل ذلك فعلا في سنين النكبة هذه، ومرات بدل مرّة…
رحمك الله يا زمن رؤوف بن علي والطاهر مبارك وعبد المجيد مسلاتي وبرهوم المحواشي ومختار بكور وآخر العنقود زميلنا الجميل منجي النصري… هذا العملاق المحترم نفسه والمحترم من الجميع إلى ذي الساعة… ورحم الله بلدا ومهنة كنا نحترمهما… فإذا قدرهما اليوم أقل من قيمة نعال أحمد مطر في قصيدة له شهيرة…