تابعنا خلال الفقرة الماضية كيف وصلت الأحداث بالبلاد الى “المخاض” المبهم في الواقع، وتجمع عشرات الألاف من المواطنين امام وزارة الداخلية ووقعت اعتداءات و رصاص من الجانب المقابل لوزارة الداخلية و اكد أحد المفتشين ان السلاح المستعمل ليس من عتاد الأمن أو الجيش الوطني كما أثبتت التحاليل اللاحقة و أن جهات أو أجهزة اجنبية تدعمها خيانات داخلية كانت وراء العديد من عمليات تقتيل المتظاهرين …
كما راينا مدا وجزرا بين المتظاهرين و قوات الأمن التي تركزت مسبقا لحماية الوزارة تبعا لمعلومات استخباراتية حول امكانية اكتساحها و حرق دار التجمع الواقع بأول شارع محمد الخامس … تم كما ذكرنا انقاذ وزارة الداخلية رغم الزخم الكبير من المتظاهرين الذين ذكرت بعض المصادر أنهم ستون ألفا فيما أرى تبعا لوجودي عندها، ان العدد يحوم حول ثلاثين الى اربعين ألفا واستمعت وعدد من الأصدقاء الى دوي الرصاص الصادر من احدى العمارات المقابلة لمبنى الداخلية كما نلنا نصيبنا من الغاز المسيل للدموع و الكر و الفر بين شارع بورقيبة و نهج جان جوريس ومحمد الخامس في حين انه تم ترك الحبل على الغارب تجاه مبنى التجمع كما صدرت التعليمات خلال اخر اجتماع جمع الوزير الجديد الداخلية و ثلة قيادات الأمن بعض المديرين وحضور القائد السابق لجيش البر الذي تخلص منه بن علي توجسا أو إثر وصول معلومات يوم 12 جانفي
إيقاف الجنرال السرياطي:
مباشرة إثر “تسفير” بن علي من لدن السرياطي حيث تعددت التحاليل حول اخلاصه وحرصه على إنقاذ بن علي من الموت تبعا لعدد من المستجدات المتلاحقة منها وصول معلومات للسرياطي صادرة من جهاز المخابرات الانجليزية الـ “أم 6” وصلت في البداية الى عدد من المخابرات الاجنبية ـ كما تابعنا في الجزء الأول من هذه الرواية ـ و إلى أحد اقارب بن علي الذي كان يراس منظمة الصداقة التونسية الانكليزية ورغم ان السرياطي لم يولها بداية الأمر اهتماما كبيرا لكن تطور الأحداث المتلاحقة والمظاهرات العارمة و افلات زمام الامور من السلطة الأمنية لقيادة الجيس الوطني منذ 12 جانفي و تحليق طائرات على سماء القصر و انتشار معلومة باكتساح المتظاهرين لقصر قرطاج. كلها معطيات قد تكون ادت الى اقناع السرياطي المنضبط جدا بقرار تسفير بن علي عنوة و بحدة فاقت مفهوم الرجاء أو الالحاح …
ورغم تركيبة السرياطي الشخصية و العسكرية التي عرفت بالجدية والدقة و الإخلاص للرئيس، و عمله الكبير لتاهيل فرق الامن الرئاسي وولوعه بالجوانب النفسية و البسيكولوجية لمنظوريه رغم بعض الاحترازات التي يسجلها بعض كوادر الأمن عندها حول تدخل السرياطي في سير المصالح التي لم يستسيغوها منه … لكن هناك بعض التحاليل التي تشير إلى أن السرياطي قام بالتسفير إما في اطار خطة أو إثر تهديدات آخر دقيقة بعد أن اطمان السرياطي على سلامة الرئيس و انطلاق الطائرة في الجو، قصد مطار تونس قرطاج تنفيذا لاوامر بن علي الملحة لحماية ابنته الكبرى من زوجته الاولى “غزوة ” … وصل السرياطي الى مطار تونس قرطاج ليدرك بسرعة ان جل أسرة الطرابلسية قد تم تجميعهم بقاعة المطار تحت حراسة مشددة من كوكبة من فرقة مقاومة الارهاب … لكن حدثت المفاجأة بإلقاء الجيش القبض على الجنرال السرياطي وانتزاع مسدسه و هاتفه في حين امكنه إجراء بعض المكالمات عبر هاتف آخر وقع السهو عن افتكاكه
دور سامي سيك سالم:
حالما تطورت الأحداث وكاد قصر الرئاسة يخلو من الحراس واثر علم سامي سيك سالم ـ الرجل الثاني بالامن الرئاسي ـ بايقاف علي السرياطي بمطار تونس قرطاج و ما سمع عن عمليات نهب قصور و منازل الطرابلسية و ايقافهم وتجميعهم بقاعة المطار وبعض الاستفزازات الصادرة عنهم طورا و عن حراسهم طورا أخر … حاول سيك سالم الاتصال ببعض المسؤولين الكبار في الدولة دون فائدة الى ان نجح في مكالمة محمد الغنوشي الذي قام ببعض الاتصالات قبل ان يوافق على طلب سامي سيك سالم والانطلاق عبر سيارة مصفحة إلى قصر قرطاج ليجد في انتظاره كلا من عبدالله القلال و فؤاد المبزع … و قد حاول القلال جهده لتولي الأمر بنفسه لكن الت الأمور إلى محمد الغنوشي لتبدأ مرحلة سياسية لم تكن في واقع الأمر إلا تمهيدا للذهاب نحو خطة سيطرة الاخوان على الحكم