سيدي الرئيس … أنت لست الفاروق عمر !

وكأني أحلم وأستمع إلى مولانا بعد هذا الصمت الغريب العجيب عن قانون المالية للسنة القادمة وهو يقول: “أيها الشعبُ الكريم، إن أمير البلاد يدعوكم جميعا لشد أحزمتكم على بطونكم، ويحذركم إن رفضتم بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويعلمكم بأنه أوصى نجلاء بكم خيرا من خلال خطّة، تجوعون أولها، وتشبعون آخرها إن بقيتم على قيد الحياة، وقد أوصاها بأن تمكن كل فرد منكم من رغيف خبز وبعض الدقيق وحفنة من الملح ورطل من الأرز وبعض الفحم ليكون لكم وقودا كل أسبوع، وسنخرج من أزمتنا وستستمتعون بحياة أفضل إن بقيتم على قيد الحياة“

وكأني بمولانا نسي ما أكّده عند لقائه بوزير أملاك الدولة يوم 22 جويلية 2020 بأنه يقتدي بالفاروق عمر بن الخطاب الذي لا يتردد في قول الحق والاستماتة من أجل الحق والعدل…ألم يقل يومها ما يزعم بعض الرواة أن الفاروق قاله “لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها لم لم تمهد لها الطريق يا عمر”

فإن قارنت نفسك يا مولاي بعمر فأفعل ما فعل عمر…وإن كنت لا تعلم يا مولاي فعمر لم يقل ما قلت إنه قال…فكل الروايات أكدت ضعف ما روي عمّا يقال إن الفاروق قاله باللفظ المشهور المتداول بين الناس وهو القول الذي ذكرت يوم 22 جويلية 2020 ولا أحد من الرواة وقف له على أصل…فأقرب ما رواه الرواة عن عمر الفاروق هو قوله :” وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، لَوْ أَنَّ جَمَلا هَلَكَ ضَيَاعًا بِشَطِّ الْفُرَاتِ، خَشِيتُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهُ عَنْهُ آلَ الْخَطَّاب”…فهل ستقتدي حقّا بعمر الفاروق في كل ما أتيت وما ستفعل؟ لا أظنّ أبدا وأنا على يقين أنك لن تكون كعمر… ولن تفعل كما كان يفعل عمر…ولن تصل ابدا مقام الفاروق عمر…ستسألني وأنت في حالة لا مثيل لها من الغضب: ومن أدراك أني لن أفعل ما أتاه الفاروق؟ وسيسألني أتباعك على الخاص وسيشتمونني طويلا يقينا منهم أنك ستكون قيس الفاروق نسبة إلى عمر الفاروق…وسأقول قولي …

لن تكون الفاروق ولا شبيها بالفاروق…وسأضيف أنك ومنذ استحواذك على كل مفاصل الدولة والحكم أصبحت المسؤول الوحيد عن كل ما سيعانيه الشعب…كل الشعب…وأن الربّ سيحاسبك عن كل خطأ في حق هذا الشعب كل الشعب…و لا أحد ممن حكموا قبلك سيتحمّل معك تبعات حكمك…فأنت فقط من سيتحمّل ومن سيحاسبه الربّ…يوم لا حساب غير حسابه…

أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل جائع جاع ولم تعلم أنه جاع…أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل فقير لم يجد مورد رزق له أو لأحد أبنائه…أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل محتاج مريض مات ولم تعلم بحالته…أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل فقير حُرم من حقّه في العلاج والدواء المجاني…أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل محتاج لم يجد مالا ليداوي زوجته المريضة وابنه المعوق…أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل سجين حوكم ظلما من أجل جرم لم يأته…أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل مواطن اغتصب حقّه في عهدك….أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل أرملة جاعت بعد موت زوجها….أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل طفل ضاع عن والديه ولم يعد يوما إلى منزله….

أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل شاب مات غرقا في المتوسط هاربا من وطن جاع فيه …أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل مواطن صودرت حريته …أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل مواطن لم يجد مورد رزق يعيش منه وبه….أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل مواطن يطالب بحقّ ولا يجده….أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل مواطن أهين في وطنه….أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل مواطن صودرت ممتلكاته ظلما وعدوانا…أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل مواطن عانى من الميز العنصري في عهدك…أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل مواطن عُذّب وظُلم في عهدك…أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل خطأ ولو كان بسيطا في حقّ فرد من أفراد شعبك …أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل خطأ قام به في عهدك مواطن في حقّ مواطن آخر وأنت تعلمه ولم تنصف المظلوم وتحاسب الظالم…أتعلم أن الله سيحاسبك عن كل وعد قطعته على نفسك ولم تنجزه…فكم من وعد أنجزت منذ جلوسك على كرسي قرطاج؟ لا شيء…

فهل أنت فاعل كل هذا يا مولاي؟ عمر الفاروق كان كل هذا وأكثر …فعل كل هذا وأكثر…وأنت لن تفعل…وأنا على يقين أنك لن تفعل…فإن لم تفعل سيحاسبك الشعب…قبل أن يحاسبك الربّ…أعرفت الآن أن الحكم ليس هتافا…وخطبا حماسية…وتصفيق أتباع…ومناشدة أنصار…وحقدا على الخصوم…وقطعا للطريق أمامهم…الحكم مسؤولية وعقلانية…ومشورة…واختلاف في الرأي…

في الأخير… لو قرأ عمر ما كتبته هذا…لأخذ بما جاء فيه…فماذا أنت فاعل لو أعلموك بما جاء فيه…فهل ستسجن صاحبه…أم ستقبل بكل ما قيل لك فيه؟