سيدي الرئيس … “لو مِلْت عدلناك كما يُعدل السهم في الثقاف.. .”
نشرت
قبل 3 سنوات
في
أتدري يا مولانا من فاز بجائزة نوبل للسلام لهذا العام؟ أظنّك دريت…وأظنّك علمت …الصِحافة يا مولانا…أي نعم الصِحافة هي من فازت بجائزة نوبل للسلام…السلام يا مولانا أتدري ما يعنيه السلام…أتدري ما هي الرسالة الأهمّ حين تفوز الصحافة بجائزة نوبل للسلام…يعني أنهم أهل سلام…وأهل محبّة…وأهل حقّ وحقيقة…وأنهم ليسوا كما تقول عنهم في بعض خُطبك وإن كان بعضهم كما تقول عنهم…وليسوا كما يقال عنهم من جماعتك وإن كان بعضهم كما يُقال عنهم…
وكأني بالقدر أراد أن ينبهك يا مولاي…أي نعم ينبهك…أتعلم أن عمر الفاروق الخليفة العادل الذي لا أرى من يمكنه التشبّه به سواء في عهدنا أو في العهود التي سبقتنا أو في العهود القادمة…أقول هل تعلم ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتاب تاريخ الخلفاء لابن الجوزي يقول الإمام ابن المبارك: أخبرنا سفيان بن عُيَيْنة عن موسى بن أبي عيسى قال: أتى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ مشربة ابن حارثة فوجد محمد بن مسلمة فقال عمر: كيف تراني يا محمد؟ فقال: أراك والله كما أحب، وكما يُحب من يحب لك الخير، أراك قوياً على جمع المال، عفيفاً عنه، عادلاً في قسمه، ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف، فقال عمر: “هاه”، فقال: ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف، فقال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني…قدرك اليوم يا مولاي أن تقرأ الرسالة جيدا …وأن تقبل أن نقول لك أخطأت…وظلمت…وقولك خطأ…وقولك لا صحّة له…
قدرك يا مولاي ألا تعلن الحرب على الصحافة وإن أخطأت في حقّك…قدرك ألا تكمّم الأفواه حتى وإن أصدرت صوتا لا يعجبك…أو سمعت منها صوتا لا يطربك…قدرك ألا تفعل ما فعله بعض الرؤساء العرب …وعليك أن تعلم أن حرية الإعلام في العالم العربي اليوم محاطة بالأسلاك الشائكة…وتُقمع كل يوم…فأغلب الدول العربية اليوم ومنها تونس تعيش تضييقات خطيرة على الحريات وخاصة حرية الرأي والتعبير دون أن ننسى أن مصر التي يعتبرها بعضنا مثالا هي أكثر الدول في العالم تضييقا على حرية الإعلام، فأغلب المؤسسات الإعلامية الخاصة وغير الحكومية في كل الدول العربية دون استثناء تعاني اليوم من التضييقات والهرسلة والتتبعات القضائية من ملوك وحكام العرب، فكُنْ أنت الاستثناء…علينا أن نعترف أن الفوضى عمّت بقطاع الإعلام وهذه الفوضى هي من مخلّفات الربيع العربي المزعوم …وعلينا أن نعترف أن النقص في المهنية أصبح شعار المرحلة بسبب الفهم الخاطئ للحرية فلو تمّت مقاضاة كل من يمارس السب والشتم والقذف والتشهير في الصحافة المرئية والمسموعة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي لامتلأت السجون بأصحاب القلم والمصدح دون سواهم…
مولاي، عليك أن تعلم أن ما يحدث الآن في العلاقة بين سكان القصر والاعلام لا يبشر بخير…وعليك أن تدرك أيضا أن صمتك على ما يحدث لن يفيدك في شيء بل سيوسّع الهوّة بينك وبين قطاع الإعلام …وعليك مولاي أن تعي جيدا أن سياسة التملق ومراعاة المصالح التي كان عليها قطاع الإعلام، والسياسة الإعلامية التي اتبعتها الحكومات التي سبقت وصولك للحكم الشامل ووضع يدك على كل مفاصل الحكم والسلطة، هي الورم الذي ألمّ بنا ولوثَّ حياتنا…أتدري يا مولاي أن أوضاع هذا الشعب الاجتماعية …والفقر الذي انتشر في كل جهات البلاد والظلم الذي أصبح خبز الشعب اليومي…والمحسوبية والفساد…وغول البطالة الذي أكل خيرة شبابنا…كلها مشاغل ومشكلات في حاجة إلى كلمة قوية ورأي حر…فالسكوت عنها وعن المطالبة بمعالجتها لن يكون ابدا في صالحك ولا في صالح حكومتك التي ينتظر الشعب ولادتها منذ استحواذك على كل مفاصل السلطة والحكم… لهذا لم يعد من المجدي أن تستنسخ الحكومة وأقصد حكومتك نفس اللعبة القديمة الجديدة… فالتمسك بجلباب الاجراءات الادارية والقانون الذي يمنع هذا الصوت أو ذاك من التعبير وكشف الحقيقة لن يكون مقبولا مع هذا الجيل الجديد من أهل الإعلام والصحافة …وعلى كل قوانين البلاد الوقوف مع وليس ضدّ الرأي والكلمة الحرّة وإن أوجعت البعض …فقمع الكلمة…وخنق الراي …وكتم أنفاس التعبير هي سبب ما عانيناه طويلا سواء بعد أو قبل 14 جانفي …وهي أيضا السبب في بعض هذا الخراب…
أتدري مولاي أن إعلام اليوم لن يكون ذلك الإعلام الذي يُلْزم بنشر صورة الرئيس…وخطب الرئيس…وزيارات الرئيس…وضحكات الرئيس…وما يتصدّق به الرئيس…وأوسمة الرئيس…وصور زوجة الرئيس…وابناء عمومة الرئيس…صحافة وإعلام اليوم هي تلك التي ستقول للرئيس…أي نعم مولاي، للرئيس، وأنت الرئيس…ستقول له…أخطأت…وتراجع…وكفاك…ولا تفعل…ولا تظلم…وابتعد…و كرهناك…وستضيف إن لزم الأمر… ارحل سيدي…أي نعم سيدي الرئيس…أي نعم مولاي…ستقول لك ارحل إن لزم الأمر…ألم تقل ألف مرّة في كل خطبك العنقودية إن الشعب هو السلطة هو من يحكم …ولأني على يقين أنك لن تفعل ما يوسّع الهوّة بينك وبين الإعلام سأقول ما قالوه لعمر… “لو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف” وعليك أن تكتفي بقول ” الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني…”.