لمْسُ نار

سيدي الرئيس … وين هاززنا ؟

نشرت

في

من غير المنطقي أن نقول بأن تصريحات قيس سعيد هي السبب في تخفيض وكالة موديز للترقيم الائتماني لتونس بل على العكس من ذلك يبدو  أن تصريحه الساخر من هذه التصنيفات  قد يكون استباقا منه  للأمر باعتبار اطلاعه على مخاوف البنك المركزي و معرفته الدقيقة بواقع الاقتصاد التونسي ، و لا يعدو أن يكون محاولة منه لإضافة نقاط إلى رصيد شعبيه خاصة و هو يؤكد على ضرورة احترام إرادة الشعب، كما هو الحال تماما بالنسبة إلى استدعائه للسفير الأمريكي منذ يومين و تعبيره عن رفضه لوضع الملف التونسي على قائمة أعمال الكونغرس و هو الأدرى من غيره بأن الإدارة الأمريكية لا يمكن لها التدخل في شؤون السلطة التشريعية هناك و لا أن تحاسبها على قراراتها أو تتحكم في مواضيع اجتماعاتها …

<strong>عبير عميش<strong>

إذن أمر التخفيض كان متوقعا و منتظرا لأن الآفاق منذ آخر ترقيم في أواخر فيفري الماضي كانت سلبية و لكن عدم الاستعداد لهذا الموعد منذ أشهر إضافة إلى  اضطراب الأوضاع السياسية في البلاد زاد الأمر تدهورا ، فوفق تقرير “موديز” و بعيدا عن الجانب الاقتصادي ، فإنّ من بين أسباب التصنيف السلبي غياب المحكمة الدستورية و غياب القدرة على فض النزاعات بين التنفيذي و التشريعي و الشكوك بشأن قدرة الحكومة على تنفيذ التدابير التي من شأنها ضمان التمويلات اللازمة و التأخير الكبير في القيام بالإصلاحات

و لسائل ان يسأل هل كان بالإمكان تفادي ما وقع خاصة أنه نتيجة تراكمات لسنوات طويلة من سوء التسيير وضعف الحوكمة و انعدام الكفاءة و التعامل مع الدّولة بعقلية الغنيمة ؟

لست مختصة في الاقتصاد لأجزم بالإجابة و لكن يقول عديد المختصين أن ذلك كان ممكنا لو أن رئيس الجمهورية و البنك المركزي دخلا في حوار مع هذه الوكالات مباشرة بعد 25 جويلة و طلب منها تأجيل تصنيف تونس نظرا للوضع الاستثنائي و سارع بالتوازي مع ذلك في إرساء حكومة و بناء توجهاتها الكبرى  فتكسب تونس المزيد من الوقت لتحقيق بعض الإصلاحات العاجلة التي تجنبها هذا المصير و تجنّب الاقتصاد التونسي هزّة جديدة قد لا يستطيع تحملها

و حتى لا أتهم بالتشاؤم فإنني أقول بأن  باب الأمل مازال مفتوحا أمام بلادنا. فالتصنيفات مؤقتة و قابلة للمراجعة بصفة دورية ، ويكفي اتخاذ بعض الإجراءات في المجال المالي والاقتصادي و حسن إدارة الأزمة السياسية حتى يتم تحسين التصنيف حتى تستعيد الأسواق ثقتها فينا خاصة و أن لنا من المقوّمات الجغرافية و البشرية ما يسمح بذلك ..

فليت الرئيس قيس  سعيّد يغيّر من أسلوبه التواصلي و طريقة تعامله مع الشعب فيدعو التونسيين إلى العمل ومقاومة الكسل والتواكل بدل الحديث عن الثروات المنهوبة و عن الأموال المسلوبة و عوض التوعّد و التهديد و الخطاب المتشنج عن التنكيل بقوت الشعب فخطاب كهذا قد يجد هوى في نفوس أنصاره و لكنّه لا يخرج البلاد من أزمتها … كفانا وقوفا على الأطلال و حديثا عن الماضي ( لحظة 17 ديسمبر 2010 ) و محاسبة للماضي،  و لننظر إلى المستقبل  و كيفية بنائه حتى لا نعود إلى مربعات الصراعات القديمة

سيدي الرئيس إن السيادة الوطنية ليست خطبا رنانة تلهب مشاعر الجماهير فقد جرب ذلك قبلك عبد الناصر و القذافي و صدّام حسين و لكنّهم فشلوا في تجسيدها على أرض الواقع .. إنّ السيادة  في ظلّ العولمة هي اقتصاد قوي وعمل متواصل و تشجيع على الاستثمار والإنتاج والتصدير …السيادة الوطنية هي شعب يأكل مما يزرع و يصدّر بأكثر مما يستورد و تقل ديونه عن ناتج دخله القومي  ..السيادة الوطنية هي  التخلّص من البيروقراطية القاتلة وتطوير التعليم و تحسين الخدمات الصحية و زرع الثقة في الشباب و انتشاله من البطالة و دخول فعلي للعالم الرقمي و بناء استراتيجيات للأجيال القادمة  …

إنّ للكلمة يا سيدي الرئيس وقعا و سحرا في النفوس فاجعل كلماتك بنّاءة مجمّعة ، ابتسم في وجوهنا و كفانا توتّرا … ألا يكفينا ما نعانيه من ضنك في يومنا حتّى تطلّ علينا متجهّما في كلّ مرّة ..  اتركنا نحلم بتونس أفضل دون أحقاد أو تصفية حسابات …

اترك لنا مجالا لنحلم بمستقبل أفضل خاصة بعد أن تشكلت هذه الحكومة التي يبني عليها الكثيرون آمالا كبيرة و يعتبرون أنها حكومة الفرصة الأخيرة لتونس

تمّ تنصيب الحكومة منذ يوم الاثنين الماضي و لكننا مازلنا بانتظار التعرف إلى  برنامجها و أولوياتها فحتى الكلمة المقتضبة التي ألقتها رئيسة الوزراء ساعة الإعلان عن التركيبة الحكومية لم تكن إلاّ كلاما إنشائيا عن ضرورة استعادة الثقة دون  خطة عمل واضحة و بالتالي لا يمكننا  اليوم أن نحكم على حكومة لم ينطلق أفرادها في العمل بعد فإنجازاتهم هي التي ستتحدث عنهم في نهاية الأمر، و لكن من حقنا أن نطرح مجموعة من الأسئلة نراها هامة في هذه المرحلة من تاريخ تونس

  • ما هي الاستراتيجية المطروحة لمحاربة الفساد؟  هذا الملف الذي طالما تحدّث عنه رئيس الجمهورية و أوصى وزيرته الأولى بأن تجعله في أعلى سلّم أولوياتها ؟
  • كيف سيقع تمويل عجز ميزانية 2021 و تعبئة موارد ميزانية 2022 ؟
  • هل هناك خطة لتعاون ثنائي مع بعض الدّول التي ساعدتنا سابقا و تبرّعت لنا بمئات الآلاف من جرعات التلقيح ؟
  • كيف سيتم إقناع صندوق النقد الدولي بالرجوع إلى طاولة المفاوضات؟ و ما هي الإصلاحات التي ستتعهّد بها الحكومة من أجل ذلك و كيف سيكون وقعها على المواطن ؟ و ما مدى قدرة الحكومة على تنفيذ هذا البرنامج، خاصة وهي حكومة وضع استثنائي؟
  • كيف ستكون العلاقة مع الشركاء الاجتماعيين ( اتحاد الشغل و اتحاد الأعراف )، خاصة أنهم بدؤوا في المطالبة بتطبيق الاتفاقيات السابقة
  • كيف سيتمّ التعامل مع ملف العاطلين عن العمل  و خاصة تفعيل  قانون عدد 38 ؟
  • ما هي الخطة المعتمدة لحماية القدرة الشرائية المتدهورة للتونسيين  بإصلاح اقتصادي حقيقي و دون التهديد بالالتجاء إلى القوات المسلّحة ؟

 إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة  و غيرها من شأنها أن تعطينا فكرة عن توجه الحكومة  و عن مستقبل البلاد في قادم الأيام

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version