جور نار

سيُريد الشعب يوما … و لكن ماذا؟

نشرت

في

مثلما تحول معظم مفترقاتنا إلى متاجر فوضوية و أسواق، صارت لنا في كل تلفزة حضرة من ساسة الاحتياط ممن لم تجُد بهم كليات العلوم السياسية و لا المدارس الكبرى و هناك جدل حول حصول بعضهم على الباكالوريا من عدمه.

<strong>عبد القادر المقري<strong>

محور هذه الأيام بل الأسابيع، هو “دستورية” هذا القرار أو ذاك … و معه استسهال غريب لكلمة الانقلاب التي لم نكن نعرفها إلا في قواميس العساكر عربيا و إفريقيا و أمريكيا لاتينيا … و تأتينا دائما عبر الوكالات و الصور مرفوقة بعتاد حربي يجول في المدن و بزّات قتالية ترأس دولة و تعِد بانتخابات وشيكة بعد أن تحتلّ الإذاعة و تعلن ما يسمّى بالبلاغ رقم 1 … و قافلة طويلة من عمليات السحل و الإعدام و المقابر المجهولة … و من كثرة ما كُرِهت هذه الكلمة و حاملو وصمتها، أصبحت حجارة تراشُق بين كل متخاصميْن و لو كان عتادهما لا يزيد عن الكلام و لا شيء غير الكلام …

الدستور، الانقلاب، الشرعية … و أضاف لهما رئيسنا تعبير المشروعية مثلما أقحم غيره ـ دائما في الفقه السياسي للّغة ـ مشتقّات أخرى من جذر (ش ر ع) كالشريعة و الشارع و احمد ربّك أننا لم نلجأ بعد إلى عراك بالألواح الشراعية … و ما دمنا في لعبة الحروف الثلاثة المذكورة آنفا، فلأسمح لنفسي بمناقشة تفصيلين شبيهين من نفس معمعة النقاش … و هما (مشروع) الحُكم، و السلطة (التشريعية)…

المشروع المجالسي لقيس سعيّد أو لأنصاره أو لكليهما معا … على ما يبدو، هم ينوون إرساء نظام انتخابي ليس ككل الأنظمة، الأنظمة المعاصرة على الأقل … يختلف عن الانتخابات المعتادة بحيث لا يرجع إلى إجراءات قانون الانتخاب فلا هيئة تشرف، و لا إعلان، و لا تحديد آجال، و لا تسجيل مرشحين، و لا قبول أو رفض لهؤلاء، و لا طعون، و لا حملات، و لا قوائم ناخبين، و لا تحديد يوم اقتراع، و لا تسخير لمدارس ابتدائية، و لا طوابير، و لا حبر أزرق، و لا أوراق، و لا خلوة، و لا صندوق، و لا فرز، و لا إعلان نتائج … و خاصة و لا تحديد لهوية هذه الانتخابات هل هي لتجديد برلمان أو لأعضاء مجلس بلدي أو لاختيار رئيس …

هم يريدون العمل بالشكل المباشر في البداية فقط … على مستوى العمادات أو المشيخات … أما بعد ذلك فيصبح الأمر غير مباشر (المجلس المحلي)، ثم غير غير مباشر (المجلس الجهوي)، ثم غير غير غير مباشر (المجلس الوطني) … هذا ما فهمته على الأقل من خلال تلميحات الرئيس، و من خلال تصريحات من يحسبون أنفسهم عليه … و العجيب أنه حتى في المرحلة الأولى التي يُستمع فيها إلى صوت المواطن مباشرة، تجري العملية عن طريق القرعة (!) و أنت حظك … سواء كنت ناخبا أو مترشحا …

 و بصرف النظر عن بعض ما في هذا مما يشبه الدُعابة و نوادر الأخبار … و بعد التساؤل عن جدوى هذا التسيير البدائي الذي مارسته إحدى جاراتنا في تجربة اللجان الشعبية مضحكة الذكر … و التي تعاني اليوم من تبعاته و رواسبه تلك الجارة التي رغم نفطها الدافق لم ترِثْ منه إلا الصحراء و التصحّر … فإن هذه الخطوة لا يمكن أن تكون إلا إلى وراء، في حين بقينا عقودا ننشُد المرور إلى حال ديمقراطي أفضل … و أن نُصلح أداء الدولة، لا أن نقلعها من أساس أساسها …

قد يصلح هذا النظام في تنصيب جمعية رياضية صغيرة، أو في ناد اجتماعي أو خيري … و على مستوى البلاد يمكن أن ينفع في صورة إنشاء غرفة برلمانية ثانية، على غرار مجالس الشيوخ أو المستشارين في الأنظمة الدستورية ذات هيئتين تشريعيتين … يمكن ذلك و بكثير من الحذر و ضمانات القانون … فالمافيات السياسية و اللوبيات الفاسدة، يمكن لها أن تتسلل و تحضر و تفرض نفسها حتى من خلال هذه الآلية التي تبدو خالية من أي سوء … و ربما تجد نفسها فيها أكثر من أي وقت مضى …

هذا النظام (المجالسي)  لا يمكنه تعويض مجلس النواب كهيكل تشريعي منتخب، خاصة بعد إخلائه من المناظر الحالية و شبيهاتها … قد يكون القالب الديمقراطي المتعارف، كبيرا أو ضيّقا على بعض الأشخاص و الأحزاب و الإيديولوجيات … و قد تكون له مساوئه بل هي كثيرة، و لكنه الأقل سوءا بين كل الأنظمة كما قال عديدون … و بدل رمي الإناء الثمين مع القمامة التي فيه، هل الأجدر التخلص فقط من القمامة، أم التضحية بالإناء و المطبخ و هدم كامل البيت؟

ثم … بماذا تفيدنا هذه الوجبات السياسية المتفلسفة، في بلد قد لا يجد غدا ما يأكل سوى أظلاف التين الشوكي كما قال الآخر … هذا إن ترك لنا منه الفاسدون ظلفة أو نصف ظلفة …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version