مضت على عمر جريدة “الأيام” وعلى هذا الموعد بالذات خمس وثلاثون سنة بالتمام و الكمال… لم يهدأ هذا القلم الغاضب لحظة واحدة … فقد كان دوما ضحية حساسية موجعة تعصر على القلب والعقل والأعصاب في آن واحد، جراء ما دار و يدور بهذا الوطن البائس قبل و بعد ثورة “البرويطة” … كنا جميعا نعتقد أننا “هرمنا من اجل هذه اللحظة”… لكن هذه اللحظة لم تكن إلا سرابا ورياحا رملية عاتية أسقطت معها وريقات الزهور الحمراء و قطائف الياسمين البيضاء، وحملت معها الأتربة اللافحة لوجوهنا وأفصحت عن مصائب جديدة تضاف إلى مصائبنا !!…
و رغم النزر القليل من حرية الرأي و دمغجة محترفي السياسة، فها نحن نصبح و نمسي على “سلطة رابعة” تتأرجح بين مطامح إعلام قوي حر ّيتوق إلى الانعتاق التام و بين فكي مافيا سياسية و اقتصادية تطبق عليه يوما بعد يوم … وقد نتجت عن هذا الزواج بالإكراه بذاءات و نتونات نفّرت رأينا العام من إعلام من المفترض أنه وطني..
لقد اكتسح أرض الثورة مزيج مما تحفل به الغابات المتوحشة عادة: غربان ناعقة و كواسر مفترسة و ذئاب جائعة تغزو وطنا و ثورة لم يحصل شبابهما و شيوخهما من الشاة الا على الذيل أو الاذن!!!
بعد خمسة و ثلاثين عاما بأيامها و لياليها، عادت شجون قلم هدّته النوائب بأوجاع أخرى و بتعبيرات واختلاجات وغصص وطن ينزف… هرمنا قبل أن نعبر إلى الجانب الآخر من الوادي. وقبل أن نستمتع بشمس دافئة و برّ أمان … هرمنا و ما هرمت أيدينا و لا أقلامنا، و الدليل أننا هنا، نصافح قارئا وفيّا، و نكسر طوقا شقيّا، و نضمّد وطنا يكاد يصبح نسيا منسيّا … و نرجو أن ننجح و لو في بعض ذلك …