صحيّن تونسي … وأصيل زادة !

انا من الذين ينزعجون (وجدّا) على فئة من الثقفوت خاصة وهم يسلخون المواطن التونسي بابشع الاوصاف … هو بالنسبة للعديد منهم ذلك الغبيّ الجاهل الكسول وقائمة النعوت البشعة طويلة ..

نفس تلك الفئة من الثقفوت تتحدّث بسخرية عن تلك العبارة الشهيرة (تونس بلد الثلاثة آلاف سنة حضارة … ) ولست هنا لاعدّد ما خاضته تونس من معارك وانتصارات منذ ثلاثة آلاف سنة فقط اكتفي بالقول (الجاهل لا يُعذر بجهله) … ولا ادّعي ايضا انّي مختصّ في علم الاجنماع لاحلّل شخصيّة التونسي ماضيا وحاضرا بل اكتفي بالقول ..التونسي هذا الكائن المتوسّطي جغرافيا ..البربري العربي المسلم الافريقي ..هو خليط من جينات متعدّدة جعلت منه مخلوقا تجتمع فيه كلّ محاسن ومساوئ كلّ تلك الجينات..

ولعلّ نتاجها الواضح للعيان تمثّل في ذلك الفرد المحبّ للحياة ..للتفرهيد ..يكره التكشيرة والمكشّرين والتشكبيرة والمكشبرين .. يطرب للقعيدة السمحة … يهتزّ فرحا ويشيخ زنس شيخة لانتصارات ابناء بلده في كلّ المحافل وخاصة منها الرياضية .. ليس من المغرمين جدّا بالسياسة والسياسيين بل ينفر من لغوهم ويضحك على امثالي من المنظّرين …ولكنّه في المقابل غيور جدّا على اسم بلده وعلم بلده ..وعندما تشتدّ المحن تجده الاوّل في الصفوف الامامية معرّضا صدره لكلّ المخاطر ..

وحتّى اكون واقعيا في هذه التوصيفة لابدّ من الاشارة بانّي اتحدّث عموما على ذلك التونسي البسيط والغلبان دون انكار وجود سلالة قابيل شرّا واجراما وخبثا وعفونة .. التونسي الذي اتحدّث عنه في مقالي اليوم لم يعرف يوما النّزل واجواءها .. لم يعرف يوما بلدا آخر في الكرة الارضيّة غير تونس .. واحيانا لم يعرف من مدن بلده الا مدينة مسقط راسه واحيانا لم يعرف من تلك المدينة الا حومته .. هذا المواطن العظيم بكفاحه من اجل لقمة عيشه وعيش عائلته، “الزردة” عنده ان يدخل يوما في الشهر وفي السنة احيانا لمطعم شعبي ويطلب منه صحيّن تونسي …

ياااااه ما اجمل هذه التسمية وما امتع مضمونها .. والصحيّن التونسي لجماعة الكافيار الذين لم يسبق لهم يوما معرفتهم به (والمحروم محروم) هو بكلّ ما فيه من مكوّنات: فلفل وبطاطة وتنّ وزيتون وهريسة وعظيمة مروّبة او مقلية .. هذا الصحيّن التونسي هو في تقديري تلخيص لذلك التونسيّ الاصيل الذي اتحدّث عنه … التونسي تماما كالصحيّن التونسي …متَنْوش من كلّ شيء وفي كلّ شيء ..هذا التونسي ابحث عنه ستجده فقط في الاسواق الشعبية .. فقط في الفيراجات متاع الملاعب .. فقط في الشواطئ الشعبية …

هو مواطن برتبة عون مهما كان اختصاصه .. يفرح بسرعة ويتألّم بسرعة .. يصرخ عندما يجب ويبكي عندما يجب … يتابع الاحداث بشغف وبحبّ اسطوري للناس الباهية النظيفة .. رجّال نغّار في مواقفه .. يضرب على صاحبو بالبونية ما يحبّش البالدة .. يصبر عليك اما ما تشيّطش عليه .. يعرف معنى العشرة ومعنى الجيرة ..ايّاك ان تستبلهو .. ياما احزاب استبلهوه وصدّقهم لانّو طيّب وبعد وقت اكتشف خبثهم وغباءهم ورّاهم النجوم في القايلة … دون فلسفة او تعقيد وبعيدا عن اطروحاتنا المعقّدة ..

وفي كلّ هذا وعندما تجالسه تكتشف انّه ليس بالغبيّ بل ربّما يفهم احيانا اكثر منّا في ما يجري على الساحة .. هو ما عندوش آلهة متاع فكر ونظريات ..احكيلو على سبينوزا او نيتشة او انشتاين يقلك “هذوما في ايّ جمعية يكوّروا؟” .. احكيلو على تميم والعقربي وعتوقة وطارق يقلك يا حسرة هاكة زمن الرجال متاع الكورة … توة ماعادش كورة … احيانا وقت نحكي معاهم وكنت استمع اكثر مما اتكلّم اجد نفسي مجبرا على طرح عديد الاسئلة من نوع ..شكونو اللي فاهم الدنيا احنا زعمة زعمة الجهابذة متاع التفكير والتحليل والا ذلك المواطن البسيط ؟؟ هل المعرفة نعمة او نقمة ؟؟ من السعيد فينا ومنّا ؟؟

هذه بعض الخواطر استقيتها من ردود افعال تلك الفئة البسيطة التي شاركتها الفرجة في مقابلة التنس في ربع نهائي ويمبلدون … تلك الفئة وهي تشاهد انس تحسّها تدافع على علّيسة او الكاهنة …شفتو الغباء متاعي ؟؟ تي هوما اصلا يعرفو عليسة او الكاهنة؟! .. هوما يعرفو بالكاد بعض المغنيات وبعض اشباه المذيعات …ولكن انس جابر بالنسبة ليهم هي تونس .. وتونس تحلى في عينيهم وقت تبدا منتصرة وهوما يترشّفو في قهوة فيلتر وسيڨارو اوريس مهرّب من الجزائر …

وآخر سؤال اختم به شكون فينا التونسي الاصيل ؟؟ ذاك الذي يستمتع بصحيّن تونسي اصيل ام بإسكالوب بانيه ..؟؟ ….