هل يمكن يا حبيبتي أن يقتلني هؤلاء العرب إذا عرفوا في يوم من الأيام أنني لا أحب إلا الشعر والموسيقا، ولا أتأمل إلا القمر والغيوم الهاربة في كل اتجاه؟
أو أنني كلما استمعت إلى السمفونية التاسعة لبيتهوفن أخرج حافيا إلى الطرقات وأعانق المارة ودموع الفرح تفيض من عيني …
أو أنن كلما قررأت “المركب السكران” لرامبو، أندفع لألقي كل على مائدتي من طعام، وما فيخزانتي من ثياب، وما في جيوبي من نقود وأوراق ثبوتية من النافذة …
نعم فكل شيء ممكن ومحتمل ومتوقع من المحيط إلى الخليج، بل منذ ٍايتهم يغدقون الرصاص بلا حساب بين عيني غزال متوسل أدركت أنهم لا يتورعون عن أي شيء.
و لكن من أين لهم أن يعرفوا عني مثل هذه الأهواء، وأنا منذ الخمسينات لا أحب الشعر أو الموسيقا أو السحب أو القمر أو الوطن أو الحرية إلا متلصصا آخر الليل، وبعد أن أغلق تأبواب والنوافذ وأتأكد من أن كل المسؤولين العرب من الماء إلىالماء قد أووا إلى أسرّتهم وأخلدوا للنوم.
ولكن إذا صادف وعرفوا ذلك بطريقة أو بأخرى، فأكدي لهم يا حبيبتي بأن كل ما سمعوه عني بهذا الخصوص هو محض افتراء وإشاعات مغرضة، وأنني لا أسمع إلا نشرات الأخبار، ولا أقرأ إلا البلاغات الرسمية.
ولا أركض في الشوارع إلا للحاق بركب التطور.
وانني أقتنع دائما بما لا يقنع وأصدق ما لا يصدق، ولا أعتبر نفسي أكثر من قدمين على رصيف أو رصيف تحت قدمين.
وإذا ما سألوك: أين أذهب أحيانا عند المساء، فقولي لهم: إنني أعطي دروسا خصوصية بالوطن العربي في توعية اليائسين ولمضللين.
وإذا ما بدوت حزينا في بعض الأحيان، فأكي لهم أنه حزن إيجابي، وإذا ما أقدمت على الانتحار قريبا فلكي ترتفع روحي المعنوية إلى السماء.
وإنني لا أعتبر أن هناك خطرا على الإنسان العربي والوطن العربي سوى إسرائيل، وتلك الحفنة من المثقفين والمنظّرين العرب الذين ما فتئوا منذ سنين يحاولون إقناعنا في المقاهي والبارات والندوات والمؤتمرات، بأن معركتنا مع العدو هي معركة حضارية وكأنهم ينتظرون من قادته زجنرالاته أن يحلسوا صفا واحدا على كراسيهم الهزازة على الحدود مقابل صف من الكتّاب والشعراء والفنانين العرب ليبارزوهم قصيدة بقصيدة ومسرحية بمسرحية ولوحة بلوحة وسمفونية بسمفونية وأغنية بأإنية ومسلسلا بمسلسل.
لا يا حبيبتي، اركبي أول طائرة واجتمعي بكل من يعنيهم هذا الأمر في الوطن العربي، وحذريهم من الوقوع في مثل هذا الشَرَك، أو مثل هذه الدوامة. فصراعنا مع العدوّ واضح كل الوضوح في المقولة الشهيرة: “ما أخذ بغير القوة لا يسترد إلا بالقوة”. والصراع المحتدم الآن بين أكبر دولتين في العالم وأكثرهما غنى بالشعراء والكتّاب والفنانين، ألا وهما روسيا وأمريكا حول سباق التسلح إلا الدليل القاطع على صحة تلك المقولة
ولذلك، فأنا ككل عربي، مستضعف ومستهدف من جميع الجهات، أتابع هذا السباق باهتمام بالغ، وأتابع بالاهتمام نفسه كل ما يطرأ على عالم الأسلحة من تطور في الشكل والمضمون والفعالية، وإن كان لا يزال للدبابة بالنسبة لي ولجيل الخمسينات برمته مكانة خاصة في نفوسنا ولا نستطيع بمجرد أن ظهرت أسلحة جديدة أكثر رشاقة وفعالية منها أن ننساها بكل هذه البساطة، فبيننا وبينها عشرة عمر.
وإذا كانت الدول الأقل غنى منا قد وفرت لكل مواطن دبابة واحدة على الأقل، فحريّ بنا نحن العرب، وقد وهبنا الله تلك الثروات والموارد التي لا تنضب، أن يصبح لكل مواطن عربي في المستقبل لا دبابة واحدة بل خمس دبابات على الأقل: