عبد القادر المقري: “أنستغرام”… في رحاب دولة وزنها 50 غ
نشرت
قبل 4 سنوات
في
في الوقت الذي تقاعست فيه وزارة الثقافة عن إنجاد فنان عريق كتوفيق الناصر أيام كان يعاني أوجاع المرض ثم سكرات الموت، و انتظرت نهايته حتى تصدر في شأنه تأبينها الخشبي المعدّ مسبقا لكل أهل الفن و العلوم و الآداب …
و في الوقت الذي يعيش فيه نصف مبدعي البلد (على الأقل) إما عالة على وظيفة ثانية أو تحت خط الفقر أو السقم أو النسيان، نسيان الوزارة خاصة … و في الوقت الذي ترقد فيه مشاريع نصوص يتبجّح بكتابة مسودّتها كم وزير بعد إقالته و لكنه يبقيها تحت “سومان” مكتبه إلى يوم القيامة إن شاء الله …و هي نصوص قوانين حول الرعاية الاجتماعية و حقوق التأليف و النهوض بهذا القطاع الثقافي أو ذاك فضلا عن وعود بإنشاء بنى تحتية أو ـ أضعف الإيمان ـ صيانة ما هو قائم و يهدد بالسقوط …
في الوقت الذي لا يجد فيه خريجو مدارس المسرح و السينما و الموسيقى و الفنون الجميلة و كليات الآداب عملا أو ما يشبه العمل … فتراهم يضربون مضارب شتى لتدبير العيش، فيهم من لا يفلح، و فيهم من يفلح قليلا، و فيهم من يجد ضالته في التطفل على مجال ليس مجاله كالإعلام مثلا … و قد تلتمس لهم بعض التفهّم و أنت ترى حقل عملهم و قد غزاه البلطجية و القوادون و بائعات الهوى … و لكنك في النهاية تلوم بشدة من يمسكون طرف الخيط و موقع القرار … الوزارة، مجلس النواب، مجتمعنا المدني الملآن حاليا بأوكار السواد و المداد، و المتمعّش من أموال لا أحد يراقبها، و لا عارف بوجوه إنفاقها، و لا مهتمّ بعلاقة أفرادها و جماعاتها بالعمل المدني …
في الوقت الذي تعبت فيه مهن و أهلها من التظاهر و الاحتجاج و تحرير العريضة تلو العريضة، أصوات بحّت مطالبة بأيّ حل لهذا الحجر الشامل المتعلل بكورونا، و هو في نظرهم أفتك منها … المهن الموسيقية خاصة و نحن لا نرى من أصحابها سوى تلك الحارة من مدللي البلاتوهات و مدللاتها، و معهم فئة “فناني” تحت الأرض (أندرغراوند) الجاري رزقهم على يوتيوب و ناطقهم الرسمي الهادي زعيّم … بينما هناك مئات و ألاف حتى، مورد رزقهم الشغل في العلب و الفنادق و قاعات الأفراح و أسطح المنازل … نعم … يصنعون الفرح في حدود طاقتهم و هم في الأخير جزء من حياتنا نراه كثيرا و لا نراه في الحقيقة … وراءهم أسر و أطفال و مدرسة و مستشفى و تكاليف معيشة، و يحملون مثلك و مثلي جنسية هذه “الطبة” غير الفلاحية !
في هذا الوقت العامر بالخيبات المتلاحقة، ينتظم معرض للكتاب تفرح لأنه انتظم، و لكن يصيبك الذهول و وجهاؤه يكرّمون غانية من غواني أنستاغرام … كل رأسمالها جسد، و كل إبداعها صور لا تتوقف لزوايا تشريح هذا الجسد و ضحكاته و تكشيراته و جولاته في الشارع أو في البيت أو في بيت الحمّام … هي حرة مثل نظيراتها لم أقل شيئا، و لكن أين هذا من الكتاب و من معرض كتاب، حاول أن تفهم؟
في وقت و بلد يراكمان عجائب الدنيا، يرتكب هواة السياسة عندنا كل فرضيات الغباء الممكنة … يتخيلون مثلا أن تلك الطبقة من مترفي و مترفات الضواحي، هي الجمهور الأوسع الذي يضمن لهم الرواج و البقاء … و لو صلح هذا التكتيك، لصلُح مع رئيس الحكومة السابق حين ترك هموم الشباب الجائع، و أفسح صدره و مكتبه و وقته الثمين لبورجوازيات إنستغرام هذا … فكنّ عليه نذير شؤم، و ما فتئ أن طار من موقعه بعد أسابيع قليلة على ذاك المحفل …
و العاقبة لكم من كل قلبي، يا مسؤولي الثلاثة دورو …