عبد القادر المقري: “يتحملون مسؤوليتهم” أو يتحملون شجرة هندي … و نحن بماذا خرجنا؟؟
نشرت
قبل 4 سنوات
في
قبل 14 لم نكن مولعين كثيرا بالسياسة … صحيح أن المشهد كله كان يدفعنا دفعا إلى اهتمامات أخرى تتراوح من الخطير إلى الأخطر، كأن تغرق القنوات في الشأن الوطني حتى الأذنين فنغرق معها متجادلين الأسابيع هل ذهبت الكرة إلى يد اللاعب أم هي اليد التي ذهبت إلى الكرة و هل جاءت البيضة بالدجاجة أم العكس … و لكن على الأقل كان من يحتكرون المجال السياسي يتقنون ذلك إلى حدّ معقول، أي إلى الدرجة التي يوفرون فيها للجمْع الغذاء و الدواء و الماء و الكهرباء … و كانت الحكومات في معظمها تشتغل بنظام و إيقاع مستقر، و لم يدّع أحد أنها حكومات كفاءات و لا حتى حكومات كفتة …
بعد يوم الهوجة في 2011، اختفى حديث الكرة في الأسفل، و حكومات الخدمات المنتظمة في الأعلى، و انفتحت السوق على أصوات الدلاّلين كل ينادي على السلعة التي يريد، دون حدود تدخّل و دون رقيب على تلك الحدود … فرحنا صراحة في البداية و قلنا ما أسهل أن يسيّر الواحد بلادا طولها على الخريطة المكبّرة ثلاثة سنتيمترات و عرضها صانتي و نص … و استسهلنا الحكاية خاصة حين رأينا وزارات و كتابات دولة يمسكها ناس مثلك و مثلي بلا صحيفة سوابق إدارية مثقلة، و شاهدنا المرزوقي في رئاسة الدولة، و بن جعفر في رئاسة البرلمان، و الجبالي فوق رأس الحكومة، و خطة معتمد (أهم منصب في دولة العهد القديم !) يتولاها عاطلون عن العمل … مع العلم بأن كافة من صعدوا إلى أعلى مناصب الدولة الجديدة لا يفوتون معتمد البطالة إلا بالصبر …
و ربما لهذا السبب ذهب في ظن كل تونسي، من شمالها إلى جنوبها إلى شرقها إلى غربها إلى حاضرتها إلى بيدائها، أنه بإمكانه أن يطمح هو الآخر إلى أي منصب عال يحقق من خلاله أحلامه لشخصه أو للبلاد … دون نسيان الأفّاقين الوافدين من شتى بقاع العالم، و قد جذبتهم نحو الوليمة رائحة الشواء … و ربما لهذا السبب أيضا ازدحمت مكاتب هيئة الانتخابات بالمترشحين لرئاسة الجمهورية في كل مناسبة … حتى وقع لها ما وقع لطالب وظيفة ركب سيارة تاكسي للذهاب إلى صفاقس، فتوقف به صاحب العربة في منزل شاكر قائلا له: يستحسن أن تنزل هنا، كي تأخذ مكانك في الطابور الواصل إلى عاصمة الجنوب و الجموسي و حمادي العقربي …
و يحدث في النهاية حقا أن يصعد بعض من هؤلاء العوام إلى سُدد الحكم بمختلف مراتبه … و يبدؤون في تحقيق الأحلام التي سرعان ما تتحول إلى أوهام و ركام … ركام أخطاء و فلسفات و شذوذات، تؤدي آليا إلى نتائج سوداء تتوالى تبعاتها و لا تتوقف، حتى لو توقف صاحبها عن النشاط أو قلبه عن الحياة … و نبقى بعد ذلك نندب كل ثقب في لوح السفينة، و يتزايد نواحنا بتزايد الثقوب التي حوّلت مركبتنا إلى كسكاس … و في كل مرة ندعو بالشرّ على من كان السبب، و لا يفيد دعاؤنا و لا عويلنا فها أن قاع البحر يقترب منا و نكاد لا نرى النور البعيد من تحت طبقات الماء الغامر …
و الغريب أن لا أحد اتعظ من الغلطة الأولى و لا الثانية … و لا أحد قال أوقفوهم إنهم بصدد قيادتنا إلى الهلاك … بالعكس، فأنت تسمع دائما إما تبريرا لما لا يبرر (كعبث رئيس الدولة اليوم بغمّيضة أداء اليمين)، أو عنادا في وقت لم يعد فيه وقت (كتشبّث رئيس الحكومة بوزراء يمكن أن يعوّضهم ألف مرة)، أو صمما و تصميما على شرعية عددية و لو في سبيل رهن البلاد لعقود قادمة … كما يفعل رئيس مجلس النواب الذي يعرف قبل الجميع أنه مكروه ـ شخصا و سياسة ـ من أغلب التونسيين …
لا أحد اتعظ، و لا أحد أوقف التيار القاتل و الفاتحين أبوابنا أمامه … بل تسمع على الدوام عبارة فضفاضة هي (ليتحمّل كل مسؤوليته) … يتحملها كيف؟ سيحاكم مثلا و يدخل السجن؟ و طبعا هذا لم يحصل و لا أظنه سيقع يوما، و في كل الأحوال بماذا سيفيدنا ذلك؟ … تتم مصادرة أملاكه و يعيد إلينا ما أخذ و جميع ما خسرناه؟ مستحيل فيكفينا ما شربناه من وارثي الطرابلسية، كما أن المال سريع الطيران و هناك خسائر لا تعوّض و لو بعد قرون … و هاتوا “صوردي” واحدا مما نهبه خزندار و بن عياد و بن اسماعيل و شمامة بين سنتي 1847 و 1860 … و في هذه الديون ما بقينا نسدد فوائده إلى الخارج حتى عام 1986 في عهد رشيد صفر !
خير للشعوب أن تأخذ حقها بالحاضر، و خاصة أن تعرف من تضع و أين تضع سيقانها … لأن الضاحكين على الذقون لا يحصرهم حصر، و لا يلوم إلا نفسه من ينام تاركا مدجنته في رعاية بنات آوى …