في زمن الطفولة كنّا نتغنّى بالربيع وننشد له _ ورد الربيع فمرحبا بوروده _ وبنور بهجته ونور وروده _ وكنّا نحن سكّان الغابات نشتم رائحته من تلك الزهور البرية التي تتراكض وتتراقص حبورا بمقدمه …وكنّا نتحيّن الفرص لتصيّد بعض فراشاته … والاكبر منّا سنّا كانوا ينصبون فخاخهم للعصافير الشاردة …
واليوم وقد تربّضت الغابات وتربّضت الحياة … انقرضت الغابات وانقرضت الفراشات والعصافير وبرز للوجود مخلوقات غريبة …اليوم اصبح الربيع مأوى للذئاب وبني آوى والثعالب والتماسيح …اليوم ربيعنا هو ربيع زمن الكلاب .. بكمّامات الكوفيد 19 التي هي فيالاصل كمّامات كلاب ..وربيع زمن الطيور الجارحة والبوم والغربان ..بعد هجرة العنادل … وبعد ان هاجرت الورود والرياحين تاركة مكانها للنباتات البرية مثل النجمّ يشرب الماء ويضيّق على الشّجر _ ومثل الدفلى _ ولا يعجب نوّار دفلة عامل في الواد ظلايل _…
ومثل السكّوم وكم من وجوه كالحة جيناتها من اصل سكّومي …وهي اقرب للشرّ منها للتقوى … ثمّ يخرج علينا الجمع مهلّلين للربيع العربي برغم كلّ زوابعه وزلازله وانوائه وضحاياه سواء بالقتل او بحياة اشبه بالموت …وما يخسر عليك كان يقلّك _ انّها فترة التحوّل الديموقراطي … وشوفو الثورة الفرنسية متى اعطت اكلها .وطبيعي ان نكون كذلك .. .
لا وقطعا لا … زمن 1789 ليس هو زمن 2011 … العشر سنوات في القرن الثامن عشر تقاس بساعة في القرن الواحد والعشرين …. وحتّى لا نظلم من يقارنون الربيع العربي بالثورة الفرنسية نجزم بانّنا في ربيعنا العربي لم نقلّدهم الاّ في الثنائي روبيسبيار و دانتون _ مخترعي المقصلة …. بينما غاب عن ربيعنا العربي رجال من صنف ميرابو الذي وقف شامخا امام حصن الباستيل وجلجل مقولته التاريخية _ نحن هنا بارادة الشعب ولن نخرج الا على اسنّة الرماح _ وسقط في 14 جويلية حصن الباستيل …
ولعلّه من مآسي التاريخ ان يكون 14 جانفي بالنسبة الينا سقوط نظام وصعود نظام اكثر سقوطية _ من ذلك الذي سقط …