ليس في كل لغات الدنيا أعظم و لا أكثر شموخا من إشارات الاستفهام و التعجب… فهل أروع من عصا التعجب تضع نقطتها في الأسفل و تقف منتصبة أمام السطر هازئة بالمعنى مستنكرة ما سبق و هل أدقّ من نقطة الاستفهام تميل برأسها متحدية الفكرة مسائلة المعنى ؟؟
و ليس في كل اللغات أكثر حثّا على البحث و التفكير من أدوات الاستفهام التي تعصف بكل البديهيات و ترجّ الفكر رجّا، فلولا ” لماذا” لما اقترن اسم نيوتن بالجاذبية و لولا “كيف” لما صرخ أرخميدس صرخته المدوية ” وجدتها ، وجدتها”…. الأغبياء وحدهم يكرهون أدوات الاستفهام و التعجب لأنها تصيب عقولهم بالصدمة و الشلل و تسري فيها كما يسري التيار الكهربائي في البدن…. هل و أين و متى و كيف و كم و لماذا…. كل هذه الأدوات كانت سبيل الإنسان إلى العلم و المعرفة و البناء و التقدم كانت أدواته في الخلق و الابتكار و التغيير و الثورة على السائد…
كل الأمم تقدمت بطرح السؤال و رفض البديهي و مساءلة الكون … و ساستنا وحدهم يعشقون أدوات النصب و الجرّ وينفرون من أدوات الاستفهام و يكرهون ان نطرح الأسئلة و يستمرئون قيادتنا كقطيع لا يستفسر و لا يفكر و ينعمون بخنوع بعضنا و تهليله و هتافه بأسمائهم و حياتهم…. و لكننا سنتمرّد و سنسأل و نسأل… فدون استفهام لا يُبنى فكر و لا يتقدّم وطن …
فهذه “هل” تحثنا أن نسألهم هل لأجل توتير الأجواء و تفقير الشعب و الصراع على الكراسي انتخبناكم و هل لتلبية رغبتكم و نزواتكم زكّيناكم؟! و ” كيف” تجعلنا نتساءل كيف يمكن أن نأتمنكم على أنفسنا و أبنائنا و بلادنا و أنتم لا تأمنون لبعضكم البعض و لا تحترمون مجالسكم و أسرارها و تتفاخرون بتسريب أحاديثكم… و قد نستفيق يوما على تسريب من غرفة نوم أحدكم…؟! و متى.. نعم متى نتخلص منكم و من كذبكم و أراجيفكم و ألاعيبكم و مهاتراتكم و مناوراتكم و تضخم ذواتكم و إفسادكم لحياتنا و توتيركم لعلاقتنا؟! فأي نفق أدخلتمونا فيه و أي مصير لنا ترسمون؟!!
ذأما ” أين” و ” لماذا” فمتلازمتان … فأين العقلاء في هذا البلد…؟! لم لا ينتفضون ضدّكم و ضدّ غبائكم و انتهازيتكم ؟! و ماذا جنينا ليحكمنا أمثالكم فمن سلّطكم علينا و سلّمكم بلادنا و لفائدة من تهدمون و تدمرون ما بناه آباؤنا و أجدادنا ؟! أ لا تدرون أننا فقدنا معكم و فيكم الأمل فركب البحر من ركب و هاجر من هاجر و انتحر من انتحر؟! فحتام تستطيع تونس أن تصبر و تصمد في وجه هذا الجراد السياسي الذي ابتليت به فأتى على الأخضر و اليابس…؟!
سنسأل أيها السادة – و إن رفضتم سؤالنا – لأننا مللنا نفاقكم و كرهنا خطابكم و مججنا مناكفاتكم.. سنسأل حتى ننغص عليكم سكينتكم و حتى لا تظنوا يوما أنكم قادرون على خداعنا و استبلاهنا… سنسأل حتى تدركوا أننا لكم بالمرصاد و أن تونس لنا و أننا نحن الملاكة موش انتم… و سنتعجب دوما من صفاقتكم و وضاعتكم و عدم إيفائكم بوعودكم و عهودكم و ستبقى تونس أبدا عصيّة على كل ما تدبّرونه لها من سوء و ما تحوكونه ضدّها من مؤامرات.