عفوا سيّدي الرئيس … هذا الشعب لا يقبل بحبّ من طرف واحد !
نشرت
قبل سنتين
في
لماذا يتوجّس المواطن التونسي اليوم شرّا بما ستأتي به أيامنا القادمة؟ لماذا وصل بنا الأمر إلى التفكير في الهجرة وترك البلاد؟ لماذا أصبحنا نقول “هذا الوطن لم يعد صالحا للحياة”؟ هل لأننا عشنا الخراب وشاهدنا عمليات هدم الوطن وما بناه أجدادنا بأم أعيننا أم ماذا، أم لأن أوضاعنا الاقتصادية أصبحت تنذر بأكثر من الإفلاس؟
أظنّ أنه علينا قراءة ما عشناه ونعيشه بشجاعة كبيرة، ودون خوف من تبعات ما قد نقول ونكشف… فحين يكون خطاب رئيس البلاد غاضبا وعنيفا…يقطر حقدا… ويحمل كل يوم تهديدا ووعيدا…وحين يتضمن خطاب الرئيس اتهامات للجميع بالفساد والإفساد…وحين يكون خطاب الرئيس مجرّد محاكمة يومية لماض لم يكن فيه، ولم يصنعه، ومجد لم يساهم في صياغته…حين يصبح نصف هذا الشعب متهما عند الرئيس بالفساد والمحسوبية والخيانة والعمالة والتخابر مع الأجانب…وحين يتهم بعض شعبه بالتآمر عليه…وحين يسجن البعض دون أدلّة تدينهم…وحين يوضع البعض في الإقامة الجبرية دون مبرر واضح…وحين يمنع من السفر بعض الذين يكتبون ضدّ الرئيس وما يقوله الرئيس…وحين يصرّ على الخطأ ويواصل السير فيه…وحين يتعنّت ولا يعترف بأنه أخطأ…وحين يتعامل بلامبالاة تامة مع كل تبعات ما يأتيه من أخطاء…
أقول عندما يقع كل هذا لا غرابة أن يخاف الشعب…كل الشعب، ولا غرابة أن يُصاب بالإحباط والكآبة واليأس…فالحرية والاختلاف في الراي هي أهمّ المكاسب التي حققناها وورثناها من فوضى 14 جانفي ليس أكثر…فالذي يخيف الشعب ويرعبه اليوم ليس عدوا خارجيا يستعد لغزو أرضنا، ولا إخوة في الوطن صوّبوا بنادقهم نحو إخوتهم في الوطن…بل هو من اخترناه دون تردّد رئيسا يجمعنا حول طاولة الوطن…يوحدنا حول مصلحة الوطن …يصالحنا مع بعضنا البعض…يبتسم لنا …يضحك معنا…نسعد معه ويسعد معنا…
كنت أمنّي النفس دائما بأن يجلس على كرسي بورقيبة العظيم ورفاقه ومن واصلوا على نهجه، من يفكّر في بناء الحاضر دون التفكير في كيف سيبقى جالسا على كرسيه، ومن يهتمّ بصناعة مستقبل أجمل لأحفادنا انطلاقا من ماض مجيد صاغ نصّه أجدادنا…لم أكن أتصوّر أن يرأس البلاد من لا يفكّر في إصلاح حاضرها وصناعة مستقبلها ويكتفي بالبحث عمّا وفي ما يسيء لماضيها…كل ماضيها…وأغلب رجالات ماضيها…كنت أمنّي النفس برئيس جامع…لا يحاكم الماضي لأنه ليس منه وفيه…ولا يلعن الحاضر لأنه يحقد على بعض من فيه…ولا يغفل عن بناء المستقبل لأنه لن يكون منه وفيه…
كنت أمنّي النفس برئيس يمتلك شجاعة الاعتراف بجميل غيره وجميل من سبقوه…ويمتلك رؤية جامعة لكل الشعب دون إقصاء لأي طرف…يستشرف مستقبل أجيالنا القادمة دون أن يترك لهم جرحا ينزف…ولا حقدا يهدم…كنت أمنّي النفس برئيس يملأ الوطن محبّة وسلاما…يدين بعقيدة واحدة “الوطن”…يبحث عن التآلف ويعمل من أجله…رئيس يؤمن بأننا “مارون” وتاريخنا فقط هو الأبقى…رئيس يؤمن بأن بناء حاضر جميل يعني بالأساس ترك تاريخ ناصع البياض ومشرّف…فمن يحاكم تاريخ من سبقوه سيحاكم تاريخه…فنصب المشانق للماضي لن يصنع حاضرا ولن يبني مستقبلا…
كنت أمنّي النفس برئيس يحكم بين الناس بعقله وروحه وضميره …رئيس يغلّب العقل على المزاج ويترك الحقد جانبا…رئيس يأخذ بأحوال الشعب كل الشعب حتى وإن كان من غير أتباعه ومناصريه… كنت أمنّي النفس برئيس لا يغيّره الكرسي ولا تحكمه الأحقاد ولا يؤمن بالانتقام… والثأر بين أفراد الشعب الواحد…رئيس لا يأتي ما يجعله صغيرا في أعين الشعب ولا يجعله ضارا في نظرهم…كنت أمنّي النفس برئيس لا يجري وراء صناعة مبررات ضرب خصومه…ولا إقصائهم خوفا على موقعه…فالحفاظ علي موقع في قلوب الشعب أفضل من البقاء على كرسي يحكم الشعب بغير ما يحبه الشعب… كنت أمنّي النفس برئيس يشعر المواطن معه ان هذا الوطن ملكه…ولا يشعر بأنه مجرّد ضيف سيغادر مع أول حافلة…كنت أمنّي النفس برئيس لا يسقط معه الوطن إلى هذا العمق…كنت أمنّي النفس برئيس لا يجعل من هذا الشعب شعبا موؤودا…فأتباع الرئيس ومن هم حوله يئدون كل شيء يأتيه هذا الشعب…يئدون رأيه…يئدون قلمه…يئدون اختياره…يئدون حريته…يئدون مورد رزقه…يئدون سعادته…يئدون مستقبله…ويقتلون حاضره…بعد أن أطلقوا الرصاص على ماضيه لأنهم لم يكونوا منه وفيه…
خلاصة قولي كنت أمنّي النفس كغيري برئيس يقترب منّا…من شعبه…كل شعبه…ومن خصومه…كل خصومه…ومن منافسيه…كل منافسيه…ومن منتقديه…كل منتقديه…رئيس يحب الوطن…ويحبّنا أكثر لأننا بذور وزرع وحصاد هذا الوطن، ولأن الوطن دوننا ليس وطنا…فالأوطان تعيش بشعوبها لشعوبها…كنت أمنّي النفس برئيس نحبّه ويحبّنا…لكن ما كل ما يتمنّى الشعب يدركه…فنحن نحبّ الرئيس…عفوا كُنّا نحب الرئيس …والرئيس كان يحبّنا…عفوا كان يحبُّ اصواتنا حين نضعها في الصناديق…في الختام…هذا الشعب لا يقبل بحبّ من طرف واحد…سيّدي الرئيس…ولا يزال أملي واقفا…باقيا…في أنك ستعترف بحبّك لهذا الشعب سيدي الرئيس….فهلاّ فعلت…وتغيّرت…