جور نار

عمّ الكوني… ضحية الانتقال الديمقراطي…

نشرت

في

محمد الأطرش:

ككل صباح ألتقي مجموعة من الأصدقاء ممن أحيلوا على التقاعد، وكالعادة يرتقي حوارنا اليومي إلى ما فوق السرّة ثم ينزل دون سابق انذار عند البعض منّا إلى ما تحتها ككل الشعوب العربية وكبارها، فالعرب أو لنقل أغلب الشعوب العربية حين تخرج عن النصّ وكذا حين تغضب ينزلق حديثها ولسانها إلى ما بين السرّة والركبة وما جاورهما من خلف ومن أمام ومناطق الظلّ والذلّ…

هكذا نحن العرب فلكل مقام مقال، وفي كل مجال نزال …فإن كان الحديث عن الأمة العربية المزعومة، ووعود قادتها الحاكمين بأمرهم في دول المواجهة، بتحرير القدس وما جاورها حسب التوقيت المحلّي لرام الله وحيفا وما جاورهما وصولا إلى دمشق وبغداد، فإننا ننزل إلى اسفل ونغرق في وحل ومستنقع قادة دول الجوار والمواجهة من العرب، وما تركوه وزرعوه فينا من هزيمة وغبن وعار وإحباط وتاريخ نخجل منه… وإن كان الحديث كرويا فإن البعض منّا يغضب ويترك الجلسة ويهرب بجلده كيف لا وهو إلى يومنا هذا يفاخر بمن ذهبوا إلى الأرجنتين ويهدد بالويل والثبور كل من يقول عنهم وفيهم وعمّا فعلوه سوءا…

 ففي جلستنا التي تنظّمها قوانين ومواثيق أمضيناها معا في لقاء التأسيس لا يمكن الخروج عن النصّ ولا الإخلال بديمقراطية الجلسة… وقد نضطرّ في عديد الأحيان إلى الاستنجاد بأحد فصول أو أوامر نظامنا الداخلي الخاص بجلستنا ورفقتنا ومن ينضمّ إليها، فلا غرابة إن رفع أحدنا صوته وعصاه إن وجدت طبعا لإيقافنا عن التطرق لأمر يراه هو مقدّسا وممنوعا من المسّ… فبعضنا لا يقبل أبدا الخروج عن النصّ حتى وإن كان الأمر غير سياسي ولا يمسّ من هيبة الحكومة وأهل الحكومة ومن يعملون بالحكومة ومن يصاهرون الحكومة ومن يجالسون من يعملون بالحكومة ومن يجاورون الحكومة وسكان الحكومة ومن هم مع الحكومة ومن يصفقون للحكومة…

ميثاقنا منذ بدأنا لقاءاتنا يلزمنا بأن لا نتطرق لأي “أمر” يمسّ من كل ما يهمّ السياسة الداخلية لبلادنا ومن يصنعونها ومن يسكنون مكاتبها ويجلسون على كراسيها… لذلك قررنا منذ يومنا الأول الالتجاء في بعض حالات الطوارئ إلى ما جاء بالفصل الخاص المانع للخروج عن النصّ من نظامنا الداخلي بجلستنا ومجموعتنا، لإسكات البعض منّا ممن ينساقون وراء غضبهم وانفعالاتهم… وقد يصل الخلاف بيننا وترتفع اصواتنا ككل المجموعات التي تجد ملاذا صباحيا لتمضية بعض الوقت والهروب من هرج ومرج المنزل وأوامر “المدام” (ما تنساش تهبّط صاك الزبلة يا حاج)… وبعض الأوامر الأخرى التي تفقدنا هيبتنا وتمس من تاريخنا العريق ووجاهتنا التي كسبناها وعملنا على نحتها أكثر من ثلاثة عقود قبل الإحالة على التقاعد…

 أعود لأقول، وقد يصل الخلاف بيننا وترتفع اصواتنا ككل المجموعات التي تبحث عن ملاذ صباحي لتمضية بعض الوقت حول طاولة في احد مقاهي المدينة، حتى في بعض المواضيع الثقافية والفنية رغم أنها لا تمسّ من سياسة الدولة وهيبتها ولا حتى ممن يعملون بها وفيها…

صباح اليوم اختلفنا حول ما وصلنا إليه قديما من سقوط بكلمات بعض الأغاني فاضطرّ كبيرنا “عمّ الكوني” (نسيت ان أقول إن عمّ الكوني هذا انتخبناه بالإجماع في جلستنا التأسيسية ليكون حاكمنا لفترة انتقالية… طبعا ليس مدى الحياة ولا حتى لدورتين متتاليتين) إلى التدخل برفع الفيتو في وجه أحد من تمسكوا بأن أغنية “على سرير النوم دلعني” التي غنتها حبيبة مسيكة (هااااك العام) رحمها الله أغنية ناجحة ومثيرة وترفع القدرة على الانتاج والحماسة وتزيد من نسبة الرجولة والفحولة، وقد اعتبر عمّ الكوني هذه الأغنية، أغنية بذيئة وساقطة وبورنوغرافية ومخلّة بالآداب وموجبة للمنع…

وجاء أحد الحاضرين بعنوان لأغنية غنتها نجاة عطية وجاء فيها “شماتة فيك نعشق غيرك ونخليك”… وهنا أيضا عارضه عمّ الكوني بقوله أن هذه الأغنية وجب أيضا منعها لأنها تؤسس للحقد والفتنة والشماتة وتحفّز على الطلاق والبحث عن شريك آخر وعلاقات محرّمة، والحديث عنها يمكن أن يكون أيضا عرضة للتتبعات حسب الأمر الخاص والمنظّم بقعدتنا… فهذه الأغنية حسب عمّ الكوني قد تهدّد السلم الاجتماعي بين أعضاء “القعدة” وتعبث بما تبقى لنا من أخلاق ورثناها عن أجدادنا وجاء بها ديننا… هكذا صرخ في وجوهنا عمّ الكوني مهدّدا مولولا…واشياء أخرى لا يسمح المجال ولا المكان لذكرها…

خلاصة القول منعنا اليوم عمّ الكوني من الحديث في العديد من المواضيع ورفع في وجوهنا فيتو الأمر الذي بأيادينا أمضيناه والذي تبنيناه في مسودّة نظام قعدتنا الداخلي… وبعد أن أسكتنا بما ينصّ عليه نظام قعدتنا الداخلي، وقف وكأنه يريد المغادرة… سأله احدنا: اين أنت ذاهب؟ “ما زال بكري”… فردّ عمّ الكوني بأنه ذاهب لجلب نتائج بعض التحاليل الطبيّة التي قام بها بالأمس… سألناه وما يؤلمك ومم تشتكي عمّ الكوني، قال: أفكاركم السوداء وما تقولونه، وواقعنا العربي… والكروي … والثقافي… والاقتصادي، والصناعي والتجاري، وهزيمة مايوركا ضدّ الريال… وذلك الغبي مبابي…وذلك المعتوه فينيسيوس جونيور… والعلكة التي في فم انشيلوتي وهزيمة أنس جابر وعدم مصافحة ابن الشرع لوزيرة بريطانيا واشتياقي لأغنية “بنت الاكابر” لأصالة نصري (ربي يخليهالي) وذكرياتي مع صليحة وأغنية “بخنوق بنت المحاميد عيشة” (هنا  أتممنا جميعا بقية ما جاء في الاغنية وصرخنا  بصوت كورالي مجروح وحزين: ريشة بريشة، عامين ما يكملوش النقيشة… فأضاف عمّ الكوني: أأأأه ه ه ه ه… ) وذكرياتي في برج العرب أنا والحاجة مغلية (يعطيها كيّة…هكذا قال عمّ الكوني)… كلها أرهقتني وتسببت لي في عديد الأمراض الحمد لله أنها ليست بالخطيرة…

سألناه معا وبصوت واحد…أمراض، ما هي هذه الأمراض التي تعانيها عمّ الكوني…؟؟ لا…أجاب…لا…لا… قائمة بسيطة مقارنة بالبعض الآخر… قليل من الانسداد في شرايين القلب، وضغط الدم المرتفع نسبيا، والسكري، والقولون العصبي، وتكلس الأطراف، وكسل الطحال، والفشل الكلوي،  وتشمّع الكبد، ونقص في البصر (وأحيانا البصيرة) ونقص في السمع والشمّ أيضا… وقد منعني الأطباء من السكر والملح واللحوم الحمراء ولحم الدجاج والاسماك بأنواعها ولحم الكلاب، وكذلك بعض الغلال والفلفل والمعدنوس وشرب الشاي والمشروبات الغازية والحلويات، كما منعوني من أكل الخضروات، من بطاطا إلى بصل إلى فقوس ومنعوني من الجزر واللفت والسلق والبسباس وحتى الخبيزة (يا دين الزكش) والموجع منعوني من مباشرة واجباتي الزوجية مع عمتكم “مغلية”…وكذلك منعني طبيبي النفسي من الحلم…علي أن اراقب نفسي ولا يجب ان احلم…

ذهنا نظرنا إليه جميعنا وقلنا بصوت واحد وفي نفس الوقت…عمّ الكوني ممنوع من الأكل والشرب والحلم…وممنوع من مباشرة وظائفه الزوجية…من اين جاءتك هذه البليّة يا زوج مغلية؟؟ أنت في خلاصة الامر ضحية الانتقال الديمقراطي عمّ الكوني…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version