وفاء سلطان
تواصلت معي سيدة سورية منذ عدة سنوات،
يكفي أن تعرف أنها سورية كي تعرف حجم ألمها
هذا الألم الذي لم يجعلها مريضة وحسب، بل مستشفى من الأمراض.
راعيت وضعها وتعاطفت معها وحاولت خلال تلك السنوات أن أخفف عنها وأساعدها على كل صعيد لتتعايش مع آلامها.
من خلال الأخذ والعطاء معها أدركت حجم الغضب الذي يشتعل في داخلها والذي أساء لعلاقتها بمحيطها.
تلقي اللوم على الجميع ولا ترى ماءها عكرا
كنت أدرك أنها حالة ميئوس منها، لكن لم أستطع أن أتجاهلها.
المهم، منذ يومين كان لدي Conference call
أي كان عليّ أن أحضر مؤتمراً على النت ومشغولة جدا بمتابعته.
اتصلت بي خلاله مرتين في أقل من عشر دقائق، وطبعا لم أرد بنيّة التواصل معها بعد أن أنتهي.
انتهى المؤتمر وأخذتني بعض الأمور المهمة، وعندما فرغت منها كانت الساعة في سوريا قرابة الثالثة صباحا.
لم أشأ أن ازعجها فأجلت الاتصال للغد.
أفقت من نومي لأفاجىء برسالة منها ألطف كلمة فيها (يا مغرورة)
من المخطىء أنا أم هي؟
طبعا أنا!
القاعدة الذهبية في العلاج النفسي تقول:
Don’t ever try harder than the patient!
(لا تبذل جهدا مع المريض أكبر من الجهد الذي يبذله)
بمعنى: الجهد الذي يبذله ليخرج من آلامه!
وتقتضي أخلاق المهنة أيضا أن تتوقف عن رؤية المريض عندما لا ترى أي تحسن في حالته لفترة طويلة،
(طبعا هذا في مجال العلاج النفسي وعندما يتقاضى الطبيب اجرته)!
علم النفس والطب النفسي يعترفان بوجود حالات ميئوس منها!
تجاهلت كل هذه الحقائق لسبب بسيط جدا،
لم أعتبر العلاقة علاقة طبيب بمريض، وإنما علاقة إنسان بإنسان!
يبدو حتى في حالة كهذه يجب أن يكون هناك حدود للمساعدة، كي لا يضيع من يرغب بالمساعدة وقته وجهوده سدىً، وكي لا يستهتر الشخص الآخر بقيمة الجهد المبذول!
……………
الخلاصة:
صحيح أن صاحب الحاجة أرعن، ولكن عندما يسمح لرعونته أن تستفحل ستقطع اليد الذي تمتد لتساعد من طرف آخر، أضعف الإيمان أن ترى ثمرة لجهودك،
وإلا وفّر تلك الجهود لتبذلها في مجال قابل للإثمار