عين دراهم التي نعتها الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي بالجنة الضائعة، حباها الله جمالا طبيعيا خلابا فمهما أقمت فيها تظل مشتاقا إليها و أينما التفتّ و في كل اتجاه تكتشف مشهدا طبيعيا ينسيك ما قبله …
مناظر متعددة الألوان و الأشكال تنهض قبل بزوغ الشمس فتسحرك الجبال بهدوئها و تشعر براحة كبيرة و بنشاط لم تعهده … حتى أنك ترغب في الانطلاق بفكرك و جسدك، تتجول أصيلا فتتيه بين الألوان المتعددة خضرة و حمرة و بياضا و تتمنى أن لا تتخلى عن هذا الجمال و قد تأخذك قدماك الى إحدى فجواتها حيث خرير مياه تنزل من الجبال نادرة فتخال نفسك في قطعة من الجنة …
لكن للأسف لم تحظ مدينتي الجميلة بأبناء لهم رؤوس أموال طائلة تمكنهم من إنشاء مشاريع ضخمة تغني شبابها عن النزوح و الهجرة … ولم تسترع عين دراهم انتباه الحكومات المتعاقبة لتمنحها العناية التي تستحق كمنطقة سياحية بامتياز … حتى ما اكتسبته خلال فترة الاستعمار قد خرب و تهدم، فالكنيسة و مقبرة المسيحيين اللتان كانتا مقصدا لسياح يملؤون المدينة و ما فيها من نزل، عاث فيهما الإهمال من سنوات … شارع الحبيب بورقيبة الذي كان مركزا للحركة الاقتصادية تحولت دكاكينه الى خرائب شوهت منظره و لم يبق منها سوى الأطلال …
كل من عاش فترة الستينات و السبعينات يتذكر كم تمتع بالمطالعة و السينما في قاعة الثقافة … و كل من جالس مثقفي ذلك العصر من انداده و تبادل معهم الافكار في نادي ابي القاسم الشابي و سجل اجمل الذكريات في هذا الشارع، لا يملك اليوم إلا ان يحبس الدموع و يشعر بانقباض في الصدر كلما مرّ من هناك … كل شيء أصبح قبيحا آيلا للسقوط، فهذه البنايات اغلبها على ملك الأجانب و لا يحق لأحد أن يلمسها أو يصلحها … أما الحركة الاقتصادية فقد تحولت الى جهة اخرى من المدينة حيث لا اقتصاد سوى الانتصاب الفوضوي: خيام و صناديق لبيع الخضر والغلال و الملابس المستعملة … و حسب ما علمته فإن البلدية بصدد إنشاء سوق لهؤلاء الباعة و كم أتمنى أن لا تفرّخ البطالة باعة آخرين من نفس الفئة الفوضوية هذه …
أليس بإمكان البلدية أن تشيد في شارع بورقيبة بناءات جميلة و إقامات سياحية تفسح المجال لشباب عين دراهم حتى يروج الصناعة التقليدية و يطور فيها … بنايات قد تحقق موارد إضافية للبلدية من خلال كراء الشقق و الإقامات و المطاعم لقاصدي عين دراهم صيفا و شتاء … سيما و أن بلدية عين دراهم على حد علمي كانت تحصل على معاليم إيجار من الدكاكين التي هجرها أصحابها بالموت أو بالحياة … و إذا كان الأمر عسيرا على البلدية فأين الدولة و برامجها التنموية؟
و في انتظار ذلك … هل كتب لعين دراهم ان تتأخر سنة تلو اخرى؟