غليان القِدْر … بين اجتماع القوات الأمنية و”تسفير” بن علي
نشرت
قبل 3 سنوات
في
تابعنا في الحلقة الماضية كيف تم القبض على المتطرف الذي حاول استهداف منزل المحافظ حسان والذي قد يكون مرتبطا بقوى داخلية عميلة للخارج أو قوى خارجية تابعة لمنظومة معينة … وذلك ضمن عملية ممنهجة في ظل أجواء من الهيجان الشعبي الذي بدأ يمر إلى أقصى سرعته، واختلاط الحابل بالنابل وانفلات جزئي للقرار، و آخر اجتماع القوى الامنية قبل عملية تسفير الرئيس السابق.
(بالطابق الثالث بمكاتب للاستعلامات التونسية على يمين المصعد جلس حارسان مدججان بالسلاح وحارسان آخران بزي مدني امام مكتب المديرالعام ..الاجتماعات مرهقة و متواصلة ومفتوحة منذ الصباح الباكر بإشراف الوزير الجديد للداخلية الذي تم تعيينه منذ 12 جانفي، كان هناك الجنرال الذي “انتزع” منه الرئيس القيادة العامة لجيش البر وحوّله الى مدير عام الأمن العسكري تبعا لتوجسه منه إثر معلومات آخر دقيقة … ولم يجد بن علي عندها حلا غير الحاقه بوزارة الداخلية بذريعة “التنسيق”، و لكن تحت انظارالضباط الذين يثق بهم جيدا ..أيضا ضم الاجتماع مدير ي إدارات الأمن مثل المصالح المختصة و المشتركة و الحدود و الأجانب وقيادات الوحدات الأمنية الأربع …
افتتح الوزير الجلسة باقتضاب شديد قبل تحديد المداخلات بالتساوي بين القيادات، و دعا مدير ادارة الاستعلامات لتقديم المعطيات المحينة لديه بعد اجتماع الثالثة صباحا)
المدير العام للاستعلامات: سأمرّ مباشرة إلى سرد الأحداث الهامة الخطيرة … التحركات الشعبية شهدت منذ يومين منعرجا خطيرا جدا على آمن البلاد حيث سقط ضحايا بلغ عددهم منذ يوم 12 جانفي العشرات بالعاصمة والكرم و تالة … وجل هؤلاء سقطوا بنيران قتلة مأجورين لنا شبهات تجاه الجهة التي تديرهم والاطراف الاجنبية التي تدعمهم … كما سقط عدد من زملائنا الامنيين من شرطة أو حرس وطني أو اعوان جمارك أثناء أداء مهامهم بمراكزهم أو خارجها ..حالات كبيرة من عمليات التخريب حدثت ليلة البارحة وصباح اليوم ايضا باكثر حدة من ايام 12 و 13 … كما تم حرق مراكز الأمن بمختلف اصنافها في وقت قياسي واحد بكامل البلاد، تماما كأغلب الشُعَب الدستورية و لجان التنسيق ونهب المساحات التجارية و المصانع ومستودعات البلديات بصورة ممنهجة ايضا تارة و اخرى فوضوية … حصلت كذلك عديد الاعتداءات و عمليات اغتصاب جراء فتح ابواب السجون امام الآلاف من مجرمي الحق العام والمنحرفين و السجناء السياسيين الاسلاميين في جلهم … وكما تعلمون ان الجيش قد تولى حماية البلاد منذ ايام .
(الوزير يرفع السماعة): احتراماتي سيدي الرئيس….. نعم ، نعم. الوضع خطير جدا نحاول السيطرة قدر الإمكان . نعم هناك عدد كبير من القتلى في كل من القصرين خاصة وتونس الكبرى وعديد الجهات الاخرى ونحن بصدد المتابعة . ..نعم سيدي الرئيس، خطابكم ترك بعض الأصداء الإيجابية لكن في ظل اوضاع قد تكون افلتت من ايدينا . ..نعم سيدى الرئيس، عُلم هو الآن معنا. مثلما امرتنا . شكوكك في محلها … القناصة ؟ نعم سيدي الرئيس … القناصة ثبت لنا ان العديد منهم مرتزقة وافدون وقد تم القبض على البعض منهم وتسليمهم للجنرال .. نعم سيدي الرئيس. تحيا تونس حرة منيعة وتبا للخونة
(هنا تدخل هالة الاطرش محافظة للاستعلامات الداخلية) هالة لطرش: بعد اذنك سيدى الوزير بلغني للتو أن الأمر قد استفحل ووصل الى الخطورة القصوى ..يبدو ان عشرات الآلاف القادمين من كل صوب وحدب سيزحفون نحو وزارة الداخلية، وقد حشدو ا مظاهرات صاخبة بشارع بورقيبة وينتظر ان تكون وزارة الداخلية ودار التجمع بشارع محمد الخامس مستهدفتين بقوة
الوزير(محافظا على هدوئه التام و متوجها إلى المرأة): شكرا لقد وصلتني كل هذه المعلومات منذ نصف ساعة يمكنك للانصراف .. (يهمس في اذن مدير المصالح المختصة آمرا باطلاق حمة الهمامي الموقوف بمبنى الوزارة حالما يشتد الضغط، مضيفا: هذه اوامر الرئيس) ..
مدير المصالح المشتركة: سيدي الوزير، هل نضاعف حماية دار التجمع؟
الوزير : فات الاوان. الآن علينا بترتيب الاولويات الأمنية و حماية مخزون وزارتنا و اسرار البلاد فهي الأهم. .لكن هل من تفاصيل اضافية اكثر دقة حول القناصة الذين يقتلون الناس في اماكن متعددة؟.
مدير المصالح المشتركة: المحافظ اعلى محمود، سيمدنا بآخر تقرير حول الموضوع.
المحافظ محمود: رصدنا عن طريق معلومة من مُخبر يقطن بعمارة قرب جهة لافايات، أن أحد القناصة ربض على سطحها … ملامحه كالآتي :اوروبي القسمات قوي البنية اشقر الشعر يبدو أنه من أوروبا الشرقية، وكان مرفوقا بشخص اخر ذي ملابس سوداء داكنة و ملامح عربية لم نتبين إن كان تونسيا، والإثنان يرتديان زيا نظاميا اسود كما ذكرت ..قناص اخر قرب بلفيدير. قبض عليه الشباب الثائر ممتطيا سيارة تاكسي وبحوزته سلاح يبدو انه سلاح القنص … تمّ تعنيفه دون اضرار تذكر وتسليمه للجيش … و قد ادعى لهم انه ضمن فريق صيد الخنزير البري بالشمال الغربي … قناص اخر تمت محاصرته و هو مصحوب برفيق له (كلاهما يرتدي نفس الملابس النظامية السوداء) من لدن الشباب الثائر بضاحية الكبارية وكاد المتظاهرون يجهزون عليها لولا وصول طائرة هيليكوبتر … وتم تسليم الإثنين للجيش الوطني . وهنا الجنرال بامكانه تصحيح ما كان لديه و الأجدر باجابتنا عن مصير هؤلاء بالتحديد و مكان إيقافهم !
المدير العام للمصالح المشتركة: نحن متاكدون قبل غيرنا ان وراء هؤلاء المرتزقة القتلة جهة اجنبية لها اجندا ممنهجة و منظمة بدقة تدعمها جماعات داخلية و خيانات سيتم كشفها في اوانها ..كما يمكنني ان اضيف بأن حرق مراكز الأمن و كذلك اطلاق الاف المساجين في وقت واحد أو متقارب جدا بكامل البلاد يؤكد هذا الرأي. ..الغبي فقط يُرجع حرق المراكز واخلاءالسجون إلى أي رابط مع النظام ..
(ترتفع شمس الصباح و يزحف الألاف امام وزارة الداخلية … تبدأ تحركات الأمن برمي القنابل المسيلة للدموع و كرّ و فر بينهم وبين أول صفوف الشباب … وهنا تطلق عديد الرصاصات الصادرة من المبنى المقابل للوزارة … يلتفت أحد المفتشين بالزي المدني نحو رفيقه صائحا: هذه طلقات لا علاقة لها بنوعية اسلحتنا حاذر..هناك قوة موازية تقودها مخابرات أو جهات تتابع الأحداث عن قرب) ….
يرفع الوزيرالهاتف: نعم ..نعم (يضرب المكتب بيده صائحا) الرئيس طلع في الطيارة من العوينة ..علينا المحافظة … على البلاد و انتظار ما وقع اذ يبدو ان هناك خطة مرتبة . أليس كذلك جنرال؟
ـ يتبع ـ
(الحلقة القادمة : لماذا مطار العوينة؟ و تشابك الأحداث وانتصار ثورة لا تستجيب للقواعد الدنيا …)