جور نار
في الخارطة الجامعية التونسية … أهل السياسة هرْبوا بالقطعيّة !
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriتوضيح قبل البدء : ليست الغاية من طرح مسألة الخارطة الجامعية اليوم إثارة أي نوع من النعرات أو الدعوة المُبتذلة إلى إلغاء كل ما تحقّق وتمكين كل جهة من بناء الجامعات التي تُريد، ولكن أردتُها ملامسة أولى لمسألة استراتيجية وفي غاية التعقيد علّها تمكّننا يوما من تجويد ما هو قائم وتدارك بعض الخيارات التاريخية الخاطئة.
***
بمناسبة هذه العودة الجامعية الجديدة التي أتمنّاها موفّقة للجميع ومتوّجة بأرقى النجاحات والتفوّقات، بودّي التطرّق إلى مسألة تهمّ منظومة التعليم العالي في تونس وذلك من زاوية ما يُسمّى بالخارطة الجامعية. لكن غالبا ما يتمّ تناول هذا المسألة على معنى انتشار عائلات الاختصاص وكيفية توزيع الطلبة ذكورا وإناثا على مختلف المؤسّسات الجامعيّة ومدى تطور مستوى كثافتهم العددية من سنة إلى أخرى، وليس من زاوية نصيب مختلف الجهات والأقاليم من المسالك التكوينية الجامعية والخلفيات السياسية والتاريخية التي انبنت عليها هذه التوزيعيّة ومدى تكافؤ الفرص بين مختلف جهات البلاد في هذا المجال.
شهد التعليم العالي في تونس تكثيفا غير مسبوق خلال ثمانينات القرن الماضي من حيث عدد الطلبة المسجلين بالجامعة وعدد المؤسسات الجامعية والمسالك التكوينية التي تحتضنها كل مؤسسة وغصّت الأقطاب الجامعية التقليدية بالطلبة والكليات والمدارس والمعاهد العليا خاصة في تونس الكبرى والساحل وبدرجة أقل في مدينة صفاقس.
وكان قرار بعث مؤسسات جامعية بالجهات الداخلية يهدف إلى تحقيق غايتين اثنتين : التنفيس عن العاصمة بصورة خاصة التي أصبحت تعاني من اكتظاظ طلابي كبير سكنيا ودراسيا ومروريا ومعيشيا الخ… مع ما يُتيحه ذلك أيضا من “تحجيم” (بمعنى التقليص في الحجم) للحركة الطلابية التونسية التي عاشت أوْج عنفوانها خلال السّنوات السبعين والثمانين، خاصة مع وجود روافد أخرى لا تقلّ قدرة على إزعاج السلطة السياسية القائمة آنذاك مثل الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والحركة السينمائية والمسرحية الصاعدة… والتي أصبحت تشكل في مجملها حراكا واسعا مُعاديا للنظام وجب التقليص من نفوذه.
أما الغاية الثانية فكانت سياسية هي الأخرى، إذ تمّ خاصة في مرحلة حكم بن علي، لمّا كان الصراع على أشدّه بين الكتل المؤثرة والأجنحة المختلفة صلب أجهزة الحزب الحاكم بصورة خاصة متخذا تارة رداء الجهويّة وجلباب العروشية تارة أخرى … تركيز “جامعات كيفما اتفق” في كل ولاية وفي كل معتمدية إن لزم الأمر إسكاتا للنعرات وترضية للأنوات… في قطيعة تامة مع مُعطى المواصفات الدّنيا لتركيز الكليات والمدارس العليا من حيث توفّر إطار التدريس وهياكل البحث والمحيط الثقافي والأرضية المادية واللوجستية المواتية…
نصيب الزعيم في المنستير لوحدها : أضعاف ما تمتّعت به كل الجهات الداخلية مُجتمعة
في العقود الأولى لانبعاث الجامعة التونسية، كان لابد من إرضاء جهة المنستير تحديدا لكونها أنجبت “يا مخلّص البلاد، مُحال ننسى فضلك من بالي“، وذلك من خلال خلق قطب جامعي نوعي كبير أصبح يبلغ عدد مؤسّساته اليوم 15 مؤسسة (5 منها بالمهدية وواحدة بالمكنين) تستقطب أفضل المعدّلات في الباكالوريا كل سنة، وذلك بالنظر إلى “نوعية” المسالك التي تمّ تركيزها هناك (الطب والصيدلة وطب الأسنان واختصاصات شبه طبية ومهن الموضة وكلية علوم ومعهد تحضيري للدراسات الهندسية ومعهد عالي للإعلامية ومعهد عالي للبيوتكنولوجيا…)… نسيج جامعي على درجة عالية من الجاذبية وسط مدينة جميلة مُطلّة على البحر لم تترك السياسة شيئا لم تفعله من أجل تمتيعها بأفضل بنية تحتية فيها الطرقات والمترو والمنتجعات السياحية والمناطق الصناعية الخ…
ليس هذا فحسب، بل وعلى بعد 20 كلم تقريبا، تتأسّس مدينة جامعية مجاورة بــ 16 مؤسسة جامعية منها هي الأخرى كلية للطب ومعهد عال لعلوم التمريض ومدرسة عليا لعلوم وتقنيات الصحة (أي بكثافة منقطعة النظير على مستوى الدراسات الطبية وشبه الطبية في رقعة جغرافية ضيقة جدا من المساحة الجملية للبلاد التونسية !). ولكن جامعة سوسة لا تكتفي بهذا القدر من المسالك الجامعية المُغرية والجذابة والمستحوذة على انتباه الدّارسين والمدرّسين مثل : العلوم التطبيقية والتكنولوجيا والنقل واللوجستيك والدراسات التجارية العليا والحقوق والإعلامية وتقنيات الاتصال والمعهد الأعلى للتصرف الخ…
أمّا حمّام سوسة (وهي تقريبا حزء لا يتجزّأ من مدينة سوسة) التي أنجبت هي الأخرى من أمسك بأعلى هرم السلطة، فقد فازت بمؤسّستين جامعيّتين هما المعهد العالي للإعلامية وتقنيات الاتصال (بـثلاث إجازات في الإعلامية والاتصالات) والمدرسة العليا للعلوم والتكنولوجيا (بـــ 7 إجازات : كيمياء، فيزياء، طاقة، رياضيات، مرحلة تحضيرية علمية، إلكترونيك الخ…).
وعليه من حقّنا أن نتساءل : أية عدالة هذه التي يكون يموجبها أكثر من نصف الجامعة التونسية ممركزا في 20 كلم2 (على 000 132 كلم2)؟!!
أما بالنسبة إلى تونس العاصمة، فيمكن القول بأنها لم تسرق مجدها الجامعي وأنهمن الطبيعي أن يكون بها 4 جامعات كبرى (المنار وتونس وقرطاج ومنوبة) بمؤسسات عريقة متخصصة في مجالات اشتهرت بها كبرى الجامعات في العالم مثل الدراسات القانونية والدراسات الانسانية والاجتماعية والعلوم الطبية وشبه الطبية والعلوم الصحيحة والاختصاصات التكنولوجية الخ…
لكن العديد من المؤسسات الجامعية التي تمّ بعثها في الجهات الداخلية لم تكن خاضعة لمقاييس موضوعية وخصوصيات جهوية وإقليمية تُمكنها من التطور عبر السنوات والإسهام في تطور مؤشرات النمو بتلك الجهات. فما سُمّي على سبيل المثال بالدراسات التطبيقية في الإنسانيات في بعض المعتمديات أو الفنون والحرف أو كذلك بعض المؤسسات “التكنولوجية” في المناطق النائية التي يفوق عدد الموظفين والعملة فيها عدد الطلبة الذين تمّ توجيههم نحوها وباشروا فيها دراستهم الجامعية بصورة فعلية… ليست إلا واجهات برّاقة تُخفي وجها بارزا في أزمة التعليم العالي في تونس وغياب التوازن بين مختلف الأقطاب الجامعية واحتداد الفوارق على مستوى جودة التكوين وتشغيلية الخرّيجين.
لذلك السبب بالذات، لا نجد أثرا البتّة للطلبة الجدد الناجحين بملاحظات حسن وحسن جدا في المؤسسات الجامعية غير المنتمية لتونس وتونس المنار وقرطاج والمنستير وسوسة وصفاقس. وهو ما سينعكس على نسبة الانقطاع المبكّر أولا (يعتقد الكثيرون منا أن ظاهرة الانقطاع لا تنسحب إلا على التعليم الأساسي والتعليم الثانوي) وعدم تكافؤ مستوى المتخرجين ثانيا وبالتالي عدم تساوي حظوظ الاندماج في سوق الشغل خاصة بعد انسداد أبواب الانتداب في الوظيفة العمومية.
أية آفاق لمراجعة الخارطة الجامعية الحالية ؟
في سبيل تحقيق حدّ أدنى من التوازن بين الجهات والأقاليم وبعث بؤر جامعية للتميّز تساهم في تكوين نُخب على مستوى عال من الكفاءة وصلابة التكوين وتساهم أيضا في النهوض بالتنمية وإضفاء شيء من الألق والحيوية على حياة باهتة داخل جهاتنا المنسيّة، باتت الحاجة مؤكدة إلى مراجعة جوهرية وجريئة للخارطة الجامعية تأخذ بعين الاعتبار :
___ إقرار التكامل والانسجام مع منظومة التكوين المهني (خاصة في مستوى مؤهل التقني سامي، حيث لا أفرّق شخصيا بين إجازة في التعليم العالي تُسند بعد 3 سنوات دراسة جامعية في اختصاص تكنولوجي ما، وبين شهادة تقني سام يُسندها التكوين المهني بعد 3 سنوات أو سنتين ونصف في نفس ذلك الاختصاص التكنولوجي) وذلك في الجهات الداخلية حيث يتقلّص عدد الطلبة بشكل ملحوظ من خلال إيجاد صيغ مرنة وذكية لتبادل الخبرات وتقاسم الموارد والالتصاق بحاجيات الجهة.
___ دعم التخصّص لكونه سبيلا مثاليّا للارتقاء بجودة التكوين وإقدار الخرّيجين على منافسة نظرائهم في سوق عالمية للعمل مفتوحة أمام خريجي كل جامعات المعمورة. ولدينا في تونس نواتات جامعية للتخصص يمكن دعمها وتطويرها بدلا من خلق اختصاصات شبيهة في مؤسسات أخرى للتضييق عليها فنخسر الأولى ولا نربح الثانية. فبرج السدرية على سبيل المثال يمكن أن تتخصص في تكنولوجيات البيئة والهندسة الطاقية، وشط مريم في العلوم الفلاحية، وقابس في علوم وتقنيات المياه، وقفصة في علوم الجيوماتيك، والكاف في الفلاحة والمستغلات الفلاحية الخ…
___ توزيع اختصاصات التميّز (التي يُقبل عليها الطلبة حتى وإن كانت واقعة في آخر الدنيا) بشكل عادل بين جميع الجهات والأقاليم وذلك على النحو التقريبي التالي :
- الطلب الخارجي الكبير على الكفاءات التونسية في مجالات الطب والتمريض والاختصاصات شبه الطبية (التوليد والعلاج الطبيعي وأمراض الشيخوخة والرعاية الصحية للأطفال…) وازدياد الطلب على الخدمات الصحية خارج المؤسسات الاستشفائية، في قطاع الطفولة وقطاع السياحة ووحدات إيواء كبار السنّ… يجعلان من بعث مؤسسات جامعية متخصصة في هذه المجالات وبالجهات الداخلية خيارا ذا مردودية عالية على المدى القريب والمتوسط
- التركيز داخل الأقطاب الجامعية القائمة بالجهات الداخلية (وبالشراكة مع كبرى الشركات العالمية) على الاختصاصات ذات العلاقة بالتكنولوجيات الحديثة مثل الشبكات والاتصالات والذكاء الاصطناعي ومهن الملتميديا والإنترنت والإعلامية الصناعية وتكنولوجيا البيئة ومهن التحول والنجاعة الطاقية ومهن إعداد المضامين الرقمية … وهي مهن مضمونة التشغيلية وطنيا وعالميا.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 19 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 19 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟