جور نار

في الملعب … و بعيدا عنه

نشرت

في

قال بطل السباحة الأمريكي مارك سبيتز: “جميع الناس يحبون الفوز، و لكن كم منهم يحبون القيام بالتمارين؟” … و رغم رصيد هذا الرياضي الأسطورة (9 ميداليات ذهبية أولمبية و أكثر من ثلاثين رقما قياسيا عالميا) فإننا نقول له: سامحنا، غالط !

<strong>عبد القادر المقري<strong>

فإذا كان يعني أن الألقاب تأتي بالعمل، و العمل يكون في الظروف الفضلى للعمل، فإنه لا يعرف أن هناك بلدانا لا توجد بها مسابح ومع ذلك ينتصر فيها الملولي و الحفناوي … و لا مكان فيها لملاعب تنس، ومع ذلك تصعد منها بنت هلالية إلى نهائي ويمبلدون … و يكره شبابها بذل أي جهد، و مع ذلك يفوز معاقوها ببطولات رفع الأثقال … و يخاف شعبها من ظله فيهجر الشوارع منذ الثامنة ليلا، و مع ذلك تقلب إحدى بناته (مروى العامري) منافستها في السماء و تلطخها أرضا على ساحة ريو دي جانيرو !

هكذا كنا و هكذا كانت دوما إنجازاتنا … نبتة طفيلية تطلع في موقع لا تراب فيه و لا شمس و لا هواء و لا ماء، و لكنها تنزرع يانعة خضراء برائحة أعبق الزهور … صدفة جميلة من التي لا يقصدها خبير الكيمياء فإذا به ـ في لحظة سهو ـ يصنع جوهرة من ركام فحم …

القمودي طلع صدفة من أرياف قفصة … و مع ذلك و بعد أن فاز بذهبية مكسيكو في سباق ملحمي بقي للأجيال، تكاثر المدّعون بأنهم اكتشفوه صغيرا  و رعوه و ساعدوه و درّبوه و وفّروا له كيت و كيت … و أطنبت الأبواق الرسمية في الإشادة بسياسة دولتنا من دعم للشباب و التعليم و الصحة و المرأة إلخ  … و للبرهنة على ذلك، حكى لي سي محمد مرة كيف عندما شارك في مونيخ (أي بعد أن حمل رايتنا عاليا منذ أربع سنوات) رفض المسؤولون التونسيون إعطاءه حتى حذاء للجري … و الله العظيم … واضطرّ بطلنا إلى استعارة حذاء كي يسابق شياطين اللعبة من فنلندا و ألمانيا وأمريكا و أوروبا الشرقية و كينيا و إثيوبيا … و يحوز في تلك الظروف الكلبة على الميدالية الفضية، و يهديها إلى البلد الذي حسده على شهرة فاقت زعماء السياسة …

و يتكرر ذلك و يتكرر و يتكرر، إلى هذا اليوم إلى هذه الساعة … و في كل مجال يخطر على بالك

بلد عمره ثلاثة ألاف سخطة، و مستقلّ عنده قرابة السبعين سنة … و مازال اقتصاده إلى اليوم مبنيّا على ريْع نخلات الجنوب، و زيتونات الساحل، و برتقالات منزل بوزلفة، وكهوف المتلوي، و بحر الحمامات … و هناك عراك دائم و إنكار و إثبات حول ريع آخر في بواطن تطاوين النفطية، و ملح جرجيس الذي تلقي به إلينا أمواج المتوسط كبقايا مهاجر غير شرعي …

لا تتحدّث معهم عن صناعة أو تحويل أو تكرير بترول أو قيمة مضافة … هذه منتجات كافرة و نحن قوم مؤمنون بأن كل ما لا يولد من تلقاء نفسه، مولود حرام و فعل بشر لئام … و ها عندك مناطقنا الصناعية و قد تحولت في معظمها إلى مخازن للسلع المستوردة و محاصيل التهريب … في تواطؤ غير معلن من أجهزة الدولة …

نصوصنا، إجراءاتنا، إداراتنا، سياساتنا، كانت دوما عدوّة صريحة للعمل و المبادرة … حاول أن تنجز أيّ مشروع، و لو كان لفتل السباولو، و ستجد أمامك طريقا أطول من درب التبّانة … يقولون كامل النهار إنهم يسعون للتبسيط، و لكنهم واقعا كل عام وكل قانون مالية يزيدون عقدة إضافية في حبل مشنقتنا … يتكلمون منذ عشرات السنين عن “إصلاح إداري” و ينشئون له باستمرار كتابات دولة و وزارات، و في الأخير يطالبونك بإجراء إضافي هو الترسيم في سجلّ المؤسسات (R.N.E.) … يشترطونه على كل تحريكة و كل نشاط بما فيها الحلاّق و الحمّاص … نعم … و هناك تدفع 20 د. على وضوئك يا سي خليفة، و بعد ذلك 15 د. عن كل “مضمون” تستخرجه من هذا السجلّ … وهو مثل مضمون البلدية، أي صلوحيته لا تتجاوز ثلاثة أشهر … و المبالغ المذكورة أعلاه قابلة للزيادة و المضاعفة مع كل قانون مالية جديد.

التجارة الموازية الفوضوية يزعمون مكافحتها بينما هم سببها … باروناتها شركاؤهم وأنسباؤهم، و صغارها متمرّدون على متاهات الإدارة التي تحصر الاقتصاد “المنظّم” في عائلات و جماعات مغلقة لا يزعجها أحد مهما تغيّرت الأزمان … و هو اقتصاد حصري ريْعي هو الآخر، رأسماله رخصة امتياز أو كراس شروط إقصائي تعجيزي أو لجان لا تجتمع بتاتا، و إذا اجتمعت مرة في القرن فلكي تجيب متأسفة … و يخص ذلك أساسا الأنشطة التي فيها تعب قليل و ربح كثير.

ماذا نقول بعد هذا؟ … قطر و ما يجري فيها هذه الأيام و ماذا سيفعل منتخبنا اليوم؟ نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج، و انظروا حيث أنظر …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version