تابعنا على

جلـ ... منار

كالنهر يجب أن تكون

نشرت

في

وفاء سلطان

أشرت في فصل سابق إلى أن هناك فرقا كبيرا بين أن تكون راضيا عن نفسك، وبين أن تكون مقتنعا بواقعك…وصلت إلى مرحلة في حياتي أصبحت عندها قادرة على التمييز وبوضوح بين الرضى والقناعة، بعكس معظم الناس الذين لا يرون حدودا تفصل بين المفهومين.

وفاء سلطان
<strong>وفاء سلطان<strong>

الرضى إحساس تحدده علاقتك بنفسك (عالمك الداخلي)، بينما القناعة إحساس تحدده علاقتك بوضعك (عالمك الخارجي).تتطلب الحياة السعيدة أن تكون دوما راضيا عن نفسك، وفي الوقت نفسه لست مقتنعا بوضعك…عندما تكون راضيا عن نفسك تسعى دائما وأبدا إلى تحسين واقعك،لأنه ـ أي الرضى ـ يكسبك ثقة عالية بقدراتك وبمؤهلاتك، فتظل ملزما بأن تستخدم تلك القدرات،وبالتالي تمشي في الحياة من جيد إلى أجود. أنت تستمع برحلتك من الجيد إلى الأجود أكثر مما تستمتع بهذا الأجود عندما تناله.

لو اقتنعت يوما بوضعك كل الاقتناع لتجمدت في نقطة ما، وفقدت أهم سبب يشعرك بوجودك، ألا وهو أنك على هذه الأرض لانجاز مهمة لا تنتهي إلا برحيلك عنها، وهذه المهمة هي: أن تمشي دوما من وضع إلى وضع أفضل منه!

………….

تحضرني الآن قصة في غاية الفكاهة، لكنها تجسد الفكرة التي أردت الوصول اليها.يُحكى أن قسا امريكيا كان يعتني برعيته، ويعظهم فيما يتعلق بامور الدنيا والدين.

كان لديه في تلك الرعية فلاح يملك مزرعة كبيرة، لكنه كان كسلان وخمولا.

راح القس يعظه بقوله: لديك امكانيات كبيرة لأن تحسّن مزرعتك وتصبح مزارعا كبيرا.وكان دوما يرد عليه: (لا تقلق بخصوصي، صحيح أنني لا أتقدم إلى الأمام، ولكنني في وضع ثابت ومستقر)!

أحد الأيام مرّ القس بسيارته من جانب المزرعة، فرأى الفلاح وقد اعتلى تراكتورا للفلاحة، غاصت عجلاته الأمامية في بركة من الوحل.وكلما داس على البنزين تنط مقدمة التراكتور إلى الأعلى،ثم تغوص إلى الأعمق في بركة الوحل،فأنزل القس زجاج نافذته، وصاح: لستُ قلقا بخصوصك، صحيح أنك لا تتقدم إلى الأمام، ولكننك في وضع ثابت ومستقر!!

………….

لو آمن هذا الفلاح يوما بتميّزه وبمؤهلاته التي خصته بها الطبيعة دون غيره لظل متناغما ينساب بعفوية مع الدفق الكوني،ولاستمر في جهده وعطائه، سواء فيما يخص مزرعته أو في حقل آخر يرى نفسه فيه.

فطالما الدفق الكوني مستمر، لا يمكن أن تنعم بالاستقرار مالم تكن منسابا مع ذلك الدفق!

………….

Pablo Casalsموسيقي اسباني، ومن أبرع من عزف على الآلة الموسيقية التي تدعى “تشيللو” في تاريخ العالم…يُحكى أنه عزف للملكة فيتكوريا وهو في العشرين من عمره، وعزف للرئيس الأمريكي جان كنديوهو في السبعين.عاش حتى السادسة والتسعين، وحتى تاريخ وفاته كان يتدرب على العزف على الأقل ثلاث ساعات كل يوم.

سُئل مرة: لماذا أنت مصر على استمرار التدريب حتى هذا العمر فرد:“في كل مرّة ألاحظ بعض التحسن”!

كيف يستطيع انسان أن ينساب مع الدفق الكوني حتى هذا العمر المتأخر من الحياة، لو لم يكن راضيا عن نفسه ويعتزّ بمؤهلاته، تلك المؤهلات التي سمحت له بأن يهرب من تفاصيل الحياة وتعقيداتها، ويحلق بموسيقاه في رحاب المطلق؟؟؟

………….

هكذا نحن في الحياة…عندما نُخطئ فهمنا لمعنى “الاستقرار”، فنظن أنه الثبات عند نقطة ما، يمنعنا مفهومنا الخاطئ من السعي لتحسين وضعنا، فالجيد يقف دوما حائلا بيننا وبين الأجود!

الجيد ليس سوى محطة في رحلة طويلة، لو اقتنعنا به وتوقفنا عنده، سيصبح هذا الجيدمع الزمن نهاية الرحلة، وسنموت روحانيا قبل أن نموت جسديا.

الإنسان، كي يبقى منسابا مع الدفق الكوني، هو ملزم بأن يمشي إلى الأمام ولو بعكّاز!السعي الدؤوب يعطيك إحساسا بأنك مازلت حيّا وقادرا على العطاء!

………….

كنت منذ فترة ليست طويلة أقف في مرآب أحد المشاتل الزراعية، وأضع مشترياتي في صندوق السيارة الخلفي، عندما لمحت عجوزين أمريكيين، لا شك أنهما فوق الثمانين، يملآن صندوق سيارتهما بأشجار حمضيات (قوارص) صغيرة!

أدهشني المنظر، وتساءلت في سري: أشجار حمضيات؟؟؟ لا شك أنها تحتاج إلى خمس سنوات أو ربما أكثر لتعطي ثمرا!

لكن بعد أن فكّرت في الأمر مليا، أيقنتُ أنك تقطف ثمرا في اللحظة الأولى التي تزرع فيها بذرة أو شتلة.

تقطف ثمرا روحانيا ينعشك ويعطيك مذاقا حلوا، مذاقا يمنح الحياة بعدا آخر، بعدا تحسه ولا تستطيع أن تجسه!

………….

في طفولتي المبكرة جدا، قصت علي جدتي حكاية عمها وهو على فراش الموت:لم يكن قادرا على أن يتكلم وظل اسبوعا في غيبوبة وهو يحتضر، لكنه بين الحين والآخر كان يفتح عينيه ويحدق في إحدى زوايا الغرفة، ثم يحاول جاهدا أن يصدر بعض الأصوات دون جدوى!

في البداية لم يفهموا ما أراد أن يخبرهم، لكنهم اكتشفوا فيما بعد أنه كان يرنو إلى جرة الزيت الموجودة في الزاوية، وكانت تلك الجرة تسرّب زيتا من شقّ فيها!

أراد أن يلفت نظرهم إلى الشقّ، كي يعالجوا المشكلة قبل أن يخسروا كل الزيت!

إنها غريزة الحياة تشدنا إليها حتى الرمق الأخير، ولا عيب في أن نظل مربوطين بها حتى النهاية!

………….

كم مليون مرّة سمعتَ عبارة: “يجمع المال وكأنه لن يموت، وهو يدرك أنه لن يأخذ معه شيئا منه”

نعم، لن يأخذ معه شيئا….لكن تقتضي الحكمة أن نميّز بين طمّاع جشع متعلق بماديات الحياة، يجمع ليخزن لا ليستمتع ويُمتع، وبين شخص دؤوب يشدّه الدفق الكوني ليبقى منسابا معه حتى اللحظة الأخيرة!

………….

قرر هذان العجوزان أن يزرعا أشجار حمضيات ليس أملا في جني ثمارها، وإنما ليستمتعا بزرعها ومراقبتها تنمو وتشرئب إلى الأعلى طالما هما على قيد الحياة، وما أنبله من هدف!!

أجمل هدف في الحياة هو أن نعيشها ونحن نرنو إلى هدف….لا ضير من أن يكون ذلك الهدف جرّة الزيت، ولا ضير من أن ترنو إليها وأنت تحتضر!

مهما سعينا للكمال لن نصل إليه، ولكننا سنحسن وضعنا في كل خطوة نخطوها باتجاهه،لذلك،

ليس عبثا أن نرنو إلى الكمال، ففي استحالة الوصول إليه تكمن الحكمة التي تقتضي أن نظل سائرين كي نظل مستقرين!

………….

هناك قول فلسفي يعجبني جدا: لا تستطيع أن تسبح في نهر مرتين!

فالنهر الذي تسبح فيه للمرة الأولى لن يكون أبدا هو نفسه عندما تسبح فيه للمرة الثانية…وكالنهر يجب أن تكون!

أنت الذي انتهيت للتو من قراءة هذا الفصل، يجب أن لا تكون نفس الشخص الذي كنت قبل أن تقرأه…هذا ماكان هدفي، وآمل أنني قد حققتُ ذلك الهدف!

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!

نشرت

في

صبحي حديدي:

بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.

صبحي حديدي

ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.

ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.

ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.

في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.

وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.

كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟

وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.

وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!

والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟

من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.

وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

جلـ ... منار

موجات

نشرت

في

وفاء سلطان:

مضى على وجودي في أمريكا 36 سنة.

لم أدخل يوما مطعما إلا وتركت للنادلة بخشيشا يفرح قلبها وفوق تصورها.

وفاء سلطان

معظم الذين يخدمون بالمطاعم في أمريكا هم طلاب جامعات ليسدوا مصروفهم، فلقد اشتغل أولادي في المطاعم أثناء جامعاتهم وأعرف كم كان البخشيش هاما بالنسبة لهم.

إلا البارحة قررت أن لا أترك لها سنتا، لكن زوجي رفض القرار وقال كعادته: حرام!

(نعم هو ألطف مني في هكذا مواقف)

أوقح نادلة رأيتها في حياتي، تخبط الصحون على الطاولة وكأنها خرجت لتوها من معركة مع زوجة أبيها.

ضبطت أعصابي بشق الأنفس

لقد اعتدنا ان نفتح حديثا مع من يخدمنا في المطاعم حتى نعرف حياته من ألفها إلى يائها،

ولكن هذه النادلة لم تترك لنا مجالا لنقول: شكرا!

نحن نذهب إلى المطعم ليس من أجل الأكل فقط، بل لتغير الجو وتحسين النفسية، وعندما تقارب الفاتورة المائة دولار وتلقى هكذا معاملة تصاب بالإحباط

حسب رأيي خدمة الزبائن في أمريكا أفضل من أي بلد في العالم زرته، ولنفس السبب لم أحب دول أوروبا!

القاعدة العامة في أمريكا تقول: يجب أن تتعامل مع الزبون كما لو كان دوما على حق!

لو كانت ابنتي محلي لقالت: ماما ارجوكِ سامحيها، لا أحد يعرف كيف كان يومها

هذا صحيح، ولكن على من يشتغل في المرافق العامة وخصوصا المطاعم أن يكون لطيفا تحت أي ظرف!

الحياة لا تعاش إلا ببعض التنازلات، وعندما يتعلق الأمر بعملك يجب ان تتمتع ببعض القدرة على إخفاء آلامك الشخصية ولا تنقل طاقتك السلبية لغيرك!

طاقة كل إنسان تشدّ أو تحجب عنه رزقه، وذلك حسب طبيعتها

كنا ندفع على الأقل 20٪؜ من قيمة الفاتورة، لكن بعد تراشق بالنيران وشد شعر ترك لها زوجي مبلغا، وأنا أتمتم: يا خسارة

فالسلوك الذي يُكافأ يتكرر!

أكمل القراءة

جلـ ... منار

أناقة ما بعد السبعين

نشرت

في

وفاء سلطان:

في الثمانينات من عمرها.

أحنى الزمن ظهرها قليلا، لكن روحها مازالت تعانق السماء.

وفاء سلطان

التقينا في المكان المخصص لعربات التسويق على باب أحد المحلات.

وبينما هي تسحب عربتها التقت عيوننا فصبّحت علي.

رددت التحية، وتابعت: تبدين جميلة جدا، إذ من النادر أن ألتقي بامرأة بهذه الأناقة والترتيب!

فعلا الحياة الأمريكية العملية أنستنا الكثير من أصول الأناقة والتزين.

إلى حد ما، تعجبني هذه العفوية في أمريكا،

فلقد خففت عنا نحن النساء مهمة التبرج كل صباح، وزادت ثقتنا بأنفسنا.

لكن من ناحية أخرى، من الجميل أن نحافظ على أناقتنا ومظهرنا طالما لا نبالغ

نعم لا نبالغ، فلقد أصبحت الكثيرات من النساء اليوم نسخا متكررة من لعبة باربي:

قشرة من الخارج وفراغ من الداخل

المهم، أشرقت ابتسامتها حتى أضاءت وجهها المهندس بطريقة فنية غير مبتذلة، وقالت بعد أن وضعت يدها على كتفي:

حبيبتي كل سلوك تتقنينه عادة، فمتى تعلمتِ عادة تصبح طريقة حياة

ثم تابعت:

منذ سنوات مراهقتي لا أخرج من البيت حتى أتأكد من أنني أسر الناظر إليّ، فمظهرنا الخارجي يعطي الانطباع الأول

أكدت لها أنها فلسفتي كذلك، وتمنيت لها يوما جميلا

أكمل القراءة

صن نار