وهْجُ نار

كلام قد يغضب بعضه ساكن قرطاج…

نشرت

في

هل نعيش حقّا اليوم حرية الرأي والتعبير…وهل نقبل بالاختلاف…ونقبل بالآخر… لا… نحن أبعد ما يكون عن ذلك وأقولها صراحة، نعم نحن ومنذ 25 جويلية الماضي انحرفنا انحرافا تاما وخطيرا عن المكاسب الوحيدة التي حققناها من “فوضى 2011 ” انحرفنا عن حقوق الانسان وعن الحريات…فاليوم يهان بعضنا…وتهتك أعراض بعضنا الآخر…ويشتم بعضنا… ويقع تشويه بعضنا الآخر…ويُقصى بعضنا…ويسجن بعضنا الآخر…ويهرسل بعضنا…ويلاحق بعضنا الآخر…فاليوم لا أحد منّا يحمل صورة طيبة عن الآخر…

محمد الأطرش

 رئيسنا ومنذ جلوسه على كرسي بورقيبة لم يترك أحدا دون أن يكيل له التهم والنعوت والشيطنة…فأصبحت تعبيرات مثل “الغرف المظلمة” و”الخيانة” و”العمالة” تعبيرات لا تغيب أبدا عن خطب الرئيس وتدخلاته…لم يتحدث يوما عن مشاغل الشعب وما يجب أن يفعله ليصلح حاله واكتفى يوميا بإعلان الحرب على خصومه والتهديد بصواريخ منصاته الحاضرة للإطلاق … لم يترك حزبا شريكا كان أو خصما لم يقل فيه ما لم يقله مالك في الخمر…هكذا دون أدلة ودون أية اثباتات… وهكذا أيضا يفعل أتباعه فمواقع التواصل أصبحت محاكم لكل من يخالف مولاهم ومن يقول له “لا” ومن لا يقبل به سلطانا…هكذا نحن اليوم…اليوم أصبحنا البلد الوحيد في العالم الذي يسعد بعض شعبه لأوجاع بعضه الآخر… اصبحنا نشرب على نخب مصيبة تنزل على أحد خصومنا ونسعد بها ونطلب له من الله المزيد… هكذا نحن اليوم… نصفّق لمن يسجن… نهتف لمن يحاكم دون دليل ولا جرم واضح… نضحك لمآسي غيرنا…نتمنى الموت لخصومنا… 

ما الذي يقع في هذه البلاد التي نُكبت في أمنها الاجتماعي واستقرارها؟ إلى متى سيتواصل هذا الخلط واللغط …إلى متى هذه الفوضى العارمة…اليوم يقرر الرئيس دفن الدستور القديم…وبعضنا يصفق ويهتف باسمه ويمجّد ما يأتيه… اليوم يريد الرئيس دستورا على المقاس وقانون انتخاب على المقاس ومرحلة جديدة على المقاس… وبعضنا يجد له التبريرات القانونية والدستورية وكأن الرئيس حافظ على الدستور وهو الذي نكّل بكل فصوله كما يريد متى يريد…اليوم يسعد بعضنا لضرب خصومه ويصل به الأمر إلى المطالبة بالتنكيل بهم أو حتى محاكمتهم وإعدامهم إن لزم الأمر، وبعضنا يصفّق فرحا… إلى متى هذا الحقد وهذه العقلية الانتقامية والرغبة الجامحة في الأخذ بالثأر من كل من هزمنا بالصندوق…؟؟

تونس تعيش أعمق أزمة منذ استقلالها وبعضنا سعيد بما يقع فقط لأنها قد تخلصه من خصومه وتفتح أمامه أبواب الحكم على مصراعيها…الواضح أن كل أنظمة الحكم التي تداولت على حكم تونس تحمل صورة سلبية عن مواطنيها… وربما مغلوطة أيضا… فالمواطن الجيد والمثالي لديها هو ذلك الذي يخضع لرغباتها والتابع لفكرها، والملتزم بالولاء لها عوض الولاء للوطن، والقابل لسلوكها وإن كان مشينا … المواطن الجيّد هو كل هذا وأكثر حتى وإن كان خارجا عن القانون، عند أنظمة الحكم المتعاقبة ولا استثني أحدا ممن حكمونا منذ 14 جانفي…

 لهذه الأسباب أصبح المواطن التونسي بصفة عامة لا يحترم الأنظمة التي تداولت على حكمه منذ أكثر من عشر سنوات وصولا إلى يومنا هذا… فاليوم أصبحت نظرة المواطن لمن يحكمه أكثر سوءا مما كانت عليه لأن سقف انتظاراته من هذه الأنظمة التي كثيرا ما تفاخرت ببدائلها لتحقيق الأفضل للمواطن كان كبيرا، فلم ير من هذه الانتظارات شيئا يذكر…والأغرب من كل هذا أن الأنظمة التي تداولت على حكم البلاد منذ 14 جانفي لم تبادر بجدّية إلى تغيير الصورة السلبية التي يحملها عنها الشعب… ولم تخط خطوة واحدة نحو كسر الجمود في العلاقة بين الطرفين… فما يـأتيه اليوم رئيس البلاد أرضى بعض الشعب ممن لم ينجحوا في الوصول إلى مواقع متقدّمة من الحكم خلال عشرية الغنائم، ولم يفوزوا بنصيبهم من كعكة الحكم منذ خروج بن علي رحمه الله…

لكنه لم يرض أغلبية هذا الشعب الذي يريد العودة إلى الاستقرار والعودة إلى العمل، وإصلاح حال البلاد والعباد، وإيجاد الحلول لجميع مشكلاته ومشكلات فلذات أكباده…فرئيس البلاد لم يتعرّض خلال أكثر من نصف سنة من حكمه الفردي للبلاد لأي مشروع إصلاحي ولم يأبه لما تعيشه البلاد من انهيار في كل القطاعات وفي كل الشؤون…بل اكتفى وانشغل بتحويل وجهة الشعب نحو أمور لن تغنيه من جوع قد يدق بابه غدا… واكتفى وهذا الاغرب بإرضاء اتباعه ممن يسعدهم ضرب خصومهم والتنكيل بهم قطعا للطريق امامهم في قادم المحطات الانتخابية التي قد نعرف نتائجها قبل تنظيمها…

ما يحصل اليوم في تونس هو أن الصورة السلبية التي يحملها المواطن عمن يحكمه ازدادت سوداوية… فالمرحلة الحالية من تاريخ البلاد أصبحت تنطوي على أسوأ انطباع قد يحمله الشعب عن المنظومة التي تحكمه…فالمواطن لم يلاحظ اختلافا بين أفراد هذه النخبة السياسية التي تحكمه منذ تسعة أشهر عمّن سبقوهم، سواء كان ذلك في إدارة شؤون الدولة والحكم…أو في التخبّط والعشوائية في اتخاذ القرارات المصيرية والهامّة… والأخطر من كل ذلك في الاستهتار بانتظارات الشعب وإهمال المصلحة العامة للبلاد والعباد…والاكتفاء بالتركيز على مصالحهم الشخصية الضيقة، وبحثهم عن الحفاظ على مواقعهم بكل الطرق والأساليب حتى وإن كانت مخالفة لكل الدساتير…

تميّزت هذه الفترة التي نعيشها من تاريخ تونس الحديث بعدم كفاءة كل المنظومات السياسية التي مرّت على حكم البلاد…وبانحدار كبير في تسيير المنظومة الإدارية والقانونية والمؤسساتية التي ترتكز عليها الدولة… فبعد احدى عشرة سنوات من الهدم، لم يتغير شيء في هذه المنظومات…فالمواطن التونسي لا يزال يعيش الأمرّين من سوء الإدارة … ولا يزال القانون أداة طيعة بيد أصحاب السلطة والنفوذ يوظفونه حسب أهوائهم ورغباتهم…ففي تونس اليوم يفرض احترام القانون على الفقراء والعامة ويسمح للأقوياء والاغنياء والساسة بتجاوزه والدوس عليه كما يريدون ومتى يريدون… مما يزيد الطين بلة… وينذر بتوسع الهوّة بين الشعب وحاكمه…

في تونس اليوم، تفتقر الدولة إلى رؤية واضحة لبناء مستقبل أفضل وإصلاح ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان … فمنظومة الحكم اليوم لا تعرف ما تريد بالضبط، ولا تعرف اين تذهب بهذا الشعب الذي هو أيضا يقف حائرا في مكانه لا يفهم ما يدور حوله … فالجميع اليوم انخرط في موجة تخبط وعشوائية عمياء وعقلية انتقامية انتقائية تتغذى من منسوب حقد يرتفع كل ساعة ولا أحد فكّر في كبح جماحه … فمنظومة الحكم جمعت حولها اليوم حشدا كبيرا من الوصوليين، وأصحاب النوايا السيئة، والوعي السطحي بما يدور في المشهد السياسي عموما … والخوف أن تتحوّل دولة الأمس القوية والمستقرة والقادرة على الخروج من كل الأزمات، إلى شبح دولة يعاني نظامها من هشاشة مؤسساتية، وفقر استراتيجي مدقع قد يجرّها إلى تقلبات حادة وموجعة في قادم الأشهر والسنوات…

خلاصة قولي … تونس اليوم في حاجة إلى مشروع وطني ديمقراطي متكامل الأسس السياسيةوالثقافية والفكرية والقانونية والإجرائية لبناء دولة القانون والمؤسسات الحقيقية … دولة تحتضن جميع مواطنيها بصرف النظر عن خلفياتهم السياسية والأيديولوجية والفكرية والدينية، دولة تعمل على إنجاح كل الإصلاحات المنتظرة … وتعمل وهذا الأهمّ على تنمية أهمّ موارده التي تمّ تهميشها خلال أكثر من احدى عشرة سنة …الإنسان …

قد يغضب بعض كلامي هذا حكامنا اليوم… لكنه حقيقة حاول بعض من هم حول “السلطان” إخفاءها عنه حتى لا يعرف طريق الخروج والخلاص مما نحن فيه…والله ولي التوفيق….

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version