تعجبني هذه الجملة الذائعة لبومارشيه في ختام مسرحيته “زواج فيغارو” … و ستعجبني أكثر لو انتقلت الكلمات من فرنسا الجذلى على الدوام (إلا في أيام كورونا و الهزائم الكثيرة خاصة أمام الأنكليز و الألمان و حركات التحرر) و المعروفة بنبيذها و أجبانها و سهرها الباريسي الصاخب … لو انتقلت هذه الجملة و معانيها إلى شعبنا الكئيب المريب …
لو جلس موظف كل بلدية متبسّما في وجه روّاده لا متبلّدا مربدّ الوجه جاحظ العينين كأنه يُحتضر، قائما من مكانه كل أربعة أدراج ليغيب في غياهب باب خلفي يبدو أن الداخل إليه مفقود و الخارج منه مولود … كأبواب قصر الأغوال في ألف ليلة و ليلة
لو فكّر أي سياسي أنه سيموت يوما و يرمون به في حفرة … و أن أهمّ شيء في الكون هو السمعة الطيبة و السيرة الحسنة بعد السقوط لا قبله … لا أقول مواعظ، و لكنني رأيت هذا الحرص على نظافة الصيت و اليدين في دول أغنى و أقوى و فيها من الثروات ما يغري حقا و يُغوي … فكيف ببلاد منتّفة متفتفة محَتْرَفة كبلادنا، حيث ما زال المليون يعني ألف دينار قيمته أقل من ثلث دولار أمريكي …
لو تمّ استبدال العقوبات الكثيرة المرصودة للفاسدين و الإرهابيين دون أن يطالهم أي إزعاج حقيقي … و تركونا نفسد و نرهب في أرزاقهم و أعراضهم و حقوقهم و أعمارهم و مستقبل أولادهم يوما واحدا فقط … و لكنه يكون يوما مركّزا مكثّفا ملآن لا يترك فيهم شاردة و لا واردة … بعد أن رتعوا فينا و عاثوا و ولغوا في دمائنا و أعراضنا و حقوقنا و أعمارنا و مستقبل أولادنا، عشرات السنين و ربما مئاتها …
لو توقف صحافيو الدعارة و التطفل عن ممارسة مهنة هي في أصلها أنبل و أرقى … و راحوا إلى حيث أسواق رمضان يلتمسون الرزق و يعرقون بحق … و ما كسبوه حتى الآن يمكّنهم من شراء شاحنات خفيفة تفي بالغرض، و هناك حتى من هو قادر على أسطول ديماكس … و طرقاتنا تبارك الله فيها من المنعرجات و الأشجار الجانبية ما يوفر موقعا استراتيجيا و ملاذا ظليلا …
لو تفطّن مخرجو مسلسلاتنا و أفلامنا إلى أن لديهم موهبة تدرّ مالا وفيرا بجهد أقلّ و تجنّبهم دعاء شرّ يلاحقهم منّا طول العمر … لو يعرفون أن لديهم خيالا خصبا في السطو المسلّح و تهريب المخدّرات و قتل الوالدين، لانصرفوا عنّا إلى ملاعب أخرى بعيدة عن أنظارنا … و هناك لعلّ دورية لفرقة العصابات الخطيرة أو مكافحة الإرهاب تصطادهم بالواحد، و يستريح هكذا شعبك المضطهد و يتنفس أخيرا الصعداء …
لو تنتصب فوق طرقاتنا رافعات عملاقة تنزل بكمّاشتها على كل عربة متلكّئة تسدّ المرور، و تنتشلها عاليا في السماء لتقذف بها إلى السبخة أو مزبلة الخردوات في اليهودية، و لم لا إلى البحر المتوسط … حتى تتسهّل حركة السير و يصل الباقون إلى عملهم في الوقت و حتى قبله بقليل …
لو تتركّز بطارية مدافع قبالة مقرّات مشغّلي الإنترنت ببلادنا و كل المصالح الحكومية و غير الحكومية المسؤولة عن التدفق و الربط و القطع و الانقطاع دون انقطاع … حتى يفهم العاملون هناك أن ما يقترفونه من عبث بأعصاب الناس و شؤونهم يدخل في باب الإجرام الأشنع … و أن تلك النوعية من الجرائم بإمكانهم دفع ثمنها كاش و دون أن يضيع المواطن وقته في الشكاوي التي لا تفضي إلى شيء … فيكفيه ما أضاعوه عليه من وقت و من عمر ذهب هدرا …
لو تتوقف مختبرات “فايزر” و “سبوتنيك” و “سينوفاك” عن تصنيع لقاح كورونا ذات ألف سلالة لا يفيد معها عقار … و تصنع لنا فيروسا يهجم على كل من يريد الغناء و هو غير مؤهل له … خاصة عندنا حيث الصراصير أطرب من بعض المناظر التي تحتلّ الإذاعات و اليوتيوب و كل أنبوب … فيسكته سكتة قويّ مقتدر، و يمنحنا بعض الراحة من هذا القصف المسترسل لأسماعنا …
و كلما اشتهى أحدنا نغمة أو جملة، راح يتخيلها و يدندن بها بينه و بين نفسه … مستمتعا هكذا بأعذب الأغنيات …