لمْسُ نار

كم يلزمنا من “أُنس” لننسى البؤس؟

نشرت

في

حينما تنام ليلا و تصحو صباحا على وقع الفرح بفوز أنس جابر و مرورها إلى الدور النهائي لبطولة أمريكا المفتوحة … تفرح لارتفاع راية بلادك و لتداول اسمها و اسم سفيرتها في وسائل الإعلام العالمية تفرح لإنجازها الفردي و تشعر بالأمل و بأن تونس قادرة على أن تكون أفضل على كل المستويات و أن لأبنائها من الإمكانيات ما يسمح لهم بالتألق و النجاح في جميع المجالات …

<strong>عبير عميش<strong>

تفرح و لو مؤقتا فتنسى أو تتناسى آلام بلادك و مشاكلها و تغمض عينيك لبرهة عن مقتل شاب برصاص الأمن و عن اعتداء مواطن على أحد الموظفين و عن احتجاز صحافي و عن الصراع بين نقابات الأمنيين و عن و عن و عن .. و لكن مهما تغاضيت فإن الأخبار الأليمة تلاحقك حين تطالعك أخبار أبناء الشعب الحارقين و تصلك أنباء موت النساء و الأطفال و الكهول في رحلة الهروب من هذا البلد فتعود إلى واقعك الأليم و يعود إليك انقباضك و ألمك …

تسمع في الكثير من وسائل الإعلام أعدادا و أرقاما حول عدد المراكب المغادرة لهذا الوطن و عدد الشباب و العائلات و لوما للهاربين و اتهاما بانعدام الوطنية و بالبحث عن الخلاص الفردي ، و يخبرك أهلك في عدد من المناطق عن خلوها من الشباب و حتى عن إغلاق بعض المقاهي في مدنين و تطاوين و غيرها بعد أن غادر روادها نحو البلدان الأوروبية في رحلة معقدة من تركيا إلى صربيا ثم إلى غيرها من العواصم و المدن …

قد تتساءل طويلا عما دفعهم إلى المغادرة و عن الظروف التي سيعيشون فيها هناك فالحياة ليست وردية مهما يكن و سيلهثون طويلا وراء العمل و تأمين السكن و الإقامة، فتقول ما الذي أجبرهم على ذلك ؟ و لكن قبل أن تطرح سؤالا كهذا سِرْ في شوارع مدننا _ و مرة أخرى لن أتحدث عن صفاقس فالتلوث فيها يلزمه مجلدات بأسرها _ و لن ترى غير الأتربة و القمامة منتشرة على جنبات الطريق و لا تقل تلك حدود إمكانياتنا … فحينما نريد نستطيع و صور شوارع العاصمة و طرقاتها و أرصفتها بمناسبة مؤتمر تيكاد 8 منذ أسبوعين خير دليل …

سر في شوارع مدننا و لن تستنشق غير روائح الأوساخ و حرق القمامة و دخان المصانع و عوادم السيارات … سر في شوارع مدننا و لن ترى غير الأكياس البلاستيكية عالقة بالأشجار و النباتات المصفرة المعفّرة و الجدران الكالحة.. أليست نظافة البلدان هي أهم مؤشر من مؤشرات جودة الحياة فيها فأين نحن من الترتيب العالمي في هذا المجال ؟ أليست الاستراحات العمومية و محطات الخدمات في الطرقات السيارة هي واجهة البلاد الأولى و وجهها الحقيقي الذي يكتشفها من خلاله المسافرون؟؟ أ لم تروا كيف تدهورت الأوضاع فيها هذه السنة ؟؟ لقد ساقني الحظ إليها عدة مرات هذه الصائفة فوجدت استراحات دون راحة ، استراحات لم تعد نظيفة كم عهدناها ، تفتقر إلى اليد العاملة الكافية ، استراحات دون مواد تنظيف و دون ورق صحي و دون ماء أحيانا …

قارن بين نظافة شوارعنا و شوارعهم ، و جمال بناياتنا و بناياتهم و إداراتنا و إداراتهم و نظامنا و نظامهم ، فيتضاعف اكتئابك و إحساسك بالإحباط و الرغبة في المغادرة … و سيزيد إحباطك أكثر و أنت ترى بعض الشباب المبدع يقبع في السجون بسبب قوانين بالية أو و انت ترى صحفيين يخضعون للتحقيق و التنكيل بتهم غريبة لا تتناسب مع ما يعرف عنهم و عن كتاباتهم و سيزيد إحباطك أكثر حينما تدخل إلى المغازات و الدكاكين فترى رفوفا فارغة من الأساسيات و الكماليات و تجوب الشوارع سعيا وراء قطرة بنزين ، تبحث عن سجائرك المفضلة فلا تجدها ، تبحث عن دواء فلا تجده و لا تجد حتى ما يعوضه ، و تبحث عن روضة مناسبة لطفلك فتسخطك الأسعار الفلكية و تبحث عن مدرسة محترمة فلا تجد إلا بنايات متآكلة …

و سيزيد إحباطك أكثر حينما تنظر إلى نفسك أو إلى ابنك دون عمل أو دون أجر مناسب للعيش الكريم و حين تعجز عن توفير لوازم عودة محترمة لأبنائك أو تذكرة نقل أو ثمن فحص طبي أو علاج ضروري لك أو لأفراد أسرتك … أسعار في تصاعد صاروخي … اتفاق خفيّ مرتقب مع صندوق النقد الدولي سيزيد من لهيب الأسعار و سيمس أغلب الطبقات و يفاقم من الفقر و الحاجة ، فلم لا يفكر الناس في الهجة بكل السبل الممكنة و قد تركتهم الدولة يواجهون مصيرهم بمفردهم بعد أن فضل أعلى الهرم الاهتمام بالجانب السياسي أكثر من الاقتصادي ، و رفض الاعتراف بالوضع الحقيقي للمالية العمومية و بالعجز عن استيراد المواد الضرورية ( لأسباب ذاتية لعلّ أهمها ضعف احتياطي تونس من العملة الصعبة لتغيير حاجياتها الخارجية و اعتمادها المفرط على الاقتراض من السوق الداخلية من جهة ، و لأسباب خارجية من أبرزها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية و تأثيرها في كل بلدان العالم من جهة ثانية ) …

و رغم ذلك فإن الخطاب الرسمي يرجع سبب اختفاء المواد من بلادنا إلى المؤامرات التي يحيكها خصومه من المناوئين الأصليين و المتسللين و المؤلفة قلوبهم … و قد نسي أنه المتحكم الوحيد في مفاصل السلطة و القابض على كل مؤسساتها منذ أربعة عشر شهرا و أنه المسؤول الوحيد عن رفاه شعبه و أمنه و استقراره …

و إذا كانت ماري انطوانيت قد قالت عن شعبها ” إذا لم يجدوا الخبز فليأكلوا البسكويت ” فماذا سيقول رئيسنا و حكومتنا لشعبهم و قد فُقِد السكر و الزيت بعد فقدان الفارينة فلم يعد لا خبز و لا بسكويت ؟؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version