جور نار

كيف نترك لأجيالنا القادمة وطنا يحبون…لا وطنا يهجرونه؟

نشرت

في

لماذا تتواصل مأساتنا؟؟ وكيف نخرج منها بأقلّ الأضرار يا ترى؟؟ مأساتنا تعيشها كل عائلة تونسية تقريبا…فكل عائلة اليوم تعيش مأساة لا يعرف معناها غيرها…في كل عائلة مأساة اسمها “عاطل عن العمل”…

<strong>محمد الأطرش<strong>

وكل عاطل عن العمل يمثّل مأساة في أتعس تجلياتها لكل أفراد عائلته…فإحباط هذا العاطل…سيحبط بقية العائلة…وألم هذا العاطل سيؤلم كل العائلة…وغضب هذا العاطل سيغضب كل العائلة…فالعاطل يتساءل يوميا…متى سأشتغل يا ترى؟؟؟ متى سأبني بيتا يا ترى؟؟ متى ستكون لي زوجة وأبناء يا ترى؟؟ متى…ومتى…ومتى….وسيحبط وسيثور…وسيكتئب حين يرى من بنفس سنّه يعمل…ويسعد بعائلته….

هذه مأساتنا منذ أكثر من عقدين…فمن سيبحث عن الحلّ خارج هذا الإطار فهو “خارج عن النصّ” والموضوع بأكمله…فالحكومات التي لن تغوص في أعماق هذه المأساة التي أعتبرها وطنية بامتياز لن تجد من يساندها، ولن تجد من يدعمها ولا من يقف معها في بقية مشوارها، والأحزاب التي لا تضع حسابا لهذا الأمر في برامج كتلها النيابية لن تعود أبدا إلى مجلس النواب في قادم المحطّات الانتخابية…ومن سينجح في ايلاء هذا الأمر الأهمية القصوى وتحويل سنوات عهدته إلى “سنوات خلق لمواطن الشغل” سيكون العنوان الأكبر للمرحلة القادمة…فالأمن القومي سيكون شعاره الرسمي والأهمّ خلال قادم السنوات تحويل البلاد إلى أكبر ورشة عمل وإنتاج ودون ذلك سيكون أمننا القومي في خطر دائم…

البطالة واستفحالها هي اليوم الخطر الأكبر على وحدة هذه البلاد…فمن البطالة تولد كل الأخطار التي تحدّق بالأوطان…و الإرهاب هو ابن البطالة بالتبني…والإدمان هو ابن البطالة الأكبر…والانتحار هو ابن البطالة الأصغر…والهجرة السرية هي ابنة البطالة الضالة…والخروج عن القانون…والإجرام…والعقوق…كلها أبناء أنجبتها البطالة…والبطالة هي سبب ما نحن فيه اليوم من تجزئة اجتماعية قد تذهب بنا في قادم السنوات إلى فتنة مدمّرة…ولن نخرج مما أوصلنا إليه بعضنا دون إعلان الحرب على البطالة…فهي عدونا الأكبر والأخطر…علينا أن نؤسس لعقد اجتماعي وديمقراطي يقوم على الديمقراطية الاجتماعية الكاملة، ولن يكون ذلك ممكنا دون إعلان هدنة اجتماعية طويلة الأمد تسمح لنا بخلق موارد شغل تساعدنا على الحدّ من ارتفاع نسب البطالة…فشعار التشغيل الذي رفعه من خرجوا علينا سنة 2010/2011 خانه من يفاخر إلى يومنا هذا أنه حاضنة ما وقع بالبلاد بين شهري ديسمبر2010 وجانفي 2011…

مشكلتنا اليوم هي سياسية اجتماعية بالأساس ولن يمكن الخروج منها دون تشخيص واقعي وسليم لما وقع بالبلاد خلال عشر سنوات…فمن يفاخر اليوم أنه يبحث عن حلّ لمشكلات البلاد عبر حوار وطني يجمع كل الفرقاء حول طاولة واحدة هو السبب الرئيسي والأكبر لما وصلنا إليه…فهو من خان كل الشعارات التي رفعت قبل 14 جانفي…وهو من حوّل وجهة البلاد إلى الابتزاز وغلق مواقع الإنتاج وطرد القائمين على مؤسسات الدولة، فأغرق خزينة الدولة في الترضيات وتسوية الوضعيات، والخطط الوظيفية لغير أصحابها ليفرض نفسه جزءا هاما وكبيرا لا يمكن الاستغناء عنه في مشهد سياسي واجتماعي هشّ ومتأزم…وهو من فرض نفسه شريكا تعترف به كل حكومات ما بعد 14 جانفي وتخطب ودّه يوم تشعر بالخطر…وهو اليوم الذي يبحث عن إطالة عمر وجوده في هذا المشهد ليفلت من العقاب…عقاب الشعب الذي سيعرف غدا من خانه وحرمه من مستقبل أفضل…ومن كذب عليه بشعارات انقلب عليها …

فما تسبّب فيه هذا الذي يتفاخر بالخراب الذي أتاه بالبلاد أشدّ وطأة على البلاد من الإرهاب…فمن ماتوا حسرة…ومن ماتوا غرقا بحثا عن مورد رزق خارج الحدود…ومن ماتوا إحباطا…ومن انتحروا انتظارا لمورد رزق لم يأت أكثر من عدد من ماتوا شهداء…فشهداء البطالة…وشهداء المظالم….وشهداء الطرد التعسفي…وشهداء حملة تطهير المؤسسات الوطنية التي رفعها هذا الشريك أكثر بكثير من عدد شهداء حربنا على الإرهاب…فالإرهاب الاجتماعي يضاهي في خطورته إرهاب “داعش” والمجموعات المتطرفة…فهل من منقذ لشباب البلاد من مأساة قد تكون تبعاتها أسوأ على البلاد في قادم السنوات…التشغيل هو مفتاح كل حلّ لمشكلات البلاد…والتشغيل هو المنقذ الوحيد لما تعانيه البلاد…ولن يكون ذلك ممكنا دون إعادة دفع للإنتاج بشكل واسع وشامل…ودون تحفيز له وللاستثمار…ودون بنك وطني لأفكار المشاريع الصغرى والمتوسطة…مع مصاحبة نسبية للدولة في كل هذه المشاريع….

فهل نستوعب الدرس قبل أن تحلّ الفوضى…ونغرق…فالمنظومة السابقة تركت لنا دولة ومؤسسات تعمل واقتصادا يتطوّر سنة بعد الأخرى…ونحن ماذا سنترك للأجيال القادمة….هل سنترك لهم الخراب…والفتنة….علينا أن نترك لهم وطنا يحبونه لا وطنا يهجرونه…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version