يعتبر التأفف وعدم القبول بالواقع المزري والبائس الذي تعيشه أغلب الشعوب العربية وخاصة شعوب شمال افريقيا سمة كل مواطن عربي…ونحن في تونس يتأفف أغلبنا من وضعنا الذي يزداد سوءا مع مرور الأيام…فالمواطن العربي عموما والتونسي خاصة قدره أن يعيش بالأمنيات…التي لا تتحقّق في معظمها…فقديما كنّا نمنّي النفس بوطن مستقل نفعل فيه ما نريد متى نريد وكيف نريد…بعيدا عن عصا المستعمر وزنازينه…ثم حين أطردنا المستعمر أصبحت أمنياتنا أن نعيش في وطن ديمقراطي …يحبنا حاكمه ونحب حاكمه ولا أحد منّا يحقد على الآخر…
في تونس وكأية دولة عربية أخرى يقدم لنا السياسي المعارض نفسه كمنقذ للبلاد والعباد، ويكرّر على مسامعنا ألف مرّة صارخا أنه جاء لإنقاذنا من براثن الحكام واستبدادهم وطغيانهم…ويردّد على مسامعنا اغنية نسمعها منه في كل المناسبات كيف ان هذا الشعب مخدوع ومفقّر، مندّدا بالاستغلال والظلم والتهميش وسوء توزيع ثروات البلاد …ويوم يجلس على كرسي الحكم يفقد ذاكرته ككل من حكموا ويحكمون الدول العربية فتصبح أولوياته مصلحته الخاصة ولا شيء غيرها، ويرفض كل رأي يخالف وتصبح المعارضة عدوه الأكبر الذي وجب التخلّص منه وقطع الطريق أمامه بكل الوسائل والطرق قبل كل موعد انتخابي خوفا على موقعه…
ثم حين يفشل في قيادة البلاد ولا يغيّر من حال الشعب كما وعد قبل جلوسه على الكرسي يبدأ في ترديد أغنية الفاشلين المعروفة والتي تعرفها كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج… فتصبح حكومته ليست مسؤولة عن الفشل والأوضاع المتأزمة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وتصبح المعارضة المسؤول الأول عن الخراب الذي حلّ بالبلاد، ويصبح قادتها عملاء لأجندات خارجية غربية في أغلب الأحيان، وتصبح العمالة للخارج وخاصة للغرب هي التي عرقلت الحكومة وكبلتها ومنعتها من تحقيق النمو وهي التي أفشلت كل برامج الدولة ومخططاتها…ويسمعوننا الأغنية التي تعوّدنا سماعها مع كل ازمة حكم ومعارضة …فيتهمون الغرب بأبشع التهم…ويصفونه بأشنع النعوت ثم يسافرون إلى عواصمه مشيا على الاقدام يطلبون اللجوء إليه يوم يطردون من أوطانهم…هكذا هم العرب معارضة وحكاما…وهكذا هو المواطن العربي أيضا، فهو أشدّ الناس كرها وحقدا على الغرب…وهو أيضا أكثر الناس بحثا عن تأشيرة للدول الغربية من فرنسا إلى الماما أمريكا…وطمعا في قطعة شوكولاطة …وقارورة ويسكي …معتّقة…
في تونس اليوم اغلب سكان البلاد يتمنون الهجرة ويرغبون فيها حقّا… فالوضع أصبح لا يطاق ولا يبشّر بخير…فهذا الشعب خدع من الجميع …خدعوه بالـ”ديمقراطية” فقالوا له انها جاءت بديلاً لاستبداد الحكم أيا كان نوعه…فلم ير تحولا في ما كان يعيشه بل أصبح الأمر أفظع مما كان عليه…ثم قالوا له ان الديمقراطية جاءت لإلغاء فرض رأي الحاكم على المحكوم…فلم يعش ذلك بل فرضوا عليه دستورا لم يساهم فيه بكلمة واحدة… وقالوا له ان الديمقراطية جاءت لإحلال رأي الاغلبية مكان رأي الاقلية…فكان العكس اقلية تحكم أغلبية…وقالوا له انها جاءت لكي تفرض حرية الراي والتعبير لكل مواطن…فعاش العكس واصبح كل من ينطق بكلمة ضدّ الحاكم مهدّدا بالسجن ولمدّة تفوق مدّة عقاب مجرم…وسارق…ومغتصب…
في تونس كما في أغلب بلدان الوطن العربي يعيش المواطن بين كماشتين كماشة الحاكم وكماشة المعارضة فلا أحد منهما يمكن اعتباره ديمقراطيا كما يزعم…ولا أحد منهما لم يمارس إرهابا معنويا ونفسيا على شعبه…فالحاكم والمعارضة يعتبران كل من يعارضهما خائنا وعميلا ومتآمرا ورجل مخابرات … وكل من يختلف معهما في الرأي جاهلا ودخيلا ولا يفقه شيئا من السياسة…فلكليهما نفس الخطاب الحقدي ونفس الممارسات …ونفس النوايا…
خلاصة الامر حين يكون حكامنا في المعارضة تسمع منهم خطابا وكأنك في حضرة امير المؤمنين عمر بن عبد العزيز…وحين يجلسون على كراسي الحكم ينقلبون جميعهم إلى كليب بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن مُنبّه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خَصَفَة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الثقفي المعروف بالحجاج بن يوسف… قال محمد بن إدريس الشافعي: بلغني أن عبد الملك بن مروان قال للحجاج بن يوسف: ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه، فعب نفسك ولا تخبئ منها شيئاً. قال: يا أمير المؤمنين، أنا لجوج حقود حسود. فقال عبد الملك: إذاً بينك وبين إبليس نسب. فقال: يا أمير المؤمنين، إن الشيطان إذا رآني سالمني…