أن تختار الكفاءات عليك أن تكون كفاءة أكبر من بقية الكفاءات…لذلك أتساءل أحيانا هل اختار حقّا مولانا أمير المؤمنين أطال الله عمره، الأقدر و الأكفاء لإدارة المرحلة القادمة و هل حقّا مولانا هو الأكفأ لاختيار الأكفأ و الأقدر…منذ أن خرجنا على هذه الدنيا و نحن نردّد شعار “الرجل المناسب للمكان المناسب” فهل حقّا نحن نفعل ذلك؟؟
منذ أن أصبحنا نعي بعض دواليب السياسة عرفنا و قرأنا في دساتيرنا و قوانيننا و استمعنا إلى منظرينا و جهابذة دولتنا أطال الله عمرها، أن الحلّ يكمن دائما في وضع الرجل المناسب على الكرسي المناسب…حفظنا كل هذه الشعارات عن ظهر قلب فجميعنا يرددها …أحزابنا…مجتمعنا المدني…منظماتنا…جميعهم يرفعون هذا الشعار و لا أحد طبّقه يوما… فهل حقّا من يجلسون اليوم على كراسي السلطة هم الأنسب لتلك الكراسي…و هل فعلا نجح أمير المؤمنين أطال الله عمره في اختيار الأنسب للجلوس على كرسي القصبة و هل حقّا نجح الشعب في اختيار الأنسب و الأقدر ليسكن قرطاج…
أظنّ أننا خُدعنا و خدعنا أنفسنا جميعا، و أن الآتي سيكون أفظع من الحاضر و من الماضي…و لا أظنّ أن وضعنا الحالي سيستقيم حاله حتى و إن عاد بورقيبة و بن علي رحمهما الله و من معهما إلى كراسي الحكم فالخراب أتى على كل ما بنيناه…و أتمنى أن لا تصدّقوا من يخرج عليكم من “صبيان” المنظومة السابقة ليقول لكم لنا الحلول لكل مشاكلكم، فأغلب من ترونهم من الذين يقدّمون أنفسهم أبناء المنظومة السابقة بشقيها الدستوري و التجمعي هم من الصفوف العاشرة و أغلبهم من الاحتياطيين الذين كانوا يتمنون خطّة معتمد أو عمدة فوق الرتبة …
لا تنصتوا إليهم فرجالات بن علي القادرون و الأكفاء لا يتقنون الصراخ و لا يقبلونه أصلا و لا يعرضون خدماتهم على قارعة الطريق…فهم يتقنون العمل و البناء فقط…و يبدعون في قيادة المجموعات…و لا أظنهم سيقبلون بالعودة إلى كراسي السلطة بعد أن ظلمناهم و قلنا فيهم ما لم يقله مالك في الخمر…و سجَنَا بعضهم ظلما فقط لأن سي الباجي رحمه الله و غفر له سكت عن ذلك ليُرْضي شركاء المرحلة ضمانا لكرسي قرطاج …قد تؤلم هذه الحقيقة أو الصراحة بعض الذين لا يعترفون بها، لكن هل حقّا اخترنا الأنسب لينقذ ما أمكن إنقاذه من دولة قصموا ظهرها؟…
قبل 14 جانفي كان هؤلاء الذين يحكموننا اليوم يصرخون “لنا البديل و سنجعل من البلاد جنّة…سننشر العدل…و سنقطع دابر التهميش…و سنكرّس اللامركزية…و المساواة بين الجهات….و سنقضي على البطالة….و سنرفع المظالم…و سنقضي على الفساد…” ثم ماذا قالوا لنا بعد أن أغرقوا البلاد في وحل لن تخرج منه قبل ثلاثة عقود على الأقل…قالوا احمدوا الربّ فنحن خلّصناكم من الدكتاتور المستبد الطاغية بن علي…و بعثنا بطواغيته إلى السجون …و أخرجناكم من الظلمات إلى النور…احمدوا الربّ اليوم تستمتعون بحرية التعبير ….و تنعمون بحرية الانتماء و الاختلاف…احمدوا الربّ اليوم تعيشون أجمل أيام ديمقراطيتكم….
يا سلام…أكان حقّا بن علي كما يصفون…أكان رجالاته طغاة كما يتهمون و ينعتون؟؟ أعرفتم أننا فعلا خدعنا فمن خرجوا علينا بعد 14 جانفي باعوا لنا الأوهام، و شوهوا لنا تاريخا كان بكل المقاييس أجمل من حاضر أصابنا بالاكتئاب رغم يقيننا أنه في حاجة إلى إصلاح شامل و عميق…ماذا فعلوا بعد خروجهم علينا…لا شيء يذكر…أغلقوا مواقع الإنتاج بدافع حرية الاعتصام و الإضراب …أطردوا الكفاءات بدعوى الفساد و المحسوبية …قاموا بحملات تسوية للوضعيات في كل القطاعات رفعا للمظالم كما يزعمون ….تمتعوا بالتعويضات يسارا و يمينا تعويضا على نضالهم ضدّ بن علي و بورقيبة و كأن بورقيبة و بن علي كانا يعملان مع المستعمر، و كأن بلادنا كانت مستعمرة إلى حدود ليلة الرابع عشر من جانفي…
أغدقوا العطاء على كل من رفع صوته مطالبا بالزيادة في الأجور و لسان حالهم يقول “أعطه ألف درهم يا عبيدة و سيصمت”…ماذا فعلوا للعاطلين لا شيء سوى الترخيص في جمعية ينشطون تحت رعايتها… هؤلاء هم من وعدوكم بالتشغيل …و الكرامة…و العدل….و المساواة…فلماذا تشتغلون و أنتم تنعمون بحرية الرأي و النباح…و ماذا تفعلون بالمساواة و أنتم تنعمون بحرية شتم بعضكم لبعضكم….و ماذا تفعلون بالكرامة و أنتم تنعمون بحرية غلق الطرقات و غلق مواقع الإنتاج و طرد أرباب عملكم…خلاصة قولي مشكلتنا ليست مشكلة كفاءات أو أحزاب، مشكلتنا اننا نتنفس حقدا…و لا أحد يقبل بالآخر…فجميعنا يعرقل الآخر كي لا ينجح في إدارته للبلاد…هكذا…و جميعنا يشيطن الآخر كي لا يخرجنا مما نحن فيه اليوم…
سادتي أهدافنا أصبحت مغايرة عن تلك التي نشرناها في برامجنا الانتخابية….أهدافنا اليوم كيف نتخلص من خصومنا و كيف نمرّغ رؤوسهم بالتراب….و بعد “يعمل الله”… حين تستمعون إلى نائب من سكان مجلس باردو يصرخ عاليا بكلام يقطر قذارة…و حين تستمعون إلى صحفي باع ذمته يصرخ عاليا في أحد منابر قنواتنا الإعلامية الهابطة لمجرّد أن مشغّله أمره بذلك و دفع له مسبقا ثمن صراخه و تفوهه بأقذر الكلام…ستعرفون أننا لن نخرج مما نحن فيه بالسهولة التي يتصورها البعض…فهؤلاء هم من يحكمونكم اليوم…تعالوا لنصعد إلى قصر مولانا…فهل مولانا معصوم من الخطأ يا جماعة…لا….و لن يكون…فمولانا مثله مثل البقية يستعمل بعض ما توفر لديه من مخزون حقدي لتصفية بعض حساباته مع بعض خصومه…و لا أنصحكم بالتصفيق لما يقوله مولانا فمولانا يعيش حالة غريبة لا شأن لها بالسياسة و لا بمن يحكمون….هذا هو حالنا …و لن يتغيّر …
من يخرج عليكم صارخا “ستكون حكومة إنجازات”….لا تصدقوه…فجميعهم رفعوا نفس الشعارات منذ عشر سنوات…و لا تغركم الأحزاب أو الكتل التي خرجت و أعلنت البيعة لمن اختاره مولانا ساكن قرطاج فجميعهم سعداء فقط لأنهم سيحكمون بالوكالة…و قد يعلنون البيعة لمن سيأتي بعده …و من سيأتي بعد الذي سيأتي بعده…كما لا تغركم الأصوات التي ارتفعت ضدّ حكومة مولانا أمير المؤمنين و أميره المختار لكرسي القصبة فجميعهم وجدوا أنفسهم خارج حسابات جلالته…إذن فلا أحد غضب أو سعد بما يجري بين القصرين من أجل تونس بل من أجل حسابات و مصالح ضيقة لن تستفيد منها البلاد و لا العباد….
أقولها و أنا على يقين من قولي…لا تُصدّقوا الرئيس، و لا تصدّقوا الحكومة…فما لم يخرج منكم من يصرخ عاليا: كفانا أحقادا…فلن يتغيّر حالنا…ما لم يخرج أحدكم ليُجْلِسكم حول طاولة واحدة تنسون فيها كل ما مضى بحلوه و مرّه لن يتغيّر حالكم و حال البلاد و العباد….و ما لم يخرج منكم من يقول لمن كانوا سببا في ما نحن فيه “أخرجوا فلا حاجة لنا بمبادراتكم و حلولكم الملغومة” فلن يصلح حال البلاد….و لا أمر العباد…و لمن يصرون على خراب البلاد أقول… دمتم في أحقادكم تسبحون….و للوطن غارقا تبكون….