لم تحد التشكيلة الحكومية الجديدة عن منطلقها وعنوانها الأساسي المتمثل في منح الثقة لامرأة تونسية لرئاسة الحكومة، وهي المرأة المثقفة التي أثبتت كفاءتها في كل المهام السابقة التي أدتها باقتدار دون جعجعة أو تباه أو إطراء أو ظهور.
فقد ضمت الحكومة الجديدة التي تم الإعلان عن تركيبتها وأدى أعضاؤها اليمين أمام رئيس الجمهورية، تسع وزيرات يمثلن ثلث التركيبة، وذلك لأول مرة منذ الثورة، بعد أن كادت المرأة التونسية بجدارتها وعلوّ ثقافتها وشأنها تصبح مكملة للرجل في الدستور، لولا الوقفة الحازمة والهبّة الواسعة النطاق لكل النساء الحرائر وللقوى المدنية المؤمنة بالدولة المدنية الحداثية وبدور المرأة في بنائها.
تميّز موكب أداء اليمين وخطاب الرئيس بتلقائية غير معهودة حيث غابت الحشود المعتادة في مثل هذه المناسبات، مما يسمى بالشخصيات الوطنية والأحزاب وغيرها، مثلما غاب التصفيق والتهليل، وكأن هذه المراسم تؤذن بشيء واحد وهو الرغبة في العمل لإنقاذ تونس ووضعها على الطريق الصحيح بعناصر منتقاة غير متحزبة، تمثل في غالبيتها كفاءات وتكنوقراط لولا بعض الوجوه الجديدة التي لم نتعرف عليها بعد ونرجو أن يعرفنا عليها إنجازها في الحكومة الجديدة.
لكن المطَمْئن أن التشكيلة الجديدة التي طال انتظارها من الجميع والتي خلت من الوجوه المستفزة التي سئمها الشعب التونسي وكانت نتاجا لمحاصصات حزبية وتأثيرات نهضوية، تحمل بين طياتها حاليا نوعا من التحدّي والعزم على تقديم ما لم تقدمه تسع حكومات تعاقبت على القصبة وكانت حصيلتها مخجلة، فضلا عن تركيبتها المتحزبة والموالية لاتجاهاتها السياسية والإيديولوجية ومصلحتها الذاتية، في غياب للكفاءة والنزاهة والقدرة على اتخاذ قرارات تنفع البلاد.
وفي خطابه بمناسبة أداء اليمين، تباهى رئيس الجمهورية بمنح الثقة لأول امرأة تونسيا وعربيا لرئاسة الحكومة معلقا بأن المرأة التونسية لها شرف أن تكون الأولى في احتلال هذا الموقع، ” فالمرأة ليست مسحوقا لتجميل المؤسسات” وذلك في إشارة منه لاختيارها ليس لإرضاء أي طرف وإنما لكفاءة المرأة التونسية وقدرتها على النهوض بالمؤسسات وإنجاح مردودها.
وتحدث رئيس الجمهورية عن أطراف غدرت به فهي من جهة رحبّت بقرارات 25 جويلية ومن جهة أخرى تغيّر موقفها واعتبرت تلك القرارات انقلابا، وأكد على أن ما حصل ليس سوى تصحيح لمسار الثورة التي “اعتقلوها” بقوانين وضعوها على مقاسهم، وأنه في معركة تحرير وطني سينتصر فيها.
ويبرز خطاب الرئيس عزمه على المحاسبة وتتبع الفاسدين لاستعادة أموال الشعب التونسي حيث ذكر أن المصالحة لن تتم إلا إذا تصالح الفاسدون مع الشعب بإعادة أمواله المنهوبة.
ودعا رئيس الجمهورية ضمنيا النيابة العمومية للتحرك والقيام بدورها واعدا بتطهير القضاء من الفاسدين.
ومن الواضح أن هناك بعض التخوف من أن قمة الفرنكوفونية التي ستعقد بجزيرة جربة، قد تشهد تعطيلات بسبب حملات التشويه التي انتهجها بعض الأطراف المناهضة لقرارات الرئيس، حيث اتجه هؤلاء الذين لا تهمهم مصلحة البلاد بقدر ما تهمهم مصالحهم ونفوذهم، إلى عدد من العواصم الأجنبية لحثهم على عدم تنظيم القمة بدعوى أن تونس غير مستقرة.
ولمّح الرئيس قيس سعيد، لمنصف المرزوقي دون ذكر اسمه وما أتاه من عمل مشين تمثل في دعوته قوى أجنبية للتدخل وممارسة ضغوط على تونس، وأفاد بوجود تقارير تؤكد ما فعله البعض بهدف إفساد مؤتمر الفرنكوفونية وخاصة العلاقة مع فرنسا.
لقد مثل الإعلان عن تشكيل الحكومة مناسبة للرئيس للرد على مناهضيه والإعلان عن بعض برامجه وبرنامج الحكومة للمستقبل القريب، ولا عزاء لمن قرر الارتماء في أحضان الأجنبي وتحريضه على ضرب بلاده اقتصاديا وسياسيا.