جور نار
لتكسب معركتك أمام الماضي… عليك ان تنجز أفضل من الماضي
نشرت
قبل سنة واحدةفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashالسؤال الذي يخافه بعضنا اليوم هو “هل حقّا حالنا اليوم أفضل مما كان عليه قبل 25 جويلية 2021؟” كما “يزعم” أتباع ومساندو السلطة الحالية…هذا السؤال لو ألقيناه على أتباع السلطة وداعميها لصرخوا بصوت واحد “نعم نحن اليوم في أحسن حال” ولقذفك بعضهم بالحجر لمجرّد السؤال…ولو ألقيناه على معارضيها لصرخوا جميعا “لا نحن اليوم في اسوأ حال” ولاتهمك بعضهم بالتلوّن كالحرباء…فكل طرف يدافع عن عهدته رغم أن المسارين أبناء عهدة واحدة أنجبها رحم انتخابي واحد …عهدة بمكونات مختلفة متضادة لم تنجز وعدا واحدا مما أغرقت بها مسامعنا في حملاتها الانتخابية دون استثناء…
في واقع الأمر علينا أن نسأل الشعب ولا أحد غير الشعب، هل تغيّر حاله وهل تحسنت أوضاعه وهل تمتّع بما جاء به مسار 25 جويلية من وعود وشعارات تقطع مع الماضي و”خرابه” الذي ينعتونه به…وهنا علينا أن نعترف أن لا شيء تغيّر على ما كان عليه بل أصبح أسوأ بكثير مما كان عليه، هذه الحقيقة التي لا يزال أتباع صانع المسار يرفضون الاعتراف بها والقبول بحقيقتها…سيقول بعضهم ألم نكتب لكم دستورا جديدا ألغى ما سبقه من دستور “الإخوان” ومن معهم…وسيقول المواطن وهل يُطبخ الدستور قبل ان يؤكل ام يؤكل دون طهي أم يطبخ بالماء الساخن وبعض الملح والتوابل فقط…وسيقول بعضهم الآخر لماذا نسيتم الشركات الأهلية وحملات مقاومة الفساد والانتخاب على الأفراد…وسيقول المواطن وهل سيزيد ذلك من دخلي وهل سيوفر شغلا لابني العاطل منذ عقود وهل سيوفر لي وعائلتي ما أحتاجه لحياة كريمة…وهل سيأتيني بدواء مفقود؟
لكن، السؤال الأخطر والأهمّ هو لماذا لم نتقدّم خطوة واحدة نحو إصلاح الأوضاع وتغيير حال المواطن والتخفيف من حجم معاناته؟ والإجابة في غاية البساطة، لأننا اكتفينا بإعلان الحرب على الماضي ومن اثثوه ظنّا منّا أن إصلاح الأوضاع يكون فقط بمحاسبة من تسبّبوا فيه…ونسينا أن أخطاء الماضي هي أهمّ دروس لبناء المستقبل، وعلينا أن نعترف بها دون تعميمها على كامل المرحلة التي سبقتنا حتى نعرف كيف نتجنبها دون أن نقسو على الماضي ونصفه بالخراب الكامل ألسنا من الماضي وولدنا فيه أيمكن أن نقول اننا أبناء ذلك الخراب؟
الاكتفاء بالمحاسبة ومطاردة كل من اثثوا المراحل السابقة هو في حقيقة الأمر ليس أكثر من تحويل لوجهة الشعب عن الفشل في تحقيق الوعود والخروج من الأزمة الاقتصادية، وإرضاء لمزاج الاتباع والمساندين، ومراودة لتصفيق البعض الآخر وهتافهم، وهذا لن يفيدنا في شيء ولن يخرجنا مما نحن فيه ابدا…بل سيعمّق الأزمة وسيفرقنا ويشتّت شملنا جميعا ويرفع منسوب الأحقاد والضغائن، فالإصلاح لا ينتظر وعليه أن يأتي على عجل أما المحاسبة فلا ضرر إن جاءت على مهل…فلا يوجد في التاريخ ولا في المستقبل مَن هو فوق المحاسبة…لكن علينا ودون تسرّع وتشنّج ومحاولة إرضاء مزاج فئة معيّنة من الطيف السياسي تقييم الماضي بموضوعية حتى لا نفعل بالماضي ما قد يفعله بنا المستقبل حين نكون جميعا غدا من الماضي…
لذلك وأكثر من ذلك أقول انه علينا اليوم أن نعترف وأن نعي مزايا سياسة الاعتراف بالخطأ والاعتذار، وسياسة القدرة على التراجع عن أي قرار غير صائب…فالتراجع والاعتذار هما من أخلاق الأقوياء “الشجعان” الذين يدركون حجم ووقع الاعتذار على من أخطأنا في حقّهم يوما ما بتصرف مزاجي وعاطفي متسرّع…لنعترف أولا أنه كانت هناك الكثير من الأشياء الجميلة في الماضي سواء كان ذلك ماضينا القريب أو البعيد… لكن ليس معنى ذلك أن كل ماضينا كان أجمل من حاضرنا… فلا أحد يمكنه العودة إلى الوراء، فبتجنّبنا لأخطاء الماضي سيكون حاضرنا أجمل وغدنا أفضل…كما علينا وهذا الأهمّ في هذه المرحلة من حاضرنا، الاعتراف بأننا نعيش أزمة كبيرة قد لا نخرج منها دون خدوش وأوجاع ودون تضحيات من الجميع… وهذا الجميع هو الشعب، فإن قبل الشعب ببعض الوجع فسيكون الحال أهون وأفضل، هذا إن اعترفنا له بما تعيشه البلاد واطلعناه على حقيقة الأوضاع دون تزيين وتلميع لصورة واقع وَجَعه أبعد عن عيون بعضنا النوم…
كما علينا الاعتراف بأننا أخطأنا في تقييم وتشخيص أوضاع البلاد ومن المتسبب فيها بالنصيب الأكبر … فلا أظنّ ان الأحزاب والطيف السياسي هم من عطلوا مواقع الإنتاج وأوقفوا عجلة الإنتاج والتصدير وتسببوا في هروب المستثمرين الاجانب… فبالتشخيص السليم والعقلاني يمكن لنا إيجاد الحلول الكفيلة بإصلاحها والخروج مما نحن فيه…الاعتراف يجب أن يطال الفشل أيضا، لذلك من الشجاعة أن نعترف بفشلنا في إدارة شؤون البلاد في ظلّ الأزمة التي تعيشها، وفي معالجة بعض القضايا التي تصرّفنا فيها بمزاجية ما كان لنا أن ننساق وراءها…فبكل هذا الاعتراف وببذل الجهد الجاد والمسؤول والمدروس الخالي من عقلية تصفية الحسابات والحقد على القديم سوف نحوّل الفشل إلى نجاح…فحلّ مشكلات البلاد ومعالجة أزمتها يكون بالاعتراف بها وعدم تحويل وجهة الشعب والرأي العام عنها خوفا من ردود فعله، حتى وإن كان في ذلك بعض الألم والوجع فتبرير الأخطاء لا يصلحها بل يزيد من تعميق جراحها…
من حق المشيدين والمفاخرين بالماضي وانجازات الماضي أن يعبروا عن ذلك، كما من حق ناقدي الماضي وما كان فيه أن يكشفوا أخطاءه وما عاشوه فيه شرط أن يكونوا موضوعيين… فالهدف من الحديث عن الماضي وانجازاته وأخطائه يجب أن يكون في إطار وطني لا يحمل في طياته انتقاما أو تآمرا أو أهدافا مستترة القصد منها الإساءة للوطن والشعب والتاريخ والحاضر…
فلكل عصر نجاحاته واخفاقاته ومزاياه…لكن على الجميع الأخذ بنجاحات الماضي ومكاسبه لإنجاح الحاضر وبناء المستقبل، ولن يكون ذلك دون أن نقبل بالرأي والرأي الآخر، ودون أن يكون اختلافنا في مصلحة الوطن العليا…
ختاما أقول علينا أن نخرج مما نحن فيه وبسرعة إن أردنا حقّا أن نلملم جراحنا…فمواقع تواصلنا الاجتماعي أصبحت عبارة عن صفحات ملجأ للأيتام و”صدى المحاكم” لا شيء فيها غير الإيقافات وبطاقات الإيداع وتحجير السفر…نريد أخبارا عن إنجازات تخدم الشعب وتنفعه…إنجازات نحتاجها للخروج مما نحن فيه…انجازات تبعدنا عن المنحدر الذي نحن على حافته…علينا ألا نقف متصلبين أمام الأزمة التي نعانيها وأمام اختلافاتنا…وعلينا أن ندفن أحقادنا…وننسى التعامل بالمزاج لإرضاء البعض على حساب البعض الآخر…علينا أن ندوس على رغبتنا في الانتقام والثأر وقطع الطريق أمام الخصوم، فالنجاحات وحدها هي من يقطع الطريق أمام الخصوم والمنافسين…
لتكسب معركتك أمام الماضي عليك ان تنجز أفضل مما أنجزه الماضي…دون ذلك ستكون سطرا يتيما في كتاب الماضي… فالإنجازات هي فقط من يصنع سعادة الشعوب…
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 8 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 8 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 19 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟