جور نار

لتكسب معركتك أمام الماضي… عليك ان تنجز أفضل من الماضي

نشرت

في

Louage Gafsa Tunis السلام عليكم من قنطرة رادس حلق الوادي طقس جميل و مشمس هنا في العاصمة تونس | Facebook

السؤال الذي يخافه بعضنا اليوم هو “هل حقّا حالنا اليوم أفضل مما كان عليه قبل 25 جويلية 2021؟” كما “يزعم” أتباع ومساندو السلطة الحالية…هذا السؤال لو ألقيناه على أتباع السلطة وداعميها لصرخوا بصوت واحد “نعم نحن اليوم في أحسن حال” ولقذفك بعضهم بالحجر لمجرّد السؤال…ولو ألقيناه على معارضيها لصرخوا جميعا “لا نحن اليوم في اسوأ حال” ولاتهمك بعضهم بالتلوّن كالحرباء…فكل طرف يدافع عن عهدته رغم أن المسارين أبناء عهدة واحدة أنجبها رحم انتخابي واحد …عهدة بمكونات مختلفة متضادة لم تنجز وعدا واحدا مما أغرقت بها مسامعنا في حملاتها الانتخابية دون استثناء…

<strong>محمد الأطرش<strong>

في واقع الأمر علينا أن نسأل الشعب ولا أحد غير الشعب، هل تغيّر حاله وهل تحسنت أوضاعه وهل تمتّع بما جاء به مسار 25 جويلية من وعود وشعارات تقطع مع الماضي و”خرابه” الذي ينعتونه به…وهنا علينا أن نعترف أن لا شيء تغيّر على ما كان عليه بل أصبح أسوأ بكثير مما كان عليه، هذه الحقيقة التي لا يزال أتباع صانع المسار يرفضون الاعتراف بها والقبول بحقيقتها…سيقول بعضهم ألم نكتب لكم دستورا جديدا ألغى ما سبقه من دستور “الإخوان” ومن معهم…وسيقول المواطن وهل يُطبخ الدستور قبل ان يؤكل ام يؤكل دون طهي أم يطبخ بالماء الساخن وبعض الملح والتوابل فقط…وسيقول بعضهم الآخر لماذا نسيتم الشركات الأهلية وحملات مقاومة الفساد والانتخاب على الأفراد…وسيقول المواطن وهل سيزيد ذلك من دخلي وهل سيوفر شغلا لابني العاطل منذ عقود وهل سيوفر لي وعائلتي ما أحتاجه لحياة كريمة…وهل سيأتيني بدواء مفقود؟

 لكن، السؤال الأخطر والأهمّ هو لماذا لم نتقدّم خطوة واحدة نحو إصلاح الأوضاع وتغيير حال المواطن والتخفيف من حجم معاناته؟ والإجابة في غاية البساطة، لأننا اكتفينا بإعلان الحرب على الماضي ومن اثثوه ظنّا منّا أن إصلاح الأوضاع يكون فقط بمحاسبة من تسبّبوا فيه…ونسينا أن أخطاء الماضي هي أهمّ دروس لبناء المستقبل، وعلينا أن نعترف بها دون تعميمها على كامل المرحلة التي سبقتنا حتى نعرف كيف نتجنبها دون أن نقسو على الماضي ونصفه بالخراب الكامل ألسنا من الماضي وولدنا فيه أيمكن أن نقول اننا أبناء ذلك الخراب؟

الاكتفاء بالمحاسبة ومطاردة كل من اثثوا المراحل السابقة هو في حقيقة الأمر ليس أكثر من تحويل لوجهة الشعب عن الفشل في تحقيق الوعود والخروج من الأزمة الاقتصادية، وإرضاء لمزاج الاتباع والمساندين، ومراودة لتصفيق البعض الآخر وهتافهم، وهذا لن يفيدنا في شيء ولن يخرجنا مما نحن فيه ابدا…بل سيعمّق الأزمة وسيفرقنا ويشتّت شملنا جميعا ويرفع منسوب الأحقاد والضغائن، فالإصلاح لا ينتظر وعليه أن يأتي على عجل أما المحاسبة فلا ضرر إن جاءت على مهل…فلا يوجد في التاريخ ولا في المستقبل مَن هو فوق المحاسبة…لكن علينا ودون تسرّع وتشنّج ومحاولة إرضاء مزاج فئة معيّنة من الطيف السياسي تقييم الماضي بموضوعية حتى لا نفعل بالماضي ما قد يفعله بنا المستقبل حين نكون جميعا غدا من الماضي…

لذلك وأكثر من ذلك أقول انه علينا اليوم أن نعترف وأن نعي مزايا سياسة الاعتراف بالخطأ والاعتذار، وسياسة القدرة على التراجع عن أي قرار غير صائب…فالتراجع والاعتذار هما من أخلاق الأقوياء “الشجعان” الذين يدركون حجم ووقع الاعتذار على من أخطأنا في حقّهم يوما ما بتصرف مزاجي وعاطفي متسرّع…لنعترف أولا أنه كانت هناك الكثير من الأشياء الجميلة في الماضي سواء كان ذلك ماضينا القريب أو البعيد… لكن ليس معنى ذلك أن كل ماضينا كان أجمل من حاضرنا… فلا أحد يمكنه العودة إلى الوراء، فبتجنّبنا لأخطاء الماضي سيكون حاضرنا أجمل وغدنا أفضل…كما علينا وهذا الأهمّ في هذه المرحلة من حاضرنا، الاعتراف بأننا نعيش أزمة كبيرة قد لا نخرج منها دون خدوش وأوجاع ودون تضحيات من الجميع… وهذا الجميع هو الشعب، فإن قبل الشعب ببعض الوجع فسيكون الحال أهون وأفضل، هذا إن اعترفنا له بما تعيشه البلاد واطلعناه على حقيقة الأوضاع دون تزيين وتلميع لصورة واقع وَجَعه أبعد عن عيون بعضنا النوم…

كما علينا الاعتراف بأننا أخطأنا في تقييم وتشخيص أوضاع البلاد ومن المتسبب فيها بالنصيب الأكبر … فلا أظنّ ان الأحزاب والطيف السياسي هم من عطلوا مواقع الإنتاج وأوقفوا عجلة الإنتاج والتصدير وتسببوا في هروب المستثمرين الاجانب… فبالتشخيص السليم والعقلاني يمكن لنا إيجاد الحلول الكفيلة بإصلاحها والخروج مما نحن فيه…الاعتراف يجب أن يطال الفشل أيضا، لذلك من الشجاعة أن نعترف بفشلنا في إدارة شؤون البلاد في ظلّ الأزمة التي تعيشها، وفي معالجة بعض القضايا التي تصرّفنا فيها بمزاجية ما كان لنا أن ننساق وراءها…فبكل هذا الاعتراف وببذل الجهد الجاد والمسؤول والمدروس الخالي من عقلية تصفية الحسابات والحقد على القديم سوف نحوّل الفشل إلى نجاح…فحلّ مشكلات البلاد ومعالجة أزمتها يكون بالاعتراف بها وعدم تحويل وجهة الشعب والرأي العام عنها خوفا من ردود فعله، حتى وإن كان في ذلك بعض الألم والوجع فتبرير الأخطاء لا يصلحها بل يزيد من تعميق جراحها…

من حق المشيدين والمفاخرين بالماضي وانجازات الماضي أن يعبروا عن ذلك، كما من حق ناقدي الماضي وما كان فيه أن يكشفوا أخطاءه وما عاشوه فيه شرط أن يكونوا موضوعيين… فالهدف من الحديث عن الماضي وانجازاته وأخطائه يجب أن يكون في إطار وطني لا يحمل في طياته انتقاما أو تآمرا أو أهدافا مستترة القصد منها الإساءة للوطن والشعب والتاريخ والحاضر…

فلكل عصر نجاحاته واخفاقاته ومزاياه…لكن على الجميع الأخذ بنجاحات الماضي ومكاسبه لإنجاح الحاضر وبناء المستقبل، ولن يكون ذلك دون أن نقبل بالرأي والرأي الآخر، ودون أن يكون اختلافنا في مصلحة الوطن العليا…

ختاما أقول علينا أن نخرج مما نحن فيه وبسرعة إن أردنا حقّا أن نلملم جراحنا…فمواقع تواصلنا الاجتماعي أصبحت عبارة عن صفحات ملجأ للأيتام و”صدى المحاكم” لا شيء فيها غير الإيقافات وبطاقات الإيداع وتحجير السفر…نريد أخبارا عن إنجازات تخدم الشعب وتنفعه…إنجازات نحتاجها للخروج مما نحن فيه…انجازات تبعدنا عن المنحدر الذي نحن على حافته…علينا ألا نقف متصلبين أمام الأزمة التي نعانيها وأمام اختلافاتنا…وعلينا أن ندفن أحقادنا…وننسى التعامل بالمزاج لإرضاء البعض على حساب البعض الآخر…علينا أن ندوس على رغبتنا في الانتقام والثأر وقطع الطريق أمام الخصوم، فالنجاحات وحدها هي من يقطع الطريق أمام الخصوم والمنافسين…

 لتكسب معركتك أمام الماضي عليك ان تنجز أفضل مما أنجزه الماضي…دون ذلك ستكون سطرا يتيما في كتاب الماضي… فالإنجازات هي فقط من يصنع سعادة الشعوب…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version