جور نار
للحبّ عيدٌ واحدٌ… وللعدوانيّة والشّتيمة أعياد وأمجاد !
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriكأنني بالحبّ في ربوعنا رهن الأسر والاحتجاز منذ بداية وجودنا ككيان ثقافي وحضاري مستقل له طقوسه وتقاليده ونظرته للعالم والإنسان والأشياء. مجالات التعبير عنه محدّدة بجملة من التقييدات والتّضييقات بالشكل الذي يجعله يسقط مباشرة في المحظور، إن هو تجاوز مربّع الإفصاح عنه بشكل صريح ومباشر تجاه الوالدين والبنين والوطن… أحيانا.
تسكننا خشية تلقائية نتناقلها جينيّا جيلا بعد جيل عندما نهمّ بالتعبير عن مشاعر الحبّ والمودة تجاه شخص ما، فنسارع إلى استدعاء كلمات تشير إلى الحبّ ولا تقوله أو توحي به وترمز إليه وتغمز نحوه ولا تصرّح به وكأننا اتفقنا جميعا على الاحتفاظ ببيت واحد من مدوّنة الشعر العربية العاتية للشاعر نزار قباني عندما تحدّث عن الحب منشدا “كلماتنا فى الحب تقتل حبّنا، إن الحروف تموت حين تُقالُ“.
أعتقد أن تعابير من قبيل المحبّة والمعزّة والمودّة والتعاطف والتراحم والتعاشر في لغتنا اليومية كأننا ابتدعناها خصيصا لعدم الوقوع في فخّ “الحب” الذي لا يُحيل في مخيالنا الحر الأصيل إلا على المهالك والمفاسد.
“إن الاحتفال بعيد الحب هو من البدع المحرّمة، إذ لا أصل له في الشريعة الإسلامية، ويترتب عليه العديد من المفاسد والمحظورات كالتبرّج، والاختلاط المحرّم بين الرجل والمرأة، والعلاقات غير الشرعية، ولا يجوز بيع وشراء الهدايا والورود إذا كانت مخصصة للاحتفال بهذا اليوم…” هذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمجلس الإسلامي للإفتاء – بيت المقدس… وعليه فلا يجوز إظهار الفرح والاحتفال والتهنئة فيها أو الإعانة عليها بأي شيء سواء بالهدايا أم البيع والشراء أم تقديم الطعام وغيره، لأن ذلك من قبيل التعاون على الإثم.
إن مثل هذه الفتاوى حيال التعبير عن الحب في قاموس شيوخنا إثمٌ، والحب نفسه خطيئة والاختلاط محرّم والورود المشبوهة مَفسدة… في نبرة تقريرية باتّة لا تترك أية مساحة للتّنسيب أو التلطيف أو طلب التفهّم لهذه السلوكات في سياق معولم ألغى الحدود والاستثناءات الثقافية.
ما الذي يُزعج حماة الأخلاق في بلادنا عندما يقدّم شابّ لصديقته التي ستتحوّل (في أحيان كثيرة) إلى زوجته وأما لأبنائه، باقة من الزهور المُنعشة للقلب وللروح وخلايا الدماغ؟ وأي وجه للإساءة أو انحدار الأخلاق حين يجتهد ويكدّ الزوج المحبّ لزوجته والمقدّر لعمق أواصر “العِشرة الطيبة” بينهما من أجل تقديم ما تيسّر من عرابين المودّة ونبل المشاعر التي تجمعهما؟ وأيّ المشهدين ألطف وأجمل وأعذب في سياق التعبير عن سُمك المشاعر وعمقها: مشهد الرسائل الغرامية (نكاد نعتذر عن استعمال مثل هذه التوصيفات المسكونة بكل الدلالات الحافّة المُعيبة) التي يبذل في صياغتها كاتبها كل ما أوتي من قدرة على الترقّي والتأثير واستدرار الإعجاب من متلقّيها، أم مشهد الذبائح الفاخرة لأجود أنواع المواشي وأكوام السلاسل والخواتم والمجوهرات الذهبية التي لا يقدر عليها سوى المترفون؟ وأيّة توازنات يمكن أن تختلّ بفعل مظاهر الابتهاج في يوم يتيم في السنة تتطاير فيه القلوب الحمراء يتبادلها المحبّون ويزهو به العاشقون، مقابل باقي أيام السنة المنذورة للنّكد والتشاؤم والاكتئاب الوطني؟
هناك تقليد وطني محلي صرف يُحمل ظاهريا على الحب والمودة، ويتمثل في حصول الزوجة التونسية على ما يُعرف بـ “حقّ الملح”، وهي هدية ذهبية أو فضيّة يقدّمها الزوج لزوجته تكريما لها لقاء التعب الذي بذلته طيلة شهر رمضان في إعداد وجبات الإفطار والسّحور. هذا التقليد على نُبله الظاهري لا صلة حقيقية له بالحبّ ولا بالمشاعر ولا بطيب المعشر وإنما هو مجرد تعويض مادّي وكأنها تعويضات عن أضرار وخسائر جسيمة حصلت أثناء الحرب، لأن الزوجة-الأم ليست مُطالبة لوحدها بتحمّل مشاق الطهي والإعداد والترتيب وغسل الصحون وتحضير القهوة والمحليّات ومستلزمات السّحور… فلو يتم احتساب عدد الساعات التي تقضيها المرأة في مطبخها خلال شهر رمضان لكانت كافية لإعاشة ثكنة عسكرية بأكملها في الأيام العادية. والوضع الطبيعي هو أن يتمّ تقاسم الأعباء وتوزيع الأدوار حتى يخِفّ الحِمل … لا أن يكرس الاستعباد العائلي الزوجي ثم نبحث له عن مسوّغات وإفتاءات.
نحن ضليعون في قاموس الكراهية والاستعداء
كثيرا ما نخلط نحن العرب بين علاقتنا بالشعوب الأخرى وموقفنا إزاء دولها التي استباحت ومازالت تستبيح أراضينا وخيراتنا، وكثيرا ما نزُجّ بالعنصر الثقافي والديني في حكمنا على الآخر وبلورة موقفنا منه خاصة إذا انطلقنا من بداهات زائفة تحاول ترسيخ فكرة أننا أفضل شعوب الأرض، فنصِفُ كل أولئك الذي لا يتقاسمون معنا نفس الطقوس بالكفّار والفُجّار الذين لا يحلّ لنا “أن يقع في قلوبنا محبة ومودّة نحوهم”. وحتى في علاقاتنا بعضنا ببعض، فإن خطاب الحقد والضغينة أعلى صوتا من خطاب المحبة والمودّة وباتت الشماتة رياضة ممتعة يتعاطاها الناس وكأنهم لم يفطموا على سواها، وأقلامنا وألسنتنا مدرّبة تدريبا جيدا على الإساءة وهتك الأعراض لا على احترام الناس والاحتراس من الاقتراب من مربّعات حميميّتهم وحياتهم الخاصة. ويبلغ سيْل الحقد أحيانا حدّ الشماتة في شعوب أخرى تضربها الأعاصير والزلازل وسائر الكوارث الطبيعية ومحاولة تفسير ذلك بكونه عقاب من الله لمرتكبي المعاصي والآثام.
وحتى عندما نغادر “فيراج” الفايسبوك على سبيل المثال نحو مساحات أخرى يصنف أصحابها أنفسهم على أنهم صفوة القوم ويُفترض فيها أن تكون مُحكِّمة للعقل الهادئ ومترفّعة عن السّباب والشتيمة، تكتشف أن الخطاب المستعمل لا يخرج عن نطاق التلبيس الأخلاقي والإحالة على أكثر الدلالات عفنا واتساخا.
وعليه، فإن الاحتفال بمناسبة مستجدّة أفرزها التطور الطبيعي للمجتمعات يسمونها عيدا للحب (مثل دخلة الباكالوريا التي لم نكن نعرف مثيلا لها في الماضي وحفلات أول السنة الجامعية وسهرات توديع العزوبية قبل الزفاف …) أفضل من الانتشاء بخبر “فضيحة” علقت بفنانة أو صحفية أو أية شخصية إعلامية أو سياسية معروفة. والاحتفال بعيد الحب لا يُنبئ بأية أضرار قد تلحق المحتفلين والمستعدين لإحيائه.
إن أجمل الأغاني وأعذب النصوص وأكبر الروايات وأمتع القصص وأحلى الأفلام تغنّت بالحب ورفعت رايته ووضعته في مكانة “الماء الذي يروي عطش العالم” كما يقول الشاعر رامبو، وفي المقابل لا نجد أثرا إبداعيا واحدا يحتفي بالعنف والكراهية ونبذ الآخر (باستثناء بعض الأركان الخفيّة في المنظومات العقائدية المختلفة عندما يرتؤون استدعاءها من أجل تبرير عنف أو تشريع قتل أو إيجاد ذرائع للتنكيل بالخصوم) .
أقول أيضا إن الحب طاقة حيوية ثمينة تُبقينا دائما على قيد الأمل في أناس نركن إلى أحضانهم زمن الشدائد، وأناس من حولنا لا نخشاهم وأصدقاء- إخوة يُوسّعون دائرة عائلاتنا الصغيرة وأناس، يلجؤون إلينا فنُبهجهم ونخفف آلامهم ونُيسّر مبتغياتهم ما استطعنا. فلا شيء يُضاهي في تقديري فرحا – مهما كان بسيطا-ـ نهبُه للآخرين وطمأنة ننثرها من حولنا وذراعا حاضنة نفتحها أمام التائهين.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 18 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 18 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟