تابعنا على

جور نار

لماذا نضطرّ إلى تغيير القناة … مع كل خطاب لمولانا؟

نشرت

في

أطلّ علينا مولانا للمرّة الثانية جالسا على كرسي رئاسة مجلس الوزراء…لا شيء تغيّر عن المرّة الأولى ولا عن كل مرّة يخرج فيها علينا مولانا ليشبعنا دروسا في كشف عورة الفساد ومقاومته، وكيف نقتل العقرب بأسفل الحذاء…هكذا هو مولانا لم يتغيّر فهو لم يتخلّص إلى يومنا هذا من هاجس التدريس وإلقاء المحاضرات…وكأن الشعب…لا يزال في سنته الأولى من التعليم الأساسي…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

مولانا يريد شيئا، لكنه يطالب بأشياء أخرى…يريد أن نكون معه ووراء كل ما يعلنه…ويشتمنا…ويتهم بعضنا…ويصرخ في وجوهنا جميعا…مهدّدا… متوعدا بالويل والثبور والكثير من عظائم الأمور…هكذا هو مولانا لم يتغيّر ولم يدرك أنه اليوم رئيس الجميع من بنزرت إلى آخر نقطة في جنوب البلاد… وعليه أن يدرك أن من يشتمهم اليوم ويتهمهم بأبشع التهم لن يكونوا أبدا معه غدا…يوم يعرف الجميع أنهم أبرياء مما قال ويقولون…وعليه أن يترك ما للقضاء للقضاء فهو الأقدر والأدرى بما يفعله…فما يفعله وما يأتيه مع كل إطلالة هو تدخّل ضمني لا غبار عليه في القضاء…

مولانا لم يع إلى حدّ اللحظة أن إصلاح الخراب الذي عشناه منذ 14 جانفي لا يكون بالصراخ …ولا باتهام الجميع…ولا بسرد القصص التي لا نجد لها مقدّمة ولا خاتمة ولا معنى…إصلاح البلاد والخراب الذي عشناه ونعيشه إلى يوم الناس هذا يكون أحببنا أم كرهنا بشراكة حقيقية بين جميع المكونات السياسية والاجتماعية، في ظلّ حكم تعددي نحترم فيه الاختلاف…والرأي الآخر…فالتعايش بين الجميع لا يكون أبدا بتبادل التهم والتهديد والوعيد وفرض نمط سياسي واجتماعي بقوّة السلطة والجاه، وبتأويل نصوص الدستور كما ولما نريد…وعليه أن يعلم أن الجسد المريض لا يمكن أن يستجيب للعلاج بسرعة إذا لم يقع عرضه على طبيب ماهر يدرك حقيقة أوجاعه وما يعانيه…ويعرف كيف يعالجه ويخرجه مما هو فيه…دون أن يؤلمه ويؤذيه…وتونس اليوم جسد مريض وموجوع…

مولانا لم يخرج من دائرة خطابه المشحون …والغاضب…والمتشنّج منذ جلس على كرسي قرطاج وعرف حقيقة حجم صلاحياته…ولم يسلم أحد من خصومه من تهديده ووعيده واتهاماته التي لا تنتهي…وكأني ببعض من هم حوله حوّلوا وجهته نحو وجهة تُلهيه عن الهدف المنشود والموعود…مولانا لم يدرك إلى حدّ الساعة أن منهجه وطريقة تعامله مع بقيّة مكونات المشهد ومع متطلبات المرحلة لن تُفيد البلاد في شيء ولن تخرجها مما هي فيه…وقد تدخل البلاد في عزلة تامة، وتوسّع الهوّة بينها وبين كل حلفاء وشركاء الأمس…ولم يدرك أن من ينصحونه بتوخّي هذا المسلك المتشنج في تعامله مع المرحلة ومع بقيّة الأطراف المكونة للمشهد السياسي والاجتماعي، يريدونه أن يفشل في إيجاد وتقديم رؤية واضحة لاحتواء حالة الانقسام التي تعيشها البلاد، من خلال توحيد جهود كل الأطراف، من أجل بلوغ هدف واحد يتفق حوله الجميع في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد، علما بأنه لن يكون قادرا على ذلك بمفرده أبدا…حتى وإن وقفت إلى جانبه كل دول الخليج …

كما يريدونه أن يفشل في توفير أبسط ضروريات الحياة لأفراد هذا الشعب من صحة وتعليم وخدمات معيشية يومية والضغط على الأسعار والحفاظ على المقدرة الشرائية لجميع المواطنين من شمال البلاد إلى جنوبها…

ويريدونه أن يفشل في الوصول إلى مصالحة شاملة يجلس خلالها الجميع حول طاولة الوطن باستثناء من أجرم في حق البلاد والعباد ومن ساهم في خرابها وايصالها إلى ما هي عليه وفيه اليوم…

ويريدونه أن يفشل في مواصلة الحفاظ على أمن ونظام البلاد وايجاد التدابير الكفيلة للحدّ من خطورة الإرهاب والقضاء على ما تبقى من فلوله …

ويريدونه أن يفشل في القضاء على البطالة والبحث عن الطرق الكفيلة ومضاعفة الجهود من أجل خلق وجلب الاستثمار، لتوفير مواطن شغل للعاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا وبقية فئات المجتمع…

ويريدونه أن يفشل في إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس سليمة لا تقصي أحدا وعلى أساس الخبرة والكفاءة …

ولأن الخطاب هو الوسيلة الأكثر تأثيراً وتفاعلاً في نفس المتلقي، فإن بعض من هم حول الرئيس أو من ينصحونه من هنا وهناك لم يدركوا إلى يومنا هذا خطورة الخطاب الذي يتوخاه ساكن قرطاج منذ جلوسه على كرسي قصر قرطاج…فهذا الخطاب هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم من تحرّش سياسي من عديد الأطراف الخارجية التي لم تتعوّد منّا سابقا هذا الخطاب. فتونس عُرفت منذ استقلالها، بخطاب متوازن وعقلاني غير متشنّج، جلب لنا احترام الجميع شرقا وغربا…والخطر الأكبر هو أن يسيء البعض فهم خطاب ساكن قرطاج  فيرى فيه وسيلة للشحن الانفعالي المهيج للعواطف والكراهية …فنحن اليوم في حاجة أكيدة وملحّة إلى خطاب عقلاني مدروس وهادئ فخطاب الانفعال والتوتر لن يجلب لنا أبدا نتائج طيبة ومقبولة، و الصراخ والانفعال لن يصل أبدا بأصحابه إلى غاياتهم وأهدافهم، والخوف كل الخوف أن تكون نتائجه العكسية أكبر وأخطر على من يتبناه….

قد أتفهّم أحيانا تشنّج خطاب ساكن قرطاج فوضع البلاد موجع إلى حدّ الصراخ…لكن هل وجب أن يكون خطابنا على نفس الوتيرة وعلى نفس المقام دون أن نأتي يوما بأمر يسعد الشعب منذ جلوسنا على كرسي الحكم؟ والسؤال الذي يطرح نفسه بعد كل خطاب لمولانا ساكن قرطاج هل ثمّة عوامل أخرى وراء هذا التشنّج الذي نعيشه مع كل خطاب لساكن القصر؟ هل يمكن أن يكون لغياب مشروع سياسي واضح واستراتيجي لمولانا دور في كل هذا التشنّج؟ وهل يكون هذا الشحن الانفعالي والتشنّج الخطابي المتواصل مجرّد وسيلة للتغطية على ضعف المشروع والبرنامج السياسي لمولانا؟ وهل يمكن أن يكون نقص التجربة السياسية لمولانا وراء كل هذا التشنّج الخطابي؟ وكأني بساكن قرطاج يستخدم سيكولوجية الجماهير بخطابه الشاحن لتحقيق غايات لم يكشفها إلى حدّ الساعة، وقد تكون غايات انتخابية سريعة المفعول في قادم الأشهر، لكن هل قرأ حسابا للخسائر التي قد تتكبدها البلاد، فكل الأنظمة التي توخّت خطاب التهديد والوعيد انزلقت إلى الدكتاتورية إذ الخطاب العنيف يحمل دائما في طيّاته طبيعة ارتدادية تؤسس للعنف والعنف المضاد وقد تقود البلاد إلى تفكّك كامل للنسيج المجتمعي…

فهل يدرك مولانا ساكن قرطاج أن خطابه المتشنّج لن يذهب بنا بعيدا ولن يخرجنا مما نحن فيه، وهل يُقدم على تغيير خطابه من خطاب سلبي شاحن ومهيّج إلى خطاب إيجابي وعقلاني جامع ومدروس يوحّد الجميع حول هدف واحد… فالانفعالات كما يقول أفلاطون تقتل السياسة، وتحطم أسس المدينة والدولة… وقد كان أفلاطون حريصا على أن يقوم بنيان الجمهورية على أساس النفس العاقلة، ووضع النفس العاقلة فوق النفس الغاضبة والنفس الشهوانية…وهو بذلك يستبعد سلطة الانفعالات دينية كانت أو غير دينية عن القرار السياسي… فالخطر الأكبر على القرارات السياسية حسب افلاطون هي العواطف الإنسانية…فهل نسعد يا ترى بخطاب يختمه مولانا بطرفة تضحك الجميع…أم نواصل البحث عن قناة أخرى قبل نهاية كل خطاب لمولانا…؟؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 88

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

عبد الكريم قطاطة

وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

التقصي عن أمراض السكري وضغط الدم… وليس عن أعوان التلفزة!

نشرت

في

محمد الزمزاري:

انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.

الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.

طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.

وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.

أكمل القراءة

صن نار