وهْجُ نار

ماذا لو أصبحنا…إخوة الحمير في الرضاعة؟!

نشرت

في

كنت جالسا قبالة التلفاز حين فاجأني قطّ من قططي التي تعيش معنا بالمنزل صارخا باكيا شاهرا لسانه…قلت ما حكايتك؟ فأجاب ألم تسمع؟ ألم يخبروك بما قاله رئيسكم ورئيس البلاد؟ قلت وما دخلكم أنتم الحيوانات في ما يقوله مولانا؟ قال السنا من سكان تونس ألسنا منكم وإن اختلفنا؟ فأنتم من جنس البشر ونحن من جنس الحيوان والمسؤول عنّا وعن كل من يعيش على هذه القطعة من الارض واحد فإن أتى أمرا يسعدكم فسنسعد معكم وإن اتى أمرا يسيئكم فالأكيد انه سيسيئنا مثلكم…ألم يقل عمر الفاروق “لو أن جملا أو شاة أو حملا، هلك بشط الفرات، لخشيت أن يسألني الله عنه “، ألا يكفي هذا الدليل والإثبات ليؤكّد أن رئيسكم هو رئيس الجميع والمسؤول عن حياتنا وما تعنيه…وعن قوتنا…ألسنا جزءا من التوازن البيئي والطبيعي لهذه البلاد؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

ألا تسعدون أنتم بنزول الأمطار…نحن مثلكم نسعد بالأمر…ألا تسعدون حين تنخفض أسعار اللحوم وغيرها من المواد الغذائية؟ نحن نسعد معكم… ألا يأكل أغلبنا ما تتركون وما تضعون في مزابلكم؟ نحن من هذا الشعب وإن لم ننتخب رغم ان القانون الانتخابي لم يستثن الحيوانات من الولوج إلى خلوات مكاتب الاقتراع، فلو كنّا ضمن قائمة المسجلين بقائمات الناخبين لفعلنا…ألم تعلم أن الرئيس أعطى تعليماته بضرورة الضغط على استيراد المواد الكمالية وذكر من جملة ما ذكر من تلك المواد الأكلات الخاصة باللحيوانات الأهلية فهل أصبح أكلنا من المواد الكمالية السنا جزءا من هذا الشعب؟

 نظرت إليه وهو يحاول إخفاء دموعه وقلت لم أسمع صراحة بالأمر، لكن لا تهتمّ فلن نترككم دون أكل ولن تموتون جوعا وأنتم معنا…ابتسم وكأنه ولد من جديد…قال نحن على بينة مما تعانون ومن الوضع الاقتصادي للبلاد لكن ما ذنبنا نحن حتى نحرم من بعض الأكل …ألسنا منكم…ألسنا من هذا الشعب…ألم تقرؤوا يوما مقولة “ويل لشعب تموت قططه جوعا” وقد قالها عالمنا الاجتماعي الشهيد “قطوسينهو غيفارا مياو”…وقد عاش في زمن ابن خلدونكم…الذي به تفاخرون…

قلت لقطّي العزيز اجلس لنتحدّث قليلا عن حالكم وكيف تعيشون في ظلّ هذه الأوضاع التي يعيشها كل العالم وخاصة بلادنا …قال نحن نقتات مما تتركون ونأكل مما في مزابلكم ترمون فإن أكلتم أكلنا…وإن جعتم جعنا…قلت لن تجوعوا وإن جعنا فأنتم من أهلنا ولا تنس نحن شعب واحد رغم الاختلاف في اللغة والطباع وطول الذيل ومكانه…جلس محركا ذيله يمنة ويسرة وكأنه يقول لي شكرا صديقي…ليس لي ذيل لأحرّكه ولا أتقن لغة الاذيال والذيول حتى يدرك ما اريد قوله لكن رَبَتُّ على رقبته ورأسه وابتسمت ففهم ما أريد قوله بتحريك ذيله مرّة أخرى…

قلت أين كنت وأنت مرهق بهذا الشكل؟ قال كنّا في جنازة خالتي التي ماتت مسمومة من أحد سكان الحي وقد أبنتها اختها واعتبرناها شهيدة، خاصة ونحن نتعرّض منذ أكثر من سنة إلى حملات تسميم وشيطنة وتهديد ووعيد وإبادة من أحد سكان حيّنا…وأعترف ان بعضكم لا يريد بنا خيرا…ولا إنسانية له، فنحن الحيوانات أكثر إنسانية منكم…قلت رحمها الله ورزق أهلها وذويها واصهارها ورفاقها من القطط والحمير والبقر والدجاج والكلاب جميل الصبر والسلوان واسكنها فراديس الجنان قرب مسكن جزار وبائع دجاج… سنفتقدها حتما وسنثأر لها من السفاح الذي دسّ لها السمّ في الدسم…

قلت لصديقي القطّ وكنت حاضرا حين ولد، ألم تسمعوا بالانتخابات القادمة؟ قال نعم…وقد قررنا الاجتماع يوميا في جميع الاحياء للنظر في إمكانية المشاركة معكم ترسيخا للديمقراطية التشاركية بين الانسان والحيوان فلا فرق بيننا غير الأرجل والذيل… وقد يكون حالنا أيسر من حالكم فنحن لسنا في حاجة للتعريف بالإمضاء في مقرّات البلدية…يكفي أن نجمع دعم مائة حمار فيقبل ترشحنا…فقانوننا الانتخابي يختلف بعض الشيء عن قانونكم…ومجلسنا النيابي سيكون مكوّنا من الحمير والبغال والكلاب والثعابين ونسبة صغيرة من القطط…وقد اعتمدنا نفس تقسيمكم للدوائر الانتخابية، وقد تكون نتائج هذه السنة مغايرة لما كانت عليه قبل 25 جويلية …

فمجلسنا قبل ذلك التاريخ كان خليطا من الأفاعي والثعابين والبغال وبعض الدجاجات وكتلتين من الثعالب وكتلة من الحمير…وعدد الحمير الذين يرغبون في الترشح هذه السنة كبير وكبير جدا خاصة أن الاقتراع سيكون على الأفراد والحمير تعرف بعضها البعض…وقد لا نستغرب إن أصبح لنا مجلس كل نوابه من الحمير وربما أتان أو أكثر فلا أظنّ أن مبدأ التناصف سيقع اعتماده اختياريا بعد أن حذف من القانون الانتخابي وقد يقع الاختيار على كبير الحمير أو البغال رئيسا للمجلس النيابي القادم على أن يكون مساعده الأول جحش أسود اللون ومساعده الثاني جحش يميل اكثر إلى البياض…وجميل أن تكون لنا اتان بين هذا العدد الهائل من الحمير النواب…لإبعاد الحسد…والعين…

ضحكت وقلت وكيف حال أوضاعكم الاقتصادية؟ قال نحن مثلكم نعاني…فغلاء الأسعار أتعبنا كما أتعبكم وأرهقنا أكثر منكم…فبعضنا يتنقّل من حي لآخر كل يوم بحثا عن قمامة مليئة بالأكل المفيد والجديد…وقد يعود خالي الوفاض في أغلب الأحيان…فسعر الدجاج اصبح مرتفعا شاهقا كناطحات السحاب…فإن لم يقدر عليه سكان الحي فإننا لن نتذوق طعمه لأشهر…كذلك لحم البطّ وكذلك “الصلامي” فارتباطنا وثيق بالإنسان …إن ارتفعت الأسعار نعيش رعب الجوع والخصاصة…وإن تمتّع البشر بزيادة في الأجور فتلك الفرحة الكبرى…فترانا من حي لآخر نأكل ونتمتّع بحياتنا…ونضاجع بعضنا البعض دون ملل ولا كلل لنملأ الأرض نسلا…فنحن القطّط نفكّر كثيرا في مستقبل أجيالنا القادمة مع ارتباطنا الوثيق بتاريخنا ومكتسباتنا التي لا نريد التفريط فيها…فنحن لسنا في قطيعة مع ماضينا…وإن اختلف عن حاضرنا…

أعجبني حديث صديقي القطّ فسألته هل علمتم بمن نجح في الانتخابات التشريعية في إيطاليا؟ قال ضاحكا ومحركا ذيله في كل الاتجاهات…نعم …طبعا علمنا بفوز جورجيا ميلوني زعيمة حزب “إخوة إيطاليا” بالأغلبية …واجتمعنا على عجل للنظر في ما قد سيتغيّر إقليميا في المنطقة خاصة وجاليتنا هناك كبيرة العدد وقد تتأثر بهذا التغيير السياسي المفاجئ…ضحكت ملء شدقي فقطّي متابع جيّد للأحداث ربما أكثر حتى من بعض البشر…واضاف صديقي أتدري أخي الكريم (ضحكت من أخي الكريم، فنحن في الأخير وفي واقع الحال إخوة في الخلق فخالقنا واحد …) أقول وأضاف قائلا أتدري أخي الكريم أن ميلوني هذه جعلت إيطاليا تأخذ منعطفا حادا نحو اليمين وهو ما قد يفتح الباب لعودة الفاشية فميلوني أبدت في الماضي إعجابها بموسوليني علما بأنها أول امرأة رئيسة للوزراء في تاريخ إيطاليا…

والخوف كل الخوف أن تأمر بحملة لطرد العرب وغيرهم من المهاجرين…وقد تكون بلادنا أكبر ضحايا فاشية ميلوني فإن عاد إلينا العشرات من الآلاف الذين يعيشون هناك فإننا لن ننجح في الخروج مما نحن فيه…وقد نتأثر نحن القطط وإخوتنا من الحيوانات الأليفة وغير الاليفة من فاشية ميلوني…فالأسعار سترتفع إلى ما لا نهاية له…وستكثر السرقة …والتوحّش …وقد يكثر عدد المسيئين للحيوانات وقد نصبح عرضة للقتل والطهي على موائد بعضكم إن انتشر الجوع…وقد نضطرّ لدفن بعض إخوتنا يوميا…أعرفت الآن أن حالنا من حالكم فما تعيشونه نعيشه مع فارق بسيط في الأحداث…لكن نفس الأسباب ترهقكم ونفسها تقتلنا…والأمل كبير في الحمير التي ستفوز بمقاعد في مجلس نوابنا الموقّر لتقرر ما قد تراه صالحا لنا وللبلاد وإخوتنا من العباد…

بكى صديقي القطّ تأثرا بما حكيناه وخوفا من مستقبل نسيناه ونظر إلي قائلا…أملنا كبير في من سيمثلنا في المجلس من الحمير، وبمناسبة ذكري للحمير ألا تخجلون من أنفسكم يا معشر البشر وما تفعلونه وما تقولونه وما تنعتون به الحمير وهم نوابنا في الأشهر القادمة…فالحمير وقبل كل شيء سيصبحون نواب مجلسنا الحيواني نحن إخوتكم وحيواناتكم الأليفة وشبه الاليفة ونصف الاليفة… وهم إخوتنا وإن اختلفوا معنا في الشكل…وهم نخبتنا وإن اختلفوا معنا في العقل…وهم أسوتنا وإن قلتم فيهم ما لم يقله مالك في الحمير والبغال وبعض البعير…أليست هي التي حملت ظهورها كل بضائعكم…كل مؤونتكم…كل زرعكم وحصادكم…أليست هي التي “درست” حصادكم من القمح والشعير…لم كل هذا الحقد على الحمير…؟أليس الحمار هو صديق الفقراء والمحرومين…

أليس هو من كان يوصلكم في زمن مضى على ظهره حيث تريدون…ألم يكن يحمل صغاركم وهم رضع…ثم حملهم وهم شيوخ …لماذا تظلمون الحمير وآل الحمير وأبناء الحمير ومن صاهروا الحمير ومن جاوروا الحمير ومن تعلموا على الحمير …حتى البغال لم تسلم من اذيتكم ومن أحقادكم…لماذا أنتم هكذا يا معشر البشر…هل يصحّ عليكم ما قيل ان ثلثيكم شر إن حذفنا حرف الباء…لعلمكم بعض البشر اغبى بكثير من الحمير…وصبركم أنتم البشر لا يصل إلى صبر الحمير…هل سمعتم يوما بحمار قتل صديقه…أو انتحر…أو حرق نفسه…هل سمعتم بحمار التقى بسفير أجنبي…هل سمعتم بحمار عمل مخبرا سريا لدى سفارة اجنبية…هل سمعتم بحمار خان الحمير…هل سمعتم بحمار غدر بشركائه…هل سمعتم بحمار تورّط في تسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتّر…هل سمعتم بحمار ظلم بعض الحمير…هل سمعتم بحمار احتكر العلف فجاع رفاقه…وهل سمعتم بحمار نهق سوءا بجاره…لم ولن تسمعوا…فالحمير هم نخبتنا نحن الحيوانات الأليفة وغير الاليفة…وسيكون مجلسنا النيابي الحيواني أغلبه من الحمير وسيكون كبير الحمير على رأسه…

ستحتاجون الحمير ما حييتم…فسيحملونكم على ظهورهم يوم ينتهي مخزونكم من المحروقات…ويوم لا تقدرون على شرائها…وستشربون حليب الحمير يوم تغلق مصانعكم…وتموت أبقاركم من الجوع…وستصبحون إخوة للحمير من الرضاعة…دامت أخوتكم…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version