يوم السادس من نوفمبر 1987 حضرت اجتماعا مهنيا في اذاعة صفاقس اذاعتي الامّ …وككلّ اجتماع يقع التداول في سير عمل المؤسسة ومشاكلها وطرق تطوير العمل فيها وهاكي الكلمات الرنّانة …. ويغتنم بعض المسؤولين ثغرة زمنيّة و”لا طاح لا دزّوه”يستعرض عضلات لسانه الموبوء ويذكّر بمزايا النظام ورئيسه انذاك (الزعيم بورقيبة ) …وعندما تبحث عن الرابط فيما كنّا نتداوله ..لن تجده ...
هذا الشخص همّه الوحيد ان كان صانعا صُغنّنا ان يصبح عرفا ..بتطبيله وضربه الماسط على بنديره ..واذا كان عرفا وجب عليه وبمناسبة دائما ودون مناسبة ان يستغلّ نهاية الاجتماع ليختمه بمحاضرته المعهودة حول المجاهد الاكبر ..ومكتسبات تونس في عهده و إن كانت مكتسبات تونس في عهده عديدة رغم انف اعدائه حاضرا وماضيا … .واذا ارتكب هذا المسهول الخطيب الخطيئة الكبرى وسها عن ذلك “مشى فيها” … لانّه وفي نفس الاجتماع هنالك قوّادة مهمّتهم ان ينقلوا لأعرافهم (اللي فوق) مثل هذه الزلاّت .. و طمعا هم ايضا في احتلال كرسيّه يوما ما وفي رواية اخرى تكنّى العملية بالحرقان …
في ذلك اليوم 6 نوفمبر 1987 ختم احد المسؤولين الاجتماع بتعلّقه غير المشروط ببورقيبة وكي يعبّر عن هيامه قال .._ الناس وقت يمشيو يحللو الدم عادة ما تكون النتيجة “أ ايجابي” أو “ب سلبي” ، انا لو كان نمشي نحلّل دمي يلقاوه من فصيلة بورقيبي ايجابي … وضحك اغلبنا ..البعض له والبعض عليه … يجيشي لغدوة عمّك السابع من نوفمبر والتحوّل المبارك …يُدعى العديد منا الى اجتماع عاجل .._ الخطب جلل _ ..وعلى الاذاعات ان تقوم بتغيير جذري لبرامجها … شبيكم راهو التحوّل المبارك !
وللامانة المهنية عملية تغيير البرمجة عملية منطقية جدا مع ايّ تحوّل سياسي وفي ايّ زمان ومكان …وفعلا وعلى عجل تمّ تغيير البرمجة ..وفي نهاية ذلك اليوم المضني والمرهق جدا ..كان لابدّ لذلك المسهول ان يلقي كلمة يشكر فيها الجميع على تلبية نداء الواجب تجاه الاذاعة وتجاه تونس ويختم بالقول (ذلك الذي دمه “بورقيبي ايجابي”): يززيه الرئيس السابق ..(حاف لا مجاهد اكبر ولا زعيم) ..يززيه حتى هو شيّط حقو عندو 20 سنة مللي فهم روحو ومشى على روحو تونس برّكها !
هذا المخلوق رحمه الله وغفر له وبعد هالفصيّل متاع المديح الرخيص في الحالتين هل مازلت اصدّقه حتى لو قال لي ان الماء مركّب من الهيدروجين والاوكسجين ؟؟ رغم بديهيّة تركيبة الماء اليس من حقّي ان اقول فيه كذب المنجّم ولو صدق …
قصصت عليكم خرافة حدثت في نهاية الثمانينات … اي مضى عليها 45 سنة ..واليوم هل انقرض هؤلاء الكذابون والمنافقون في مشهدنا السياسي ؟؟ والسؤال الاكثر مباشرتية هل نقص عددهم او تضاعف ؟؟ نسمع الكثيرين منهم يستغبوننا بعذب الكلام وينسون اننا نعرفهم لا فقط مما نعرفه عنهم ماضيا …لانه انذاك يمكن ان نقول عنهم انهم ثابوا وتابوا وعادوا الى رشدهم وعفا الله عمّا سلف …بل نعرفهم من خلال هذه العشرية الاخيرة ـ تصريحات وافعالا ـ فنجدهم كما كانوا بل زادوا حربائية وافتراء وبصاقا على الذقون … ذقون قطعانهم طبعا لا ذقون من يعرف معدنهم القصديري ..
هؤلاء هم اعداؤنا لأنهم اعداء تونس . التي هي تونسنا وليست ولن تكون تونسهم …ما عندناش معاهم لا حرثة لا ورثة ما بيننا وطن … وطن يهمنا ان يخرج من الظلام الى النور ومن الذلّ الى الكرامة ..لأعداء وطني اذكّرهم بمقولة مصطفى السباعي: “عندما يمسك بالقلم جاهل وبالبندقية مجرم وبالسلطة خائن، يتحوّل الوطن الى غابة غير صالحة لحياة البشر ولن نسمح الجهّال والمجرمين والخونة بتحويل الخضراء الى غابة قاحلة” …
لنفس اولائك الذين نعرفهم وجدّا … هذا بونيس اخر بإمضاء شي غيفارا: “إنّ الحياة كلمة وموقف .. الجبناء لا يكتبون التاريخ ..التاريخ يكتبه من عشق الوطن وقاد ثورة الحق و أحبّ الفقراء …