هل نحن حقّا أمام مواجهة بين من يحبّ قيس ومن لا يحبه؟ أم نحن أمام مواجهة بين من هم ضدّ النهضة والإسلام السياسي وبين من يتعاطف مع النهضة ومن لا يريد قيس وأفكار قيس؟ فلو وقفنا وقفة عقلانية لنعدّد ونُحصي ونسجّل ما قام به قيس لهذا الشعب هل نجد حقيقة شيئا يُذكر؟
لا…لا شيء يذكر في كل ما قام به قيس سعيد ولا شيء يذكر في إمكانية تحقيقه لوعوده التي أصبحت قائمتها بطول السواحل التونسية…فماذا فعل قيس حقّا ليحبه ويبايعه بعض هذا الشعب؟ هل أعاد الأمل حقّا لمن يعانون في هذه البلاد؟ هل أوجد حلولا لمشكلات البلاد؟ هل خرج علينا بحلّ لديوننا الخارجية؟ هل أوجد مئات الآلاف من مواطن الشغل للعاطلين عن العمل من أبنائنا؟ هل أخرج خزينتنا من العجز الذي تعيشه منذ دخول التتار والمغول والوندال أرضنا؟ هل صالح بين أفراد هذا الشعب؟ هل أعاد حقا لمظلوم؟ هل جاء ببرنامج لإصلاح التعليم؟ هل وسع علاقاتنا الدولية مع أجوارنا وأشقائنا العرب حتى نستفيد من ذلك لنخرج مما نحن فيه؟ هل أوقف نزيف الحرقة؟ هل نجح في جلب الاستثمارات لبلادنا؟ هل اختار الكفاءات لأعلى مناصب الدولة؟ هل…وهل…وهل…
وفي المقابل في ماذا نجح يا ترى؟ رئيسنا لا يجيد غير الصراخ والتهديد والوعيد…فهو لم يصمت يوما عن توزيع التهم يمنة ويسرة…فنصف نواب المجلس متهمون بالفساد ولما انقلب قيس واستحوذ على حكم البلاد لم نر غير من لهم بعض القضايا التي لا علاقة لها بالفساد يدخلون السجن…رئيسنا يتقن خلق الأعداء ومضاعفة عدد الخصوم فكل يوم يخرج علينا بقصّة جديدة وزيارة غريبة يصنع بها عدوا جديدا…رئيسنا لا يثق بأحد فمنذ أكثر من شهرين وهو يبحث عمن يُجلسه على كرسي القصبة وزيرا أكبر مطيعا لأوامره ورهن إشارته فلم يجد لأنه لا يثق بأحد، ولأنهم يخافون مما قد يفاجئهم به…إذن ففي ماذا نجح قيس سعيد حتى يحبّه ويصرخ باسمه مئات الآلاف هكذا دون مقابل؟ قيس سعيد لم ينجح في أي عمل صالح لهذه البلاد غير إشعال فتيل الفتنة والأحقاد…كيف ذلك…؟ رئيسنا لم يقم بدراسة ما يريده الشعب من استثمارات ومن وسائل ترفيه ومن مشاريع اقتصادية وصناعية لتوفير مواطن شغل لمئات الآلاف من العاطلين…ولم يقم بدراسة ما يمكن أن يستفيد منه الشعب من أفكار ودراسات اقتصادية حديثة قيّمة تلحقنا بصفوف الدول المتقدّمة…كما لم يختر حوله كفاءات قادرة على إيجاد كل الحلول المناسبة لتخرج البلاد مما هي فيه…رئيسنا لم يبادر بحوار وطني يجمع فيه كل الفرقاء من أجل عهدة سياسية خالية من العراقيل ومن المطلبية…
رئيسنا لم يكلف نفسه عناء الالتقاء بالمكتب التنفيذي لاتحاد الشغل وبقية النقابات من أجل إيجاد حلول لما يقع في البلاد ومن أجل اقتراح هدنة اجتماعية شاملة حتى الخروج من الأزمة…رئيسنا لم يقم بعمل واحد ينفع الناس…رئيسنا بحث فقط عن كيف يستحوذ على كل السلط في البلاد …فما نحن فيه اليوم يأخذنا إلى خلاصة واحدة وهي أن رئيسنا أجرى دراسة عن كل الأحزاب وعن كل قواعدهم وعن كل خلافاتهم…فالرجل يعلم جيدا حجم الكره وتعاظمه يوميا من أكثر من ثلثي الشعب لحركة النهضة…ويعلم أيضا كره أغلب الشعب التونسي لنواب مجلس باردو بسبب الفوضى التي أصبحت خبز مجلس باردو اليومي…كما يعلم قيس سعيد أن الدستوري الحر نجح من خلال إعلانه الحرب على النهضة في جمع أغلبية افتراضية حوله قد تصبح أغلبية فعليه مع أول موعد انتخابي…قيس سعيد يعلم كل هذا…ويدرك أن النهضة لم تنجح في البقاء في السلطة لمدّة فاقت العشر سنوات دون أن تخطط لتفتيت المشهد الحزبي … فماذا فعل يا ترى؟
لا شيء يُذكر غير إعلان الحرب على النهضة ليكسب تعاطف كل من يكرهونها حتى أولئك الذين جمعتهم عبير ومن معها بعرق جبينهم وصراخهم ومثابرتهم…كما أغلق باب مجلس باردو ليكسب تعاطف ومبايعة كل من أصابه الغثيان من مجلس باردو…وأقال المشيشي الذي فشل في كل ما فعله وأغرق البلاد في وحل الأزمة الاقتصادية الخانقة رغم أنه من اختاره لذلك الكرسي فبايعه كل من كانوا ضدّ المشيشي ومن معه حتى عبدكم الضعيف لكن مع فارق في توقيت الاستفاقة…ثم ماذا فعل؟ أعلن عن وضع البعض تحت الإقامة الجبرية ليرسل بذلك رسالة إلى كل الأحزاب ومكونات المشهد السياسي أنه أعلن الحرب على الجميع، وليدخل الشكّ في صفوف أغلب مكونات المشهد وبذلك قد ينجح في تفتيت المشهد وتقسيمه …وهو ما نجح فيه أيضا…لكن هل يمكن أن ينجح قيس في الإبقاء على كل هذا الدعم والمساندة دون أن يفعل شيئا ينفع الناس؟ لا أظنّ بل أجزم أن اللعبة قد تنتهي في قادم الأسابيع فمن يزرع الأعداء يحصد سهامهم …وقيس لم يزرع قمحا ولا شعيرا بل زرع فتنة وحقدا…
فحتى خمرة “كره النهضة” التي أسكرت ملايين العقول سينتهي مفعولها حين يجوع أصحابها ويدركون أنهم وقعوا في الفخّ…وقد تستفيق بعض الأحزاب من غفوتها وتكتشف أنها وقعت في فخّ قيس سعيد الذي حوّل الجميع إلى دُمى يحركها كيف يريد متى يريد…فهل يدرك قيس أن الدول لا تقاد بالأحقاد…وأن الفتنة لا تجلس طويلا على الكراسي….