لقد طال أمد الشدة على الجار الليبي بسبب تضافر عدد كبير من العوامل الداخلية و أيضا الخارجية التي تحرك أخطبوط اللعبة الجيوسياسية و مراحل المواجهات البارزة للعيان.
هذه المواجهات تعرت كاملة مع الحرب الروسية الاوكرانية والصراع الذي تضاعف بسبب تدخل الناتو تحت الأوامر الأمريكية الجانحة بكل القوى إلى استثمار الحرب لاهداف استراتيجية كاملة او جزئية منها:
__ منع الروس من إخماد بؤرة الناتو المهددة لامن دولتهم العظمى
__ معاقبة و شل الاقتصاد الروسي عبر المقاطعة
__ استنزاف خزان أسلحة و عتاد قوات روسيا العسكرية لاضعافها.
أما على المستوى العسكري البحت فإن الولايات المتحدة وعرباتها المجرورة لا يهمها دمار اوكرانيا او زوالها من الخارطة قدر اهتمامها بتحليل انواع أسلحة الروس وايضا مدى صلاحيتها و جاهزيتها، ولعل اهم عنصر في الهدف من هذه الحرب هو فسح الطريق المعطل (روسيا) قبل الالتفات إلى العدو اللدود دولة الصين.
ذكرنا هذه العوامل لنشير إلى أن هذه الحرب المهمة جدا قد أثرت على البلدان الأفريقية البعيدة ولو بنسب متفاوتة ولم يسلم من هذه المؤثرات من يملك او من لا يملك اليورانيوم او الغاز و غيرهما من الموارد. طالت هذه الصراعات الجيوسياسية بلدا كليبيا باعتبار موقعها و ثرواتها الهامة فزحفت العقلية الاستعمارية التركية قبيل الحرب المذكورة لوضع موطىء قدم مسنود من فيالق الجهات الاخوانية التي يمثلها مع غيرها الدبيبة ..حيث نجحت في عقد اتفاقيات هامة معه اقتصادية و استخبراتية و ربما عسكرية ..في مواجهة تدخلات أخرى تنتصب في اولها المخابرات الفرنسية التي اغتالت معمر القذافي.
كما تواجدت الجهات الروسية الداعمة لحفتر و الانكليزية و الاماراتية و القطرية فأصبح الزخم مجتمعا على فريسة البلاد الليبية لنهشها وأصبح الناس هناك يأسفون على زمن القذافي ولؤم الأطراف التي اوصلتهم إلى هذه الأوضاع البائسة. كما لم يكن دور بلدنا تونس براغماتيا او في مستوى الانتظارات، حيث مر بمرحلة التقرّب المطلق من الفصائل الاخوانية بليبيا وحتى مع الجماعات المتطرفة (طوال تولي المنظومة النهضوية الحكم) بل حتى الانبطاح لمنظومة الدبيبة الذي بالغ في الإساءة إلى اقتصادنا عبر توسيع اتفاقياته مع تركيا على حساب تونس…
ان المحلل السياسي للاوضاع الحالية بليبيا يلاحظ أن الانتخابات في ما يتعلق برسم ركائز الامن و تسيير البلاد ستاخذ منحى جديدا ضد الدبيبة الذي تحتضنه بعض القبائل والمدن المحيطة بطرابلس وذلك اثر اللقاء الصاعقة الذي قامت به وزيرة خارجيته مع ممثل الدولة الصهيونية بروما بتنسيق من ايطاليا …وغبي من يعتقد بان وزيرة نجلاء المنقوش عقدت هذا اللقاء دون اذن الدبيبة ! ولا مفاجاة في هذا فالنزعة الاخوانية تعد الاقرب الى الصهيونية حتى اكثر من بعض اليساريين اليهود باسرائيل …
منذ هذا اللقاء تظاهرت أعداد من الليبيين معبرة عن غضبها ووصل الوضع حتى الى اكتساح مسكن الدبيبية نفسه.
هل ستعمل القوى الخارجية (تركيا، امريكا، الكيان الغاصب وفرنسا خاصة) على مزيد صب الزيت على النار لاطالة نزاع طويل قد يفضي الى طرد صديقها الدبيبة الآيل لالسقوط ؟؟ كيف سيتحرك الروس بعد ان برزت اشارات اضافية من الشارع ( شعبيا على الاقل ) بطرد المستعمر الفرنسي؟ ..
إن على السلطات التونسية التعامل بيقظة مع الوضع الليبي وعدم تكرار الأخطاء السابقة، دون إغفال العلاقات التاريخية بين البلدين وحسن توظيف ذلك للمصالح المشتركة.