لمْسُ نار
متى يتوقّف التغفيص؟؟
نشرت
قبل 3 سنواتفي
من قبل
عبير عميش Abir Amichتعيش تونس منذ أكثر من 3 أشهر على وقع تطوّرات سياسية و تجاذبات بين أطراف مختلفة زادها الوضع الاقتصادي المتأزم خطورة …
و بدل أن نبحث عن حلول سريعة تخرجنا من المأزق و تبعث الأمل في المواطنين، فإننا نسير في خيار مختلف و لا يبدو حل الإشكاليات اليومية أولوية لدى السلطة الحاكمة و خاصة لدى رئيس الجمهورية … فأزمة النفايات في صفاقس تراوح مكانها منذ قرابة الشهرين و لم يبحث لها عن حلّ جذري و لم يفكّر حتى في تعيين وال على المدينة منذ قرار إعفاء الوالي السابق في شهر أوت الماضي . و ضعف السيولة في البلاد وفقدان بعض المواد الأساسيّة لا يحتاج منه ـ على ما يبدو ـ إلى بحث عن حلول اقتصاديّة قصيرة الأمد … فكل ما يشغله هو التمكين لمشروعه السياسي و تحضير الأرضية للانطلاق في تنفيذه على أرض الواقع
و الحكومة رغم أننا لا نعرف عنها شيئا و رغم اعتمادها نفس السياسة الاتصالية لرئاسة الجمهورية التي يغيب فيها الحوار و الشفافيّة فلم نشاهد أعضاءها و حتى رئيستها إلا مطأطئي الرؤوس مستمعين للرئيس و هو يلقي عليهم خطبه الأسبوعيّة في المجالس الوزاريّة ، إلا ان الواقع يؤكد أنها تعيش أزمة حكم و تعاني تبعات تركة ثقيلة ورثتها عن الحكومات المتعاقبة، و أزمة اقتصادية غير مسبوقة بسبب فقدان الموارد الخارجية و إغلاق المؤسسات الدولية الأبواب في وجهها … ومازلنا إلى اليوم لا نعرف كيف ستتم تعبئة الموارد لإكمال ميزانية 2021 التي تشكو نقصا بحوالي 9.7 مليار دينار و لا ما هي ملامح ميزانية 2022 خاصة بعد الخطاب القصووي لرئيس الجمهورية و استعدائه لكل الأطراف داخليا و خارجيا ، و مع تنامي البطالة و بلوغها نسبة 18.4% و هي نسبة قياسية لم تبلغها تونس قطّ حيث تجاوز عدد العاطلين عن العمل 740 ألف عاطلا …
في هذه الظروف يأتي اجتماع الحكومة مع اتحاد الشغل في بداية الأسبوع و يأتي كذلك خطابان متتاليان لرئيس الجمهوريّة يومي الخميس و الجمعة
أمّا عن لقاء الاتحاد بالحكومة الذي أسال الكثير من الحبر و استدعى الكثير من التساؤلات قبل انعقاده، حيث أنّ الجميع كان ينتظر مآلات اللقاء لما فيها من انعكاس على جوانب حياة التوانسة، و كان الخوف من أن لا يلتقي الطرفان على رؤية واحدة فتتعمّق الأزمة في البلاد. و لكن التصريحات كذّبت التخوّفات حين خرج الجميع باسمين هاشين، ليطمْئنوا الشعب على الالتقاء حول وجهات النظر و الاتفاق على حل كل المشاكل و الشروع في إصلاح قطاعات هامة كالتعليم و الصحّة و النقل و غيرها… بل أكثر من ذلك، إذ وقع التأكيد على تفعيل الاتفاقيات السابقة و على التنسيق للتفاوض حول الزيادات في الأجور. و بقي الملاحظون يتابعون الأمر “مزبهلّين” ! فمن أين ستأتي الحكومة بالأموال اللازمة لذلك و كيف ستستطيع التوفيق بين طلبات الاتحاد من جهة و شروط صندوق النّقد الدّولي للعودة إلى المفاوضات من جهة أخرى … كيف تقدّم الحكومة وعودا كتلك ؟ و أيّ فخّ وقعت فيه ؟ و بأيّ عقل تفكّر الدّولة إن لم يكن عقل “التغفيص” ؟
من جهة، حكومة تعِد الاتحاد يوم الاثنين بتحقيق بعض مطالب الشغالين. و من جهة أخرى، رئيس الجمهوريّة يقول للشعب يوم الجمعة بأنّه لن يفعّل القانون عدد 38 الخاص بتشغيل أصحاب الشهائد العليا ممّن طالت بطالتهم و يعتبر، كما صدر في بيان الرئاسة، أنّه “وُضع في أوت 2020 كأداة للحكم و احتواء الغضب و بيع الأوهام و ليس للتنفيذ” . و لكنّ السؤال البديهي الذي أهمل قيس سعيّد الإجابة عنه هو : لماذا صادقت على القانون و أمضيته في الآجال القانونيّة و أصدرته في الرّائد الرّسمي إذا كنت تعتبره بيعا للأوهام ؟ لماذا لم تكن لك حينها شجاعة الاعتراض عليه و شرح وجهة نظرك للمواطنين ؟ أم أنك أيضا – مثل الآخرين الذين تتهمهم دوما – كنت تريد من خلاله نصب فخّ للحكومات التي تعيّن رؤساءها ثمّ تعاديهم ؟؟
و لكم أن تتخيلوا ما أثاره هذا التصريح من غضب في صفوف الشباب المساند للرئيس و الذي كان يرى فيه الأمل للخروج من شبح الفقر و العطالة، فسقطت آماله و أحلامه في وحل السياسة و الحسابات الشعبويّة.
أمّا عن خطاب يوم الخميس و بخلاف الاسطوانة المعهودة من الحديث عن تطهير القضاء و رغبة الشعب في تطهير القضاء فإنّ الدقائق الأخيرة منه كشفت عن رغبة الرئيس و تصوّراته السياسية و الاقتصادّية و هي تصورات متلازمة أساسها الانطلاق من القاعدي و المحلّي
فهو يبحث عن تجسيد قانون الصلح الجزائي الذي لطالما تحدّث عنه منذ سنة 2013 والذي يقتضي أن يموّل أكبر الفاسدين أفقر المعتمديّات لينشئ فيها المشروع الذي يجسّد إرادة سكانها و هكذا دواليك حتى يتبنّى كل الفاسدين كل المعتمديّات الفقيرة … و لكنّ ما لا نعرفه إلى اليوم هو هل أصدر القضاء حكما بشأن هؤلاء اللصوص و الفاسدين حتى يفرض عليهم الصّلح الجزائي، خاصة أنّ الرئيس يتحدّث عن قائمة قديمة لما قبل 2011 و عن قائمة جديدة من الفاسدين في عشرية “الثورة” تجاوز عددهم عدد الفاسدين السابقين ؟ فمن هم هؤلاء الذين يتحدّث عنهم و كيف و متى ستقع محاسبتهم و هل مازال لدى الشعب صبر للانتظار؟ و كيف سيقع التوافق على ما يريده شعب كلّ معتمديّة ؟ فلنفرض مثلا أن سكان كل معتمديّة يرغبون في إنشاء مستشفى جهوي أو جامعي في منطقتهم ، فهل سنجد مثلا أربعة مستشفيات متجاورة في ولاية واحدة تطبيقا لشعار الشعب يريد ؟؟
أ لم تتضح للرئيس بعد عبثيّة هذا الشعار من خلال ما تعيشه ولاية صفاقس؟ ففي صفاقس المدينة ، الشعب يريد رفع النفايات التي تراكمت منذ 55 يوما. و في عقارب، الشعب يريد إغلاق المصب الذي تجاوز عمره الافتراضي بسنوات عديدة . أمّا في المحرس، فإنّ الشعب لا يريد احتضان مؤسسة لرسكلة النفايات و تثمينها في منطقتهم وهو نفس الأمر بالنسبة إلى سكان منطقة الزوايد من طريق قرمدة كم 40 . فأية إرادة ستتحقق ؟؟
و بالتماهي مع ذلك فيسيعمل على إصدار مرسوم لإنشاء شركات أهليّة لكل فرد فيها سهم واحد .. فماذا ستنتج هذه الشركات؟ و من سيموّلها؟ ومن سيديرها؟ ألا تذكرنا هذه الشركات بفكرة التعاضد التي جرّبت زمن بورقيبة و فشل بن صالح في إرسائها؟
فأين المستشارون الاقتصاديون لرئيس الجمهوريّة؟ ماذا يفعلون؟ لماذا خطورة الوضع الاقتصادي و خطورة هذه الأفكار التي تضعف السلطة المركزيّة و تتسبب في تفتيت الدّولة؟ أين ذهبت كفاءات البلاد؟ لماذا لا يقع الاتصال بها لإيجاد حلول عمليّة و واقعية و خاصّة سريعة للخروج من النفق و الابتعاد عن خطر الإفلاس ؟؟
إن بلدا يعاني أهله اختناقا اقتصاديّا لا يمكن أن يفكر في مشاكل أخرى. فالمواطن يهمه قوته و قوت عياله، يهمّه جيبه المثقوب الذي يعاني من تبعات الافلاس و التضخّم، يهمّه النّجاح في رفع الفضلات و لا يعنيه النظام السياسي و لا النظام الانتخابي … لكنّ للرئيس رأيا آخر فهو يبحث عن إرساء نظام سياسي جديد يعدّ له عبر استفتاء الكتروني على القياس، و سيصدر عن قريب مرسوما لتنفيذه فمن أخبره بأنّ ذلك هو ما يريده الشعب فعلا؟ متى يستمع الرئيس إلى هواجس أبناء الشعب الحقيقية و ينزل من عليائه و برجه العاجي و يلتفت إلى المشاكل الفعليّة و يبحث لها عن حلول واقعيّة؟ إلى متى و هو يتهم الآخرين بالفساد و التآمر و التنكيل بالشعب و سرقته؟ ماذا فعل طيلة أربعة أشهر انفرد فيها بالحكم؟ هل استرجعنا مليما واحدا من مئات المليارات الموعودة؟ هل تقدّم و لو شخص “فاسد” واحد لإرجاع المال وتشييد المستشفيات والمدارس في الجهات المحرومة؟ هل اشتغل عاطل واحد؟ هل أُنجز مشروع واحد؟ هل عُبّد طريق واحد؟ هل شعر المواطن بتحسّن في قدرته الشرائيّة؟
متى نحكّم العقل و نكفّ عن التغفيص؟
تصفح أيضا
تمّ منذ يومين تسريب وثيقة سرّية تتضمّن أسماء 25 شخصيّة بين سياسيين و أمنيين و مسؤولين سابقين و حاليين و إعلاميين و فنّانين و شخصيّات عامّة بتهم التآمر على أمن الدّولة و تكوين و فاق إجرامي و ربط اتصالات مع أجانب للإضرار بالبلاد و التّدليس و مسك مدلّس …
هذه تهم ـ إن صحّت ـ كفيلة بأن ترسل مقترفيها وراء الشّمس. لكنّ التهمة التي شدّت انتباهي أكثر من غيرها هي “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدّولة” (و هي تهمة قديمة لم يستحدثها نظام 25 جويلية لكنّه كثيرا ما لجأ إليها في الفترة الأخيرة لمحاكمة خصومه رغم ادّعائه القطع مع الماضي و ابتكار مقاربات جديدة) و لكنّي كلّما قرأت هذه التهمة أخذت أتساءل عن شكل الأمر الموحش ضدّ رئيس الدّولة ؟ و ما الفرق بين رئيس الدّولة و باقي المواطنين فما هو إلا موظّف يسيّر دواليب الدّولة لخدمتهم ؟ و أخذت أتساءل أكثر عن معنى الأمر الموحش ؟
أ ليس تكبيل الأجيال القادمة بالديون و الاتفاق مع صندوق النّقد الدّولي على ترفيع الأسعار و رفع الدّعم دون تعديل في الأجور أمرا موحشا ضدّ فئات كبيرة من الشّعب التّونسي و استهدافا لقدراتهم الشّرائيّة ؟
أ ليس قتل الأمل في نفوس أجيال من الشّباب و دفعهم إلى الهجرة بكلّ الوسائل المشروعة و غير المشروعة أمرا موحشا ضدّ الشّعب و ضدّ مستقبل البلد ؟
أ ليس غياب المواد الأساسية و الاضطرار إلى ملاحقتها و اللهث وراءها أمرا موحشا في حق الشعب و ضد؟ كرامته و إنسانية؟
أ ليس وضع مستشفياتنا العموميّة و تدهور الخدمات الصّحّية أمرا موحشا في حق المرضى و استهزاء بحقهم في الصحة و الحياة ؟
أ ليس فقدان الأدوية الحياتية و طول فترات انتظار المرضى للحصول على أدويتهم الحياتية أمرا موحشا في حق الشعب و استنزافا لجهده و صحته ؟
أ ليست صفقات اللوالب الفاسدة و البنج المنتهي الصلوحية و أطفال الكرذونة و غياب لقاحات الكوفيد في ذروة الأزمة أمرا موحشا في حق هذا الشعب و تدميرا لكل جميل في الوطن ؟
أ ليست حالة طرقاتنا الكارثية و اهتراء وسائل نقلنا العمومي و اضطراب توقيت سفرات الحافلات و المتروات و القطارات و حتى البواخر و الطائرات أمرا موحشا في حق الشعب و حق ضيوف البلد؟
أ ليس تأخر ترتيب جامعاتنا و ضعف تصنيف بلادنا و تدهور منظومتنا التربوية أمرا موحشا في حق الشعب و مستقبل أبناء الشعب ؟
أ ليس قطع المياه لأيام طويلة في عزّ الصيف عن جهات بعينها أمرا موحشا في حق الشعب ؟
أ ليس انتشار القمامة و غياب الحلول الجذرية للنفايات في صفاقس و برج شاكير و غيرها أمرا موحشا في حق الشعب و تهديدا لصحّته و سلامته و سلامة بيئته ؟
أ ليس أمرا موحشا أن لا يعرف أهالي الحرّاقة مصير أبنائهم و لا مكان دفن جثثهم و أن تقابل احتجاجاتهم بالغازات المسيلة للدّموع و بالرّدع الأمني العنيف ؟
أ ليس التلاعب بقائمة لاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم و التكمبين و تغليب مصلحة بعض السماسرة و الجمعيات و الجهات و فساد الجامعة و ضعف المدرّب أمرا موحشا في حق هذا الشعب و حرمانا له من لحظة فرحة و اعتزاز طال انتظارها ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن يقوده إعلاميون مأجورون و كرونيكورات تافهون و أن تؤثث لياليه و صباحاته ببلاتوهات الدّجل و الشعوذة و البحث عن الإثارة و البوز؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ هذا الشعب ترشّح البعض لعضوية مجلس النواب الجديد ؟ أ ليس أمرا موجعا الاستماع إلى بعضهم و التفكير في ما “يبشّرون” به من تشليك للبرلمان القادم ؟
أ ليست بعض الخطابات و ما فيها من تحقير لفئات من الشعب أو من اتهامات و تخوين و توعّد و تهديد فعلا موحشا ضدّ هذا الشعب و أمرا موتّرا للأوضاع و مسمّما لأجواء الوطن ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب، جزء كبير من الشعب أن تتلاعب البنوك بموارده فيثري أصحابها على حسابه ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن تتحكم المافيات و بعض العائلات النافذة بقوته و بمصيره و أن تفرض عليه قوانينها و تستغله لمزيد الإثراء و نفخ حساباتها
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن يرى أبناء المسؤولين يصولون و يجولون فيحطمون سيارات الدّولة أو يتنقلون بين بلدان العالم و يستمتعون بأموال الشعب دون حسيب أو رقيب ؟
أ ليس أمرا موحشا أن يرى الشّعب أنّ من ساهموا في تدميره أحرارا طلقاء يطلعون عليه عبر بلاتوهات الإعلام مواصلين السخرية منه ؟ أو يجولون بين عواصم العالم و يتمتّعون بخيراته فيما يبقى هو هنا يعاني الويلات ؟
أ ليس تعيين مسؤولين من أصحاب الولاء و ولاة ضعفاء و وزراء غير أكفاء أمرا موحشا ضدّ الشعب و استسهالا للحكم و تقزيما للنّخب ؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ الشّعب أن تُسلَب منه أحلامه وطموحاته و أن يفقد في 12 سنة ثقته في ما حصل و أمله في التغيير الإيجابيّ ؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ الشّعب أن يجد أغلب الشعب نفسه وحيدا في مواجهة منظومة تفرمه فرما و نظام يسحقه سحقا ؟
و كم من أمر موحش تمّ و يتمّ ضدّ هذا الشعب فإلى من يشتكي و إلى من يلجأ؟
فلا محكمة دستورية لتنصفه و لا محكمة إدارية قادرة على إنفاذ قراراتها و لا مجتمع مدنيّ قادر على تمثيله و لا صاحب عصمة آبِه له و لهمومه ؟
يقول الخبر : “رئيس الجمهورية يصادق على قرض جديد من البنك الأوروبي بقيمة 150 مليون يورو لدعم الصمود الغذائي”
قرض الصمود الغذائي .. يا لها من شقشقة لغوية و عبارة تتواءم مع الشعارات الرنانة و الكلمات الفخمة و الفذلكات اللغوية التي مافتئت تتواتر في خطابات الرئيس و بياناته و التي تذكرنا خاصّة بفترة الستينات وبشعارات القومية و الوحدة العربية و الأفكار الطوباوية و الخطابات النّاريّة التي لم تصحبها قدرات فعلية و لم ترافقها استعدادات واقعية، فلم تعد على أصحابها و بلدانهم و سائر الأمة العربية إلا بالوبال و الهزائم و الخيبات والانتكاسات ..
ألم يؤكد الرئيس مرارا أنّ الأزمة داخلية و ذاتية و مردها الاحتكار و سوء التحكم في مسالك التوزيع و “وضع العصا في العجلة” و العمل على تعطيل الحكومة من أطراف يعلمها الجميع على حدّ تعبيره؟
ألم يؤكّد في عديد المناسبات أنّ خزائن الدولة تفيض بالأموال و لكن انعدام العدل و سوء توزيعها هو العائق؟
فلماذا الالتجاء إلى القرض الخارجي لتمويل استيراد الحبوب أساسا ؟ أليس هذا اعترافا ضمنيّا بخطأ تفسيرات الرئيس و اتهاماته؟ أليس اعترافا ضمنيّا بعدم توفّر السيولة الكافية من العملة الصعبة لتأمين حاجياتنا من الأسواق العالميّة؟
كم قرض (داخليّ و خارجيّ) أمضى الرئيس على مراسيم الحصول عليه منذ انفراده بالسلطة ؟
و هل يأتي يوم نحصل فيه على قرض الصمود الطاقي حتى لا تتعطل مصانعنا و مؤسساتنا وعرباتنا ومولّدات الطاقة لدينا؟
و هل يأتي يوم نحصل فيه على قرض الصمود الدوائي بعد أن صار عدد كبير من الأدوية الحياتية مفقودا من الصيدليات ،و عجز المواطنون عن توفير أدوية لأمراض خطيرة و أمراض مزمنة و علاجات للمسنين الذين خدموا الدولة طيلة عقود، و ساهموا في صناديق الحيطة الاجتماعية على أمل الحصول على تقاعد مريح، فوجدوا أنفسهم يتمنون الموت مائة مرة في اليوم و يعيشون تقاعدا كريها قاتلا يستنزف كل ما بقي لديهم من جهد و طاقة، في طوابير الانتظار أمام مراكز البريد و مقرات ” الكنام ” و مستشفيات الضمان الاجتماعي …
مسؤولون من الحكومة و من البنك المركزي سيتوجهون بعد حوالي أسبوع إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لمواصلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد أقترح على الرئيس أن يطلق عليه تسمية ” قرض الصمود الحكومي ” أو ” قرض الإنقاذ الإخشيدي ” فهو الأمل الذي مازالت تعيش به هذه الحكومة و الرئيس من ورائها ، قبل أن يثور الشعب من جديد و هو يرى كل يوم مواد رئيسية تختفي من الأسواق و يرى قدرته تنهار و أحلامه تتلاشى …
و لكن لا أحد فكّر في أن يُطلِع هذا الشعب – الذي يريد و يعرف ما يريد – على فحوى المفاوضات و بنود الاتفاق و خاصة مدى تأثيره – إن حصل – على حياتنا و معيشتنا و قدرتنا الشرائية مثلما لم يطلعنا أحد على بنود اتفاق قرض الصمود الغذائي و شروطه و نسبة الفوائد فيه و مدّة سداده ..
أين الشفافية و الوضوح ؟؟ لماذا تواصل هذه الحكومة (كالحكومات التي سبقتها) معاملتنا كرعايا لا كمواطنين ؟
و لماذا نتحدث عن قرض للصمود الغذائي بدل أن نتحدّث عن العمل لتحقيق الصمود الغذائي، و بدل أن نتحدّث عن زرع المساحات المهجورة لتحقيق الصمود الغذائي، و بدل أن نبادر إلى تغيير نوع الزراعات و إلى حسن الّتصرّف في الموارد المائية لتحقيق الصمود الغذائي
لماذا لا يبادر الرئيس إلى إصدار قوانين جديدة و هو يحكمنا بالمراسيم منذ أكثر من سنة تضمن النماء والتطوّر الاقتصاديين؟ لماذا لا يستعين بلجنة تضمّ خبراء من الشبان ذوي النّظرة المجدّدة و التفكير البديل ورجالا ممن خدموا الدّولة في سابق الفترات و حققوا إنجازات مازلنا نعتمد بعضها كمرجعيات إلى اليوم، بدل الترويج لحلول شعبويّة ليس لها من فائدة غير إثارة حقد السكّان على بعضهم البعض و لا يمكن أن تمثل حلولا حقيقية لوضعنا الاقتصادي فما نسبة العطور و مواد التجميل و أطعمة الحيوانات المستوردة التي يقترح التوقف عن استيرادها من مجموع وارداتنا ؟ إنها لا تبلغ نسبة 1% من إجمالي الواردات …
و إن كنّا لا ننكر أهميّة الحلّ الحمائي في كلّ المجالات للحفاظ على العملة الصعبة و مراعاة ظروف البلاد وحماية المؤسسات التونسية، فإنّ حلولا أخرى ممكنة هي أكثر جدوى و فاعليّة و لكنّها تحتاج شجاعة القرار والتنفيذ و كان بوسع الرئيس تطبيقها بما لديه من سلطات مطلقة تحت ظلّ حالة الاستثناء التي نعيشها، فبدل البحث عن الأموال المنهوبة في الخارج و هو ملف شائك يتطلب حله سنوات طويلة .. و بدل التركيز على الصلح الجزائي و هو ملف استهلكته الحكومات السابقة و لم يعد تلك الدّجاجة التي تبيض ذهبا، لماذا لا يبحث الرئيس عن تغيير نمط الاقتصاد و فتح الأبواب في كلّ المجالات أمام المستثمرين الجدد؟ لماذا تبقى مجالات بعينها حكرا على عائلات و شركات دون سواها و لا يمكن لأي مستثمر جديد أن يفكّر مجرّد تفكير في اقتحامها أو الاقتراب منها ؟ لماذا تبقى الرّخص حكرا على أسماء بعينها و كراسات الشروط لا تتواءم بنودها إلا مع أسماء بعينها؟
إنّ أي تطوّر أو إصلاح للاقتصاد التوّنسي لا يمكن أن يتمّ دون محاربة هذه “الكارتيلات” التي تسيطر على مجالات بعينها ودون تغيير للقوانين التي وضعت على مقاسها لتجعلها دوما المتحكّم الوحيد في الأسواق
فهل يفعلها الرئيس و يغيّر قواعد اللعبة الاقتصادية بجرّة قلم أو بجرّة مرسوم مثلما فعل مع قوانين اللعبة السياسية و الانتخابية ؟؟
” – يا محمّد ، يا محمّد قال لك الشّيخ إيجا صحح لي على التّزكية و جيب أولاد عمّك معاك راني معمّل عليكم و تفاهمت مع رئيس البلديّة باش غدوة يخصص لنا عون على ذمّتنا.
– و الله سبقك الحاج عندو نهارين حكى معاي و مادام قصدني ما انّجمش نقلو لا ، ماك تعرف مزاياه مغرّقتنا عايلة كاملة
– كيفاش عاد !، باش تنكر في عرشك و ماشي مع الحاج ؟ دبّر راسك مع الشيخ تعرف قدّاش غشو صعيب ! … باهي يا صالح شوف لنا جماعتك خلي يجيوا يصححولنا ها الورقة باش نبداو الحملة متاعنا ، ماعادش عندنا وقت ..
– جماعتي !! تحكي بجدّك ؟؟ ماهو في بالك ، أولادنا أكثرهم حرقوا ياخي شكون بقى فيه الدّوار ؟ و كانك على النّساء نهار خدمة عندهم ، شكون اللي باش تسلّم في جورنيها و تجي معانا للبلديّة ؟ “
هذا الحوار الذي قد يبدو لنا اليوم خياليّا أو حتى سرياليّا ، إلاّ أنّه بعد أسبوعين أو ثلاثة سيصير أصل الأحاديث و منتهاها و سيصبح الحوار الطّاغي في جلساتنا و مقاهينا و نوادينا و محلاتنا و أسواقنا اليومية و الأسبوعية ، بعد نشر قانون الانتخابات و فتح باب الترشّح للمجلس النيابي الذي سيتقلّص عدد قاطنيه من 217 نائبا إلى 161 نائبا فقط و بذلك تنخفض نسبة التمثيل النيابي نظريا من نائب لكل ّ 60 ألف ساكن تقريبا إلى نائب لكلّ أكثر من 75 ألف ساكن بعد أن تمّ تخفيض عدد الدوائر الانتخابية و دمج بعض المعتمديات مع بعضها البعض دون مراعاة لخصوصيات كل منطقة و نسبة حضور الجانب القبلي و العشائري فيها و حتى عدد سكانها …أمّا واقعيا فالأمر غير ذلك تماما فبعمليّة مقارنة بسيطة نجد نائبا عن دائرة تونس المدينة و باب سويقة التي تعدّ 45 ألف ساكن في حينّ أنّ منطقة الحرايرية التي تعدّ 119 ألف ساكن ستكون ممثلة بمقعد واحد أيضا و نفس الشيء بالنسبة لدائرة بوعرادة و ڨعفورو الكريب و بورويس و العروسة من ولاية سليانة التي تعدّ 80 ألف ساكن أو كذلك قرطاج و المرسى بـ 125 ألف ساكن ..
و لا يقتصر الأمر على التفاوت غير المنطقي في نسبة التمثيلية بين الدّوائر إذ يطرح هذا القانون الانتخابي الجديد الذي أتى به سعيّد مسقطا كالعادة دون أي تشاور مع الأحزاب أو المنظمات و دون اعتبار لمواقف مسانديه قبل معارضيه ، إشكاليّات عديدة و من أبرزها موضوع التزكيات و ما فيه من تكريس للبيروقراطية المقيتة ففي الوقت الذي يطالب فيه المواطنون بتفعيل المنظومات الالكترونية و الاستغناء عن الأوراق و الصفوف الطويلة في الإدارات يأتي هذا القانون ليعطّل شؤون المواطنين العاديين في انتظار انتهاء أصحاب التزكيات من وضع إمضاءاتهم …و لنتصوّر مثلا منطقة سيترشح عنها 5 أو 6 متنافسين فقط ألا يعني ذلك الحاجة إلى 2000 أو 2400 تعريف بالإمضاء في كلّ دائرة ؟ هذا في أفضل الأحوال … ثمّ أ لا يعني ذلك تعطّل أعمال الممضين أيضا بسبب طوابير الانتظار ؟ أ لا يكون ذلك مطيّة لشراء التزكيات بتعويض صاحب التزكية عن غيابه عن عمله ؟ و من أدرانا أيضا أنّ البعض و لتعطيل ترشّح بعض المتنافسين لا يمضي في تزكيتين لشخصين مختلفين ليتسبب بذلك في إسقاط ترشّح المنافس …
إنّ نظاما انتخابيّا كهذا لن يستطيع الفوز فيه إلا أصحاب الأموال الطائلة أو وجهاء العروش الكبيرة (خاصّة بعد التنصيص على الاعتماد كلّيا على التّمويل الذّاتي و التمويل الخاص و حذف التمويل العمومي) أو المنتمون إلى أحزاب قويّة و منظمة و مهيكلة و ممتدّة في العمق التونسي و في الوقت الحالي و بعد اهتراء الأحزاب و حتى تآكل بعضها من الدّاخل ، فإنّ أقدر حزبين على تجميع التزكيات أوّلا و على الفوز بمقاعد برلمانيّة ثانيا هما حزب حركة النهضة و الحزب الدّستوري الحرّ (إن تراجعا في موقفهما من مقاطعة الانتخابات) نظرا إلى عدم توقفهما عن النّشاط و مواصلتهما العمل الميداني و الاحتكاك بالنّاس.
و لعلّ من أخطر الإشكاليات التي يطرحها هذا القانون الجديد هو تنمية روح العروشية و الولاء القبلي و العائلي و تغذية النّعرات الجهوية التي ما فتئ المجتمع التونسي يحاول التّخلّص منها منذ عقود، وكذلك منع أصحاب الجنسيات المزدوجة من الترشح في دوائر الداخل و السّماح بذلك في دوائر الخارج …وهو إجراء ينسف مبدأ المساواة و يحرم مواطنين تونسيين من حقوقهم السياسية والمدنية، إضافة طبعا إلى ما فيه من إقصاء للنّساء و الشباب من بلوغ المجلس النيابي و هو ما يتعارض مع فصول الدّستور و خاصّة الفصل 51 من الدستور الجديد الذي يؤكد على التناصف …فليس للمرأة في قانون 15 سبتمبر من قيمة إلا في مرحلة التّزكيات في حين تمّ إلغاء كلّ الضمانات القانونيّة التي تحقق لها تمثيلية محترمة داخل مجلس النّواب و تمّ تجريدها من كلّ الآليات التي تشجعها على المشاركة في الانتخابات و في الحياة السياسية عموما…
و في صورة غياب الأحزاب فإنّ الانتخاب على الأفراد سيعطينا مجلسا منقسما غير متجانس لا هويّة له و يصعب فيه التنظم في كتل برلمانية واضحة و سيفقد دوره و وظيفته التشريعية الوطنيّة، إذ سيحرص كلّ مترشّح على تقديم برامج محلية جهوية دون رؤية شاملة …فكل نائب سيحاول إرضاء ناخبيه من سكان ناحيته حتى لا تسحب منه الوكالة… هذا الإجراء الذي يمكن أن يجعلنا في حالة انتخاب دائم و سيكون سيفا مسلطا على رقاب النواب ويقصر محاسبتهم على ناخبيهم فقط (في حدود دائرتهم الانتخابية) دون أن يكون لباقي الشّعب حق محاسبتهم… سيكون مجلسا صوريّا ، مجلسا ضعيفا متشظّيا دون رؤية استشرافيّة، مجلسا خاضعا للسلطة التنفيذية لا دور له إلا المصادقة على مشاريع الرّئيس و مراسيمه دون قدرة على الحشد و التجميع من أجل التّصويت على مشاريع مغايرة أو قوانين مختلفة… و سيكرّس المجلس بهذه الصورة – قبل أن ينضاف إليه مجلس الجهات و الأقاليم الذي سيزيد من تقزيم دوره – فكرة الزعامة المطلقة لرئيس الجمهورية الذي يبقى دوما خارج مجال المساءلة و المحاسبة.
صن نار
- ثقافياقبل 4 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 4 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 14 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟