محمد الأطرش: إلى أين يأخذ الرباعي الراعي للفشل، البلاد؟
نشرت
قبل 4 سنوات
في
إلى أين نحن سائرون يا ترى بهذا المشهد السياسي البائس؟؟ هل سنخرج مما نحن فيه أم يتأزم الأمر إلى ما لا تحمد عقباه؟؟ و هل يعمل سكان القصور و ساكن ساحة محمد علي فعلا على إخراج البلاد من الوحل الذي أوصلوها إليه أم هم يبحثون فقط عن انقاذ أنفسهم من الورطة التي يعيشونها؟ ماذا يريد راشد الغنوشي حقّا بتعنّته و لامبالاته التامة من كل ما تشهده البلاد؟ و ماذا يريد ساكن قرطاج بإعلانه الحرب على الجميع في كل خطبه؟ و عن ماذا يبحث ساكن القصبة بارتمائه في حضن النهضة و قلب تونس و ائتلاف الكرامة؟ و ماذا يريد ساكن ساحة محمد علي بمبادرته التي قد لا ترى النور بعد أن أفرغها التحوير الوزاري من محتواها كاملا؟
لماذا يتعنّت الغنوشي و يواصل السير و لا يبالي…؟
أدرك الغنوشي أن حركة النهضة تورطت في مشهد لم تقرأ له حسابا، فالشيخ كان يعوّل أن يحكم بنصيب الأسد، أو أن يستظل بمكوّن آخرفي حجم نداء تونس كما كان في العهدة السابقة، لكنه اصطدم بمشهد مشتّت و بكتل متنافرة أجبرته على القبول بما لم يكن يريده حفاظا على مكانته في المشهد السياسي.
حَلمَ الشيخ راشد كثيرا بأن يكون “حكيم المرحلة و كبيرها” كما كان عليه قائد السبسي رحمه الله فخاب ظنّه، فوجود عبير موسي و سامية عبو و سيف مخلوف و جماعته و البعض الآخر سحب من تحت أقدامه بساط الحكمة و أغرقه في تطاحن يومي و معارك كلامية ضارية… و لم يقرأ حسابا لكل “البهذلة” التي ستطاله و هو يجلس على كرسي رئاسة مجلس باردو، فالرجل تعرّض لهرسلة و شيطنة و محاصرة لصيقة يومية لم تخطر يوما على باله، كما تعرّض إلى محاولة سحب الثقة منه أفشلها بإذابة الجليد بينه و بين بعض مكونات المجلس، فأنقذ نفسه في آخر لحظة لكنه ورّط حركته في تحالف يعتبره البعض الآخر مشبوها، و لن يكون قادرا مستقبلا على فكّ الارتباط معه بسهولة دون خسائر فادحة و موجعة، فقلب تونس و كتلة الإصلاح و الكتلة الوطنية لن يقبلوا أبدا بأن يكونوا مجرّد شركاء دون أخذ نصيبهم من غنيمة الحكم… و غنيمة الحكم ستكون من خلال حكومة المشيشي الذي انصاع إلى كل شروط الشيخ و من معه فقط للحفاظ على موقعه.
يدرك الشيخ راشد أنه سيعيش جحيما خلال بقية العهدة لو فكّر يوما مجرد التفكير في فكّ الارتباط مع الكتل الراعية و الضامن الوحيد لبقائه جالسا على كرسي رئاسة المجلس، فالشيخ راشد ورّط نفسه وحركته في مستنقع سيصعب الخروج منه دون أوجاع …فإن أقدم على عدم إرضاء شركاء اليوم سيخسر كرسي رئاسة مجلس باردو في مرحلة أولى و قد يعرّض حركته للخروج من التحالف الحاكم في ظلّ اتساع هوّة الخلاف بينه و بين التيار الديمقراطي و حركة الشعب، خاصة بعد أن كان سببا في اسقاط حكومة الفخفاخ و خروجهما من التحالف الحاكم.
يعلم الشيخ راشد أنه أوقع نفسه بين كماشة عبير من جهة، و الكتلة الديمقراطية من جهة ثانية، و ساكن قرطاج من جهة ثالثة، و شركاء الحزام السياسي لحكومة المشيشي من جهة رابعة، و يدرك خطورة المرحلة التي تعيشها حركته، كما يدرك صعوبة الخروج و حركته سالما من هذه العهدة. فالشيخ راشد يعلم أن كل خصومه قد يجتمعون و يتحّدون ضدّه لو أخطأ في قراءة و استشراف مستقبل العهدة الحالية، كما يعلم أن عليه أن يعدّ العدّة للمحطة الانتخابية القادمة، و أن لا يسمح بانتخابات سابقة لأوانها أبدا فهي لن تخدم صالح النهضة و لا صالح حلفاء اليوم، فصعود عبير في نتائج عمليات سبر الآراء حتى و إن شكّك البعض في مصداقية ما يقوم به الزرقوني يرعبه و يرعب أنصاره، فالنهضة و قواعدها يعيشون خلال هذه الأشهر الأخيرة رعب العودة إلى ما كانوا عليه قبل 14 جانفي خاصة أن خصمهم الأكبر و الأخطر اليوم هو عبير موسي، و قد تنجح في لحظة من اللحظات في لمّ شمل جميع شظايا الدساترة و المنظومة السابقة لو تنازلت قليلا عن تعنتها و تعاليها و تحقيرها لبعض رجالات الماضي، و قد تنجح في العودة إلى الحكم بأغلبية لن تسمح لمكون آخر مشاركتها و من معها فيه …
إضافة إلى خطر عبير و المنظومة السابقة من الرافضين للنهضة و من معها، خطر آخر يهدّد عرش حركة النهضة … فقيس سعيد و حجم مخزونه الانتخابي يمثلان اليوم خطرا حقيقيا على الغنوشي و أتباعه لو نجح ساكن قرطاج في حلّ مجلس النواب و إعلان انتخابات سابقة لأوانها فالنهضة ستجد نفسها بين مكونين أكبر منها حجما في الوقت الحاضر: عبير من جهة و قيس و من معه من جهة ثانية … و هو الخطر الذي أرغم و أوعز للشيخ راشد الدخول في اتفاقية شراكة مع المشيشي تنصّ أهم فصولها على التصويت لحكومته و ضمان بقائه في القصبة لمدّة لا تقل عن ثلاث سنوات مقابل الخروج الكامل من جلباب ساكن قرطاج، و اعفاء كل وزراء نادية عكاشة و ضمان التحوّل التدريجي لحكومة المشيشي من حكومة كفاءات مستقلة إلى حكومة تمثّل أحزاب الحزام السياسي و البرلماني الذي توفره النهضة و قلب تونس…
لسائل أن يسأل لماذا يتمسك الغنوشي بالحكم وهو يعلم علم اليقين أن الفشل سيصاحب هذه العهدة؟؟ الإجابة في غاية البساطة، يدرك الغنوشي أن سقوط حكومة المشيشي سيفتح الأبواب أمام كل الاحتمالات، و أن من بين هذه الاحتمالات إعادة الانتخابات، و هذا ما لا يريده الغنوشي في الوقت الحاضر، فهو يعوّل أولا على عامل إطالة الوقت لغايتين، الغاية الأولى تآكل جسد خصومه السياسي و وصولهم المحطة الانتخابية القادمة في موعدها الأصلي و هم في حالة إنهاك كامل لا يسمح لهم بالفوز بأغلبية فيها، ويعوّل ثانيا على أن يتحمّل المشيشي كل تبعات الفشل عوضا عن النهضة، فالمشيشي اختاره ساكن قرطاج، لذلك لن يغامر بأن يكون في واجهة الحكم مباشرة حتى يتسنى له التملّص من تبعات كل فشل قادم…لكنه على يقين أن تواجد النهضة في الحكم سيضمن مواصلة التفاف قواعدها حولها فالأحزاب عادة ما تحافظ على قواعدها و هي في الحكم، و تخسرها حين تبتعد عن الحكم، فتمسك الشيخ بالبقاء في التحالف الحاكم رغم يقينه بالفشل سيضمن له الحفاظ على نسبة كبيرة من حجمه الانتخابي.
قرأ الغنوشي حسابا لعامل الوقت فعدم نجاح قيس سعيد في الوفاء بعهوده للشباب الذي أوصله إلى قرطاج سيجعله في وضع لا يحسد عليه، و قد ينفضّ من حوله كل من هرولوا نحوه على أساس أنه المنقذ لملايين الشباب الغاضب من منظومة ما بعد 14 جانفي إن طال صبرهم و لم ينجح في إرضائهم ببعض الوعود المنجزة، و قد يصل الإرباك الذي سيعيشه قيس سعيد إلى وقوع هذا الأخير في العديد من الأخطاء الاتصالية و فقدان نسبة كبيرة من شعبيته و خسارة العديد من النقاط في نتائج عمليات سبر الآراء، و تدخل عملية تحويل وجهة المشيشي في هذا الإطار…
فتقليم أظافر ساكن قرطاج و حرمانه من التصرف في أليات الحكم التي يتمتع بها ساكن القصبة لإرضاء مخزونه الانتخابي ببعض الإنجازات سيضمن اتساع الهوّة و القطيعة بين ساكن قرطاج و أتباعه…و يعتبر هذا أحد أهمّ أهداف راشد خلال ما تبقى من العهدة…و قد يستنسخ الغنوشي هذا التمشي مع الخطر الأكبر الذي يرعبه “عبير موسي” فالغنوشي يدرك أن إطالة عمر العهدة و النجاح في مقاومة خصومه إلى نهايتها، سيمثل خطرا على عبير فقد تتآكل شعبيتها لو نجح الغنوشي في الإبقاء على المشيشي في القصبة، و الخروج سالما من كل المطبات و العبوات الناسفة التي ستزرعها عبير في طريق التحالف الحاكم، و بالذات في طريق النهضة و شيخها…فعامل الوقت و إطالة زمن الانتظار قد يدخل الإرباك في صفوف أتباع عبير و قيادات حزبها …
و من آليات قطع الطريق أمام عبير سيعمل الشيخ على الإيقاع بينها و بين الأغلبية الصامتة من المنظومة القديمة التي اختارت البقاء بعيدا فوق الربوة، كما سيعمل على الإيقاع بينها و بين الكتلة الديمقراطية و بعض الكتل الأخرى درءا لتحالف اضطراري محتمل يفجّر الحزام السياسي الحالي للمشيشي …فالغنوشي يدرك أن تسجيل نقاط على حساب خصومه هو الذي سيضمن له الخروج سالما من هذه العهدة … فمصير النهضة يرتبط أساسا بهذه العهدة فإن خرجت منها سالمة ستواصل البقاء ضمن المشهد الحاكم خلال عقود، و إن فشلت في قطع الطريق أمام خصومها فستعود إلى ما كانت عليه قبل 14 جانفي و قد تتحمل لوحدها تبعات فشل عشر سنوات كاملة من الحكم…
المشيشي و الهدية التي نزلت من السماء..
أدرك المشيشي أنه سيصبح “أضحوكة” على لسان الجميع لو خسر كرسي القصبة في زمن قياسي لذلك قبل بعرض الغنوشي و قلب تونس للجلوس على كرسي القصبة أكثر وقت ممكن، فهو يعلم أنه لن يكون قادرا في ظلّ كل هذه الظروف الاقتصادية و الوبائية على تغيير حال البلاد و العباد، و يدرك أنه قد يزيد الطين بلّة لكنه على بينة أيضا من أن هذه الفرصة لن تسنح له مرّة أخرى..كما أن المشيشي يعلم أنه سيكون يد النهضة في الحكم و سيكون وزيرا أول عند الغنوشي و ليس كما يقول البعض رئيسا للحكومة، لكنه أدرك أن الأحزاب هي الوحيدة القادرة على الإبقاء عليه جالسا على كرسي القصبة لذلك قبل بأن يكون وزيرا أول للنهضة و قلب تونس و من معهما و رفض بأن يكون وزيرا أول عند رئيس لن يضمن له الحفاظ على كرسي القصبة.
يعرض اليوم المشيشي تحويره الوزاري أمام نواب مجلس باردو و ينتظر حسب بعض المعلومات المتوفرة من هنا و هناك أن يسقط غربال المجلس بعض الأسماء المقترحة من المشيشي بشبهة تضارب المصالح ليقع تعويضها في وقت لاحق بأسماء سيقترحها ائتلاف الكرامة و بعض الكتل النيابية الأخرى التي اشترطت ان تكون حاضرة في التشكيلة الحكومية. و قد يحصل اتفاق في قادم الساعات و قبل بدء عمليات التصويت يضمن للمشيشي التصويت لكامل فريقه مقابل بعض الخطط الوظيفية وطنيا وجهويا لمن ستقترحهم كتلة ائتلاف الكرامة و الكتلة الوطنية و كتلة الإصلاح،
و لسائل أن يسأل لماذا أسرع المشيشي بهذا التحوير و لم يدخل في استشارة طويلة و معمّقة مع الأحزاب المكوّنة لحزامه السياسي و البرلماني، الأمر في غاية البساطة، أدرك المشيشي و الشيخ راشد أن مبادرة الاتحاد قد تكون مدخلا لخلط جديد في الأوراق يعيد أهمها إلى ساكن قرطاج و من معه فأختار المشيشي بعد استشارة أهم مكونات حزامه الإسراع بالتحوير قطعا للطريق أمام ساكن قرطاج و ساكن ساحة محمد علي، فالتحوير أفرغ مبادرة الطبوبي من محتواها و لن تكون بالأهميّة التي كان ينتظرها البعض، فالحكومة و حزامها و من معهما سيدخلون أي حوار بشروطهم و ليس بشروط الجهة المقترحة للحوار و قد يكون شرط الحكومة و من معها شرطا يضع الطبوبي في مأزق مع منخرطي منظمة حشاد لن يكون من السهل الخروج منه،
و من المنتظر أن تشترط الحكومة و من معها الإمضاء على هدنة قطاعية تمتد حتى نهاية العهدة السياسية الحالية مع الاتحاد، فالمشيشي يعوّل على هذه الهدنة و بعض الاتفاقيات الأخرى وأهمها السماح له بالتفريط في بعض المؤسسات الوطنية الكبرى التي تعيش وضعا ماليا صعبا لتسجيل بعض النقاط على حساب الرافضين لوجوده في القصبة. و من المنتظر جدا التفريط في أكثر من مؤسسة وطنية في محاولة لبعث رسالة طمأنة للداعمين و الدول و المنظمات المانحة على مسار الإصلاح الذي قررت حكومة المشيشي و من معه مواصلته و عدم التراجع عنه.
خلاصة ما سيفعله المشيشي في قادم السنوات إن لم يغضب الشيخ و من معه هو ضمان استقرار الوضع حكوميا و ضمان تماسك الحزام السياسي حول الحكومة حتى نهاية العهدة و لن يكون المشيشي أكثر من وزير أول يخدم صالح النهضة و من معها.
ساكن قرطاج و ساكن ساحة محمد علي و الخيبة الكبرى…
خاب ظنّ ساكن قرطاج و ساكن ساحة محمد علي في فرض خياراتهما على المشهد من خلال المبادرة المقترحة من الطبوبي، فهذا الأخير لم يبحث فقط من خلال مبادرته على إخراج البلاد مما هي فيه بل بحث قبل ذلك عن ضمان موقع متقدّم في المشهد الحالي يسمح له بخدمة مصالحه و مصالح من هم معه، فالطبوبي أدرك أنه قد لا ينجح في ضمان دورة أخرى على رأس الاتحاد فاختار أن يلعب ورقة أخيرة مع ساكن قرطاج تضمن له التواجد و لو في موقع آخر يبعده عن مؤاخذة منخرطي منظمة حشاد فهو قد يضطر إلى إمضاء اتفاقية تحرمهم من تفعيل العديد من الاتفاقيات التي بقيت إلى حدّ الساعة دون تفعيل و تأجيلها إلى موعد لاحق…و قد تعود موجة الإضرابات و التحركات في العديد من بؤر التوتّر الاجتماعي لإرباك حكومة المشيشي و الأحزاب الداعمة له، و قد يلتحق شباب “الشعب يريد” بالحراك الاجتماعي الذي من المنتظر أن يتكوّن من قواعد العديد من الأحزاب القريبة من ساكن قرطاج و الأحزاب القريبة من ساحة محمد علي …
فهل تنجح حكومة المشيشي في الإفلات من تبعات الفوضى القادمة والفشل المعلن، أم تشهد البلاد حراكا شبيها بما وقع منذ عشر سنوات يغيّر المشهد كاملا؟؟ و هل يعي الرباعي الراعي للفشل أن البلاد على كفّ عفريت و أنهم سبب كل الخراب الذي عانته البلاد منذ عشر سنوات و أن الوقت حان لمصالحة شاملة تخرج البلاد مما هي فيه، أم أن أحقادهم و أطماعهم ستزيد من أوجاع الشعب و ستخرّب ما أبقته السنوات العجاف من البناء؟