ما الذي يجري في تونس اليوم…؟ هل خرجنا مما نحن فيه؟ هل أوجدنا حلولا لمشاكلنا؟ هل حقق حكامنا ما وعدونا به؟ لا لم يقع شيئا مما وعدونا به…ولم ينجزوا شيئا يفيد الوطن…ولم نخرج ولو خطوة واحدة من الوحل الذي سقطنا فيه…أين ساكن قرطاج مما نحن فيه اليوم…هل جاءنا بالحلول التي وعد بها من أوصلوه إلى قرطاج؟
أين النخب التي كانت تتظاهر بالصراخ الثوري أيام حكم بن علي وحكم بورقيبة رحمهما الله؟ لم نجد أثرا لكل من وعدونا بالبدائل وبتغيير وجه البلاد…فقط، كشفنا زيف هؤلاء، والأخطر…اكتشفنا مأساة هؤلاء… فهؤلاء يعيشون مأساة فكرية وأخلاقية…يعيشون مأساة حقدية… وربما وجودية لا مثيل لها في تاريخ المشهد السياسي التونسي، فالشارع التونسي اكتشف في وقت قياسي كذب وضعف…وزيف هذه النخب و خَبِرَ عجزها الكبير والمفضوح وعدم قدرتها على إيجاد الحلول التي وعدوا بها…
هؤلاء فشلوا فشلا ذريعا في أداء دورهم التاريخي في إعادة بناء وتأثيث المشهد السياسي والثقافي في هذه المرحلة التاريخية الصعبة التي تمر بها البلاد …وقد أثبتوا ضعف بصيرتهم وقصر نظرهم وتخلفهم من خلال انتهازيتهم التي فضحت عجزهم…فبمجرّد وصول هؤلاء إلى السلطة وغوصهم في واقع الحكم وتسيير دواليبه اصطدموا بواقع مخالف لتصوّراتهم فسقطوا في مأزق سياسي وإيديولوجي واكتشفوا زيف المرجعيات السياسية التقليدية التي كانت تُضفي على أية منظومة سياسية مشروعيتها
أغلب المرجعيات السياسية القديمة تآكلت وفقدت مصداقيتها في ظلّ التحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالمية، وبالتالي أصبح من الضروري تحديث البناء السياسي للنظام دون إحداث القطيعة مع كل ما يمت بصلة للمنظومة السياسية القديمة وكوادرها…لكن ما عشناه خلال عشر سنوات عجاف لا يمكن وصفه أو إدراجه في خانة فكرية سياسية معيّنة…فتونس عاشت وتعيش هذه الأيام والسنوات التي تلت “السقوط” أسوأ مراحل تاريخها على الإطلاق رغم ما يدّعيه البعض عكس ذلك…
والغريب في نخب الزيف والهراء أنها تلوّنت كالحرباء…فالذين كانوا يكرهون الزعيم بورقيبة أصبحوا أو “اضطروا” إلى الهتاف باسمه والترحّم على روحه بمجرّد فشلهم في تحقيق ما وعدوا به أو حتى جزءا مما وعدوا به…ويمكن اعتبار هتافهم باسم الزعيم الخالد اعترافا بضعفهم وعجزهم عن إتيان ما أتاه، من أجل مصلحة هذا الشعب وهذا الوطن….والغريب أيضا أن الذين كانوا يلتحفون برداء المرجعيات اليسارية بجميع تفرعاتها أصبحوا أكثر قربا من الغرب فأصبحت يُمناهم تشتغل أكثر من يُسراهم…فهم تلونوا ولم يبق من مرجعياتهم غير شعارات يرفعونها خلال “مسيراتهم” الترفيهية في شارع الزعيم…وهو الشارع الوحيد الذي يجمعهم وبمجرّد خروجهم منه يتفرّقون…
هؤلاء الذين كانوا يكرهون الغرب ويعتبرون ديمقراطيته ثقافة امبريالية استعمارية أصبحوا اليوم يحجّون إلى سفارات الغرب ويفاخرون بديمقراطيته ويشربون على نخبها ويتباهون بها…فكيف حالنا اليوم وحال هذا الشعب الموجوع…؟؟شبابنا اليوم يموت غرقا في البحر هاربا من جحيم وطن خذله….وساكن قرطاج يتحدّث عن اشباح وغرف مظلمة….وفقراء تونس يموتون يوميا جوعا في منازلهم ولا أحد يعلم بمعاناتهم ولا أحد فكّر كيف يخرجهم من مأساتهم…وساكن قرطاج يعطّل البلاد وسير مؤسسات البلاد برفضه تأدية بعض الوزراء لليمين أمامه…تضاعف عدد العاطلين وقارب المليون عاطل عن العمل …
ساكن قرطاج يتحدث عن الدستور وكيف يمكن تأويله لكسب معركته مع ساكن القصبة…ثلاثون ألف جرعة فقط من التلاقيح وصلت البلاد …وساكن قرطاج يتحدث عن الفاسدين ويرفض ذكر اسم واحد منهم….البلاد تئن والمأساة تكبر والشعب يجوع وطريق الإفلاس أصبحت أسرع….وساكن قرطاج يهذي بكلام لا أحد يفهمه ولا أحد يعرف معناه…فمن العاقل يا ترى…ومن فقد عقله…ساكن قرطاج أم الشعب المسكين…
الشعب فقد صوابه حقا يوم انتخب من يحكمنا اليوم…لكن هل فقد ساكن قرطاج عقله؟