عندما رايت الجموع ينزلون من الحافلات السياحية وعلامات الابتهاج والسرور تعلو محياهم …وعندما رايتهم يغنون ويرقصون ويتبادلون التهاني…وعندما رايت الزعيم يكلل المشهد بخطبة عصماء تخليدا لذكرى المسيرة المجيدة انتابني الشعور بانني اعيش في غيبوبة عن الواقع وانني من اولئك الذين لا يعجبهم شيء ولا يتقنون الا فن تعكير صفو حياة الناس وبهجتهم بما يعيشون.
لكنني تفطنت الى امكانية ان اكون حيا في قلب مسرحية هزلية حد الماساة. وتذكرت دريد لحام وهو ينتشي بانجازات الامة في مسرحية على نخبك يا وطن لكن الفرق بيننا انه كان يستنجد بكؤوس من ..البوخا ..للاسترسال في السرد في حين انني لا املك ما يمكن ان يخدر قلمي لكي يخط من كلام الهزل من المشهد الهزال.
قالوا لنا مالكم ماذا دهاكم ماذا جرى لكم حتى تنكروا النعيم وتحرموا الشعب من الانجازات التي طالت البلاد طولا وعرضا ؟ صراحة لا املك جوابا عن هذا السؤال لكن اذا تكلمت البوخا على لسان دريد لحام فمن المؤكد انها ستجيبهم بكلام يليق بمنطق السكارى … ستقول لهم بوركتم وبوركت انجازاتكم …لقد خرجتم ترقصون في الشارع بعد ان تحقق بفضلكم قطع دابر البطالة واينعت الكليات والمستشفيات في كل ربوع تونس …
ترقصون بهجة بالتهاني المتهاطلة من كل العواصم، غبطة بما تحقق من نسب نمو لم يسبقكم اليها احد …ترقصون بعد ان خلصتم بلادكم من الديون التي كانت تضيق انفاس الشعب باجياله الحاضرة واجياله القادمة…ترقصون لانكم سحقتم الفقر و رايتم الناس ينفقون بلا حساب بعد ان هزمتم غلاء المعيشة وجعلتم الشباب لا يسبح الا باسمائكم ولا يزهو ولا يطرب الا حين يرى طلعاتكم البهية وهي تفاخر باحداث الاف المشاريع.
من حقكم ان ترقصوا وتغنوا ولا تكترثوا لما نقول …سوف نصدق اننا ظلمناكم واننا لا نعترف بجميلكم و ان حقدنا عليكم قد اعمانا وجعلنا لا نرى ما ترون …سوف نصدق اننا سوف نخسر كل هدا النعيم لو فكرنا في استبدالكم …سوف تضيع الانجازات والمعجزات التي تحققت في عهدكم السعيد ..لدلك لن ننكر فضلكم على البلاد والعباد ….لكن عليكم الا تنسوا ان …البوخا …هي التي تكلمت …
اما انا وبقية من لم يذهب السكر بعقولهم فيعرفون جيدا ان الشعب لم يعد يقدر على البوخا بل صار يفضل الموت و بشرب …القوارص، على ان يعي بواقعه الاليم …انه يفضل الموت على ان يراكم تغنون وترقصون على نخبه