تونسيّا

مزرعة الشخصيات الأقدر

عبد القادر المقري

نشرت

في

عندما ترى مواطنيك يتساقطون كالذبّان أمام حاصدة الوباء الهاجم، و في المقابل حكومات تتعاقب و برلمان و مؤسسات بالكدس، و كلها تعجز عن إيجاد حلول لبضعة ملايين من البشر، لا للهند و لا للصين الشعبية … عندما تختلط لدى حكّامنا الأدوار فيأخذ وزير الصحة مكان وزير التجارة، و وزير الثقافة موقع رئيس الحكومة، و وزير الشؤون الاجتماعية كسوة اتحاد الأعراف … نعم … بأذني هذه سمعت ذلك النهار “وزير الزواولة” ينبّه إلى الكلفة الاقتصادية للحجر الشامل … و بدل أن يتحدث ـ مثلا ـ و لو قليلا عن عمّال المقاهي و غيرهم ممن سيقعون بين مطرقة الموت و سندان البطالة، و بدل أن يقول و لو جملة عن عاملات جمع البلاستيك و مأساة الطفلة فرح … راح يبشّرنا بمشروع تحويل “ديوان التونسيين بالخارج” (مع 24 إدارة جهوية) بطمّ طميمه من أرض تونس إلى منتجعات أوروبا الزاهرة … في غمزة بريئة جدّا إلى أحزاب الغنائم حتى ينتبهوا إليه و يحتفظوا به و يبدؤوا معه المزاد …

عندما ترى كل هذا العجز و اللجلجة، لا تفهم لماذا يبقون هناك و هم يعرفون أنهم لن يتقدّموا بنا … لا تفهم كيف لا يخجل و يستقيل من تكتشف العامّة أنه عييّ مُجدب و بأيّ وجه سيقابل أبناءه نظراءهم في المدرسة؟ … بل ما لم نفهمه أصلا هو ذلك التدافع الأوّل على المناصب في دولة مفلسة يعلنون يوميا أنها ستقفل الدكّان و لم يبق فيها ما يباع سوى رفوف خالية … لماذا  يتراكض وجهاؤنا على مسك دفة بلاد شحّت من خزائنها نقود “الكورونا” (العملة الصعبة لبعض دول شمالي أوروبا) و لم يبق فيها سوى الفيروس الحامل لنفس الإسم … دولة منكوبة و مؤشرات يائسة و أفق حالك و جائحة تعصف و إنتاج معطّل و استهلاك في شراهة حوت …

 لست أنا من يقول هذا تحديدا، و لكنهم هم من يقولونه … يفصّلونه بالرقم و المثال و التجربة، و فيهم من شغل تلك الكراسي قبل 2011 و فيهم من قعد عليها بعد 11 و فيهم عالمون دائما ببواطن نجهلها … فتصبر عليهم ساعتين تامّتين، و تشرب من هذا الخطاب المشجّع سيولا دفّاقة و يتسرّب التنميل إلى ساقك هذه و ساقك هذه و أنت منصت مطرق … و عندما ينتهي الخطيب من روايته الطويلة، تهتبل الفرصة و تسأله بإيجاز: ما دهاك إذن؟ … و هنا ينتقل عمّنا من حديث الطاعن الواثق، إلى ملامح الورَع و الخير و المحبة و لعله استلهمها من الأب بيار و الأم تيريزا مجتمعين … ماذا تريد يا صاح؟ البلاد في حاجة إلينا و ليس لها غير أبنائها في الظرف العصيب … الله غالب … خلقني الله بقلب يحب الوطن و لا يرضى أن يراه تائها واحلا غارقا، و إذا لم ننهض به نحن فمن سينهض؟ … أنبقى في بيوتنا و نتركها لتجّار الخمر (إن كان من النهضة) أو لتجّار الدين (إن كان من صفّ يقابلها) أو “لأعداء الشعب الذين نعرفهم بالإسم” (إن كان من غيرهما) حتى يعيثوا فيها من جديد؟ … لن، و لن، و لن …

و تتغير النبرة في السطرين الأخيرين إلى سحنة مستعارة من معارك “النينجا” أو منشدي “صليل الصوارم” .

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version