عندما كنّا اطفالا علّمونا في ما علّمونا ..ورد الربيع فمرحبا بِورودِهِ .. وبنور بهجته ونوْر وُروده .. وعندما كنّا اطفالا كنّا نرى الربيع باشهى الوانه من سماء زرقاء وشمس ساطعة واسراب الطيور تغنّي للوجود والارض مزدانة بما شاء الله من زخارف الرياحين ..
واليوم ينزل علينا الربيع ضيفا كعادته كلّ سنة ولكن فقط في شهره المعتاد ..فالسماء زرقاء نعم ولكن بهموم الياجوج والماجوج الازرق الذي هلّ علينا ذات ربيع 2011 … ولا الشمس ساطعة لانها غارقة في ظلمات اعداء البلاد والعباد .. امّا اسراب الطيور من بلابل وخطاف التي كانت تغرّد وتشدو بوحي الاله فقد فسحت الاجواء للغربان والبوم .. تنعق بوحي الشيطان ..امّا عن تلك الارض التي كنّا ننتشي بقرنفلها ووردها وحتى بوقرعونها ..فاليوم اصبحت عقيمة لتلك الفصيلة وفسحت جنانها للعوسج والخروع (اللي يشرب الماء ويضيّق على الشجر) …
مسكين هذا الربيع خاصة يوم ان الصقوا ببطاقة هويته عبارة الربيع العربي ..في اشارة الى ما توهمناه ثورة على الاستبداد والمستبدين فاذا به لعنة وعمل من رجس الشياطين …مصيبة البعض منّا انّه عندما يتشبث بمنظومة ما يرى في التراجع عنها او حتى مجرّد اعادة النظر فيها (تطييح كرامة ) ..مصيبة البعض منّا انّنا غير قادرين على الخروج من كهوف معتقداتنا . التي تصبح مقدّسة ..
دعونا ناخذ امثلة على ذلك ..اليسار مثلا هل قام بمراجعة مواقفه من النظرية اليسارية والتي اثبتت انّها لم تُعر حريّة الفرد وزنا في منظومتها .. لذلك احسّ هذا الفرد بالاختناق وانسلخ العديد عنها ..نفس الامر بالنسبة للمنظومة الراسمالية التي لم تتخلّ عن جشعها الكبير على حساب الفقراء والمهمشين …لذلك قامت الثورات للاطاحة بالعديد منها ..وما قلناه عن تلك المنظومتين نقوله عن الاسلام السياسي ..فمنذ مقتل عمر الفاروق كان من الواضح انّ الاسلام السياسي مبني على مصالح فئوية ..وانّ الاسلام براء منهم اذ كيف لقاتل عمر وهو الفاروق وهو احد المبشرين بالجنة ان يهلل ويكبّر عند القيام باغتياله ..من هو هذا الاله الذي يكبّر له قاتل عمر وعلي وعثمان والقائمة طويلة حتى يوم الناس هذا ..كلّ تاريخ الاسلام السياسي اكّد انّ جماعته لهم اله لا نعرفه بل لهم دين ولنا دين ..
أمّا عن البعض من ثقفوت اخر الزمان فهم ايضا غير مستعدّين لاعادة النظر في المفاهيم الحقيقية للحرية وللديموقراطية ولحقوق الانسان … هم غير مستعدين بتاتا للنظر الى تلك الدول التي تنادي بهذه الشعارات الوهمية لا في اصلها بل في تركيبتها الحالية …والتي ومن خلال سلوكيات اصحابها من دول واتباعهم تمثّل منتهى النفاق والكذب على الذقون وتصبح تلك الشعارات بلاتفورم لتمرير سياساتهم المصلحية لا غير ..
وان كانت تلك الدول عُرفت بمثل هذه السلوكات ماضيا وحاضرا فانّ البلية الكبرى في اتباعها الذين ودون وعي كاف منهم يتحوّلون الى ببغاءات يردّدون (قدم الربيع فمرحبا بوروده) وهم يهللون للربيع العربي وللانتقال الديموقراطي ولحقوق الانسان، منددين بالتمييز العنصري الذي نعيش على وقعه في تونس هذه الايام والذي علينا جميعا ان نبحث في اجنداته لايجاد حلول جذرية لهؤلاء، و ربما لخفاياهم الشيطانية في اطار دولة مسؤولة لا في اطار مواطنين يقومون بدور الدولة …والبريمة في من يندّد بالتمييز العنصري يغمض عينيه وجلغتو عن ابشع انواع التمييز العنصري الذي تباركه امريكا في فلسطين المحتلّة ..دون نسيان ما فعلته الامريكا هذي بسكان البلد الاصليين (الهنود الحمر) ابادة جماعية … والتاريخ لن ينسى ..
وبعد يجي ثقفوت زمانو ويستنجد بامريكا …ان لم يكن بشكل مباشر فباعتناق سياستها النبيلة الرشيدة في الدفاع عن حقوق الانسان والحرية والديموقراطية …لك الله يا ربيع …