تابعنا على

جلـ ... منار

معضلة المياه والطاقة: البحث عن حلول

نشرت

في

قد لا تبدو العلاقة بين الماء والطاقة واضحة في أذهان القسم الأكبر من البشر لأن فهمها بحاجة الى بعض العمق العلمي. سأحاول في مقدمة هذه المقالة أن أعالج الموضوع بالحد الأدنى من الخوض في المفاهيم العلمية المتخصصة.

<strong>أ د طالب أبو شرار <strong>

يمتاز الماء خلافا لكل السوائل بأنه جزيْء قطبي الشحنات الكهربائية السالبة والموجبة مما ينتج عنه انجذاب جزيئات الماء بعضها الى بعض عبر الشحنات الكهربائية المتضادة. ذاك الانجذاب الإليكتروستاتيكي هو المدخل لفهم واحدة من أهم الصفات الكيميائية المسؤولة عن نشوء وديمومة الحياة على كوكب الأرض بل هي أيضا المدخل المنطقي للتحقق من وجود حياة على كواكب أخرى ضمن وخارج مجرة درب التبانة التي تنتمي اليها مجموعتنا الشمسية. وجود الماء السائل على سطح كوكب مّا، يضمن توزيعا متوازنا للدفء والبرودة على سطح ذلك الكوكب مما يمهد لنشأة أتواع من الحياة تماما كنشأة الحياة على كوكبنا.

والآن يطرح السؤال المنطقي: كيف يمكن للماء أن يوزع الدفء والبرودة على سطح كوكبنا؟ التجاذب الإليكتروستاتيكي بين جزيئات الماء يتم عبر ما يعرف بالروابط الهيدروجينية التي تختزن طاقة كيميائية محددة ومعروفة لا بد من فك عراها (بالتسخين مثلا) إن أردنا للماء أن يتبخر. وعلى نقيض ذلك، يفقد بخار الماء تلك الطاقة عند تحوله الى الطور السائل أو الصلب. لتوضيح تلك الألية فإن أجسامنا تبرد عند التعرق لأن الماء الذي يتبخر عن سطوح جلودنا يمتص الطاقة اللازمة لتحرير جزيئاته ليصبح غازا كما أن هطول المطر أو الثلج يكون مصحوبا بدفء الجو الناجم عن خسارة تلك الطاقة الناتجة عن تحول الماء من الحالة الغازية الى الحالة السائلة (هطول المطر) أو من الحالة السائلة الى الحالة الجليدية الصلبة وهطول الثلج. أظن أن من يعيشون في بلاد تهطل فيها الثلوج شتاء يلاحظون البرودة القارصة المصاحبة لذوبان الثلوج لأن الذوبان يعني استهلاك طاقة لفك عرى الروابط الهيدروجينية. تقدر الطاقة اللازمة لتحويل جرام واحد من الثلج الى سائل عند نفس الدرجة أي صفر مائوي 334 جول أو 79.5 كالوري لأن الكالوري يعادل 4.186 جول.

تحدد الصفة السابقة للماء طبيعة المناخ السائد في بقاع الأرض فالمناطق الساحلية أو تلك التي تتوفر فيها رطوبة تربة يتذبذب مناخها ليلا-نهارا أو صيفا-شتاء بتفاوت يقل كثيرا عن تذبذب درجات الحرارة في المناطق الداخلية كالصحراء في فصل الشتاء مثلا إذ ترتفع درجة الحرارة نهارا الى مستوى يستدعي تخفيف الملابس لكنها تنخفض كثيرا في أواخر الليل الى الحد الذي يستدعي التدثر بملابس ثقيلة. لتفسير ما سبق فإن للماء سعة حرارية مرتفعة تقدر بكالوري واحد لرفع درجة حرارة جرام من الماء السائل بمقدار درجة مئوية واحدة. وعلى النقيض، للعديد من الأجسام الصلبة مثل التربة الجافة سعة حرارية متدنية تصل الى نحو 0.2 كالوري لكل جرام واحد لرفع درجة حرارة جراما واحدا بمقدار درجة مائوية واحدة.

هذه المتلازمة بين الماء والطاقة لعبت دورا أبعد من نشوء الحياة المشار اليه سابقا إذ أن التوازن بين العاملين مهد الطريق لنشوء الحضارات الإنسانية خاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط. في تلك البقعة الجغرافية تتوفر طاقة معتدلة ومياه بحر مغلق تقريبا تبعد المنطقة عن تأثيرات التيارات البحرية، الناجمة عن تفاوت حرارة مياه المحيطات، والتي تجوب العالم مصطحبة معها الدفء والأمطار العاصفة (مثل منطقة الكاريبي وخليج المكسيك وسواحل شرق آسيا خاصة خليج البنغال) أو البرودة المفرطة والثلوج الكثيفة كما هو حال سواحل أوروبا الغربية شتاء.

في الماضي القريب كانت هناك وفرة نسبية من المياه في مهاد الحضارات الكبرى كوادي النيل ومنطقة الهلال الخصيب وهضبة الأناضول رغم تعاقب غير منتظم لسنين جفاف طارئة لا تلبت أن تتراجع. لكن وبزيادة عدد السكان الناجم عن عوامل التطور المعيشي والصحي المستوردة أدواتهما من الخارج بدون مصاحبة تحول اجتماعي وانتاجي يضبط الزيادة السكانية بدأت وفرة المياه النسبية في التراجع في دول العالم الثالث الى أن أصبحت في حالة شح. هنا لا بد من التنويه الى أن عتبة الكفاية المائية المستخدمة من قبل العاملين في مجال المياه ومقدارها 1000 م3 للفرد سنويا ما هي الا قيمة محسوبة وفق مستوى المعيشة ومتطلبات المجتمع الحضري ومعطيات الإنتاج الصناعي والزراعي القائمين على ابداعات علمية وتكنولوجيا تتطور باستمرار باتجاه زيادة كفاءة استعمال المياه والتي بدورها تتفاوت من بلد لآخر مما يدحض فكرة المكيال الواحد عالميا ويوجب في ذات الوقت ضرورة مراجعة ذلك المكيال أو المكاييل بشكل دوري وفق المعطيات المستجدة……

(يتبع)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ الأراضي والمياه ـ الجامعة الأردنية

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

موجات

نشرت

في

وفاء سلطان:

مضى على وجودي في أمريكا 36 سنة.

لم أدخل يوما مطعما إلا وتركت للنادلة بخشيشا يفرح قلبها وفوق تصورها.

وفاء سلطان

معظم الذين يخدمون بالمطاعم في أمريكا هم طلاب جامعات ليسدوا مصروفهم، فلقد اشتغل أولادي في المطاعم أثناء جامعاتهم وأعرف كم كان البخشيش هاما بالنسبة لهم.

إلا البارحة قررت أن لا أترك لها سنتا، لكن زوجي رفض القرار وقال كعادته: حرام!

(نعم هو ألطف مني في هكذا مواقف)

أوقح نادلة رأيتها في حياتي، تخبط الصحون على الطاولة وكأنها خرجت لتوها من معركة مع زوجة أبيها.

ضبطت أعصابي بشق الأنفس

لقد اعتدنا ان نفتح حديثا مع من يخدمنا في المطاعم حتى نعرف حياته من ألفها إلى يائها،

ولكن هذه النادلة لم تترك لنا مجالا لنقول: شكرا!

نحن نذهب إلى المطعم ليس من أجل الأكل فقط، بل لتغير الجو وتحسين النفسية، وعندما تقارب الفاتورة المائة دولار وتلقى هكذا معاملة تصاب بالإحباط

حسب رأيي خدمة الزبائن في أمريكا أفضل من أي بلد في العالم زرته، ولنفس السبب لم أحب دول أوروبا!

القاعدة العامة في أمريكا تقول: يجب أن تتعامل مع الزبون كما لو كان دوما على حق!

لو كانت ابنتي محلي لقالت: ماما ارجوكِ سامحيها، لا أحد يعرف كيف كان يومها

هذا صحيح، ولكن على من يشتغل في المرافق العامة وخصوصا المطاعم أن يكون لطيفا تحت أي ظرف!

الحياة لا تعاش إلا ببعض التنازلات، وعندما يتعلق الأمر بعملك يجب ان تتمتع ببعض القدرة على إخفاء آلامك الشخصية ولا تنقل طاقتك السلبية لغيرك!

طاقة كل إنسان تشدّ أو تحجب عنه رزقه، وذلك حسب طبيعتها

كنا ندفع على الأقل 20٪؜ من قيمة الفاتورة، لكن بعد تراشق بالنيران وشد شعر ترك لها زوجي مبلغا، وأنا أتمتم: يا خسارة

فالسلوك الذي يُكافأ يتكرر!

أكمل القراءة

جلـ ... منار

أناقة ما بعد السبعين

نشرت

في

وفاء سلطان:

في الثمانينات من عمرها.

أحنى الزمن ظهرها قليلا، لكن روحها مازالت تعانق السماء.

وفاء سلطان

التقينا في المكان المخصص لعربات التسويق على باب أحد المحلات.

وبينما هي تسحب عربتها التقت عيوننا فصبّحت علي.

رددت التحية، وتابعت: تبدين جميلة جدا، إذ من النادر أن ألتقي بامرأة بهذه الأناقة والترتيب!

فعلا الحياة الأمريكية العملية أنستنا الكثير من أصول الأناقة والتزين.

إلى حد ما، تعجبني هذه العفوية في أمريكا،

فلقد خففت عنا نحن النساء مهمة التبرج كل صباح، وزادت ثقتنا بأنفسنا.

لكن من ناحية أخرى، من الجميل أن نحافظ على أناقتنا ومظهرنا طالما لا نبالغ

نعم لا نبالغ، فلقد أصبحت الكثيرات من النساء اليوم نسخا متكررة من لعبة باربي:

قشرة من الخارج وفراغ من الداخل

المهم، أشرقت ابتسامتها حتى أضاءت وجهها المهندس بطريقة فنية غير مبتذلة، وقالت بعد أن وضعت يدها على كتفي:

حبيبتي كل سلوك تتقنينه عادة، فمتى تعلمتِ عادة تصبح طريقة حياة

ثم تابعت:

منذ سنوات مراهقتي لا أخرج من البيت حتى أتأكد من أنني أسر الناظر إليّ، فمظهرنا الخارجي يعطي الانطباع الأول

أكدت لها أنها فلسفتي كذلك، وتمنيت لها يوما جميلا

أكمل القراءة

جلـ ... منار

من عياش إلى السنوار… “دوري” الإرهاب الصهيوني

نشرت

في

صبحي حديدي:

اللجوء إلى منهجيات المقارنة يقتضي، بادئ ذي بدء ربما، اعتماد درجة الحدّ الأدنى من التكافؤ أو التناظر تارة، والتفاوت والتنافر تارة أخرى، بين مقارَن وآخر؛ الأمر الذي تتضاعف اشتراطاته، ومشاقّه استطراداً،

صبحي حديدي

إذا كانت المقارنات تخصّ البشر عموماً، وفي ميادين مثل الأخلاق والنفس والسياسة والعقيدة خاصة. فليس من اليسير، في يقين هذه السطور، وضع قياديي “حماس”، ممّن استهدفتهم آلة الإرهاب الإسرائيلية في مواقع شتى وسياقات زمنية وسياسية مختلفة، على محكّ تقييمٍ مقارَن واحد أو متماثل؛ حتى إذا كان تسويغ هذا الخيار ينطلق من مبدأ المساواة، ضمن معايير سياسية أو عسكرية أو إيديولوجية، إيجابية أو سلبية، متَّفق عليها أو محلّ اختلاف. وحتى، أيضاً وربما قبلئذ، إذا ارتكزت المقارنات على مسلّمة ابتدائية وناظمة تضعهم، أجمعين، في خانة مقاومي كيان استعماري عنصري استيطاني فاشي المكوّنات وأبارتيديّ المسارات.

ثمة، بذلك، مقادير متقاطعة عليا من التكافؤ في مصائر الاستهداف الإسرائيلي لأمثال يحيى عياش (المهندس) والشيخ أحمد ياسين وصلاح شحادة وعبد العزيز الرنتيسي وسعيد صيام وصالح العاروري وجميلة الشنطي وإسماعيل هنية ويحيى السنوار؛ وثمة أيضاً، وفي المقابل الموضوعي أو الضروري، مقادير متقاطعة دنيا من التباينات الناجمة أصلاً عن الوظائف والدلالات والمصائر. طرائق النَيْل من المهندس أو السنوار، ليست مثل اغتيال الشيخ ياسين (قعيد الشيخوخة) أو هنية (النائم في فراشه)، والفارق لا يخفى بصدد الآخرين.

غير منتفاة بالتالي، بل هي ضرورة سياسية ومبدئية، مسألة التشديد على قاسم مشترك أوّل هو إرهاب الدولة الإسرائيلي بوصفه شكل تنفيذ هذه الاغتيالات، وإرهاب الدولة الصهيوني بوصفه المضمون العقائدي الذي يحرّك الدوافع من قلب “فلسفة” عتيقة ترى في الفلسطينيّ تهديداً وجودياً في ذاته وبذاته. وأياً كانت تفاعلات الشكل مع المضمون فإنّ توحّش إرهاب الدولة يلجأ، دون إبطاء، إلى إخراج الجغرافيا من المعادلة: “المهندس” ابن سلفيت في الضفة الغربية، متساوٍ مع السنوار سليل مجدل عسقلان المحتلة سنة 1948، وكلا الفلسطينييَن في خانة واحدة مع محمد الزواري… التونسي!

وليس عجباً أنّ الليكودي أرييل شارون كان مهندس اغتيال الشيخ ياسين؛ و”حكيم” حزب العمل، شمعون بيريس، كان الآمر باغتيال عياش؛ والليكودي الثاني نتنياهو كان على رأس حكومة الاحتلال يوم استشهاد السنوار. وليس من باب العجائب أنّ الثلاثة كانوا مجرمي حرب بامتياز، كلٌّ على طريقته وأفانين إجرامه، وأنّ تكوين دولة الاحتلال ظلّ ينحطّ من هاوية عنصرية إلى أخرى فاشية.

والحال أنّ منهجيات المقارنة الكلاسيكية ذاتها قد تعيد إنتاج مواضعاتها المألوفة، بين ماضي 1996 وحاضر 2024، على أصعدة حاسمة تخصّ ما هو عميق ومحوري في معمار “حماس” السياسي والعسكري والعقائدي. ذلك لأنّ أغراض الاحتلال من وراء اغتيال “المهندس” انقلبت ضدّها حين أفقدت قيادات “حماس” بعض ذرائع الاعتدال، وانتظار استكمال الانتخابات بوصفها الاستحقاق السياسي الفلسطيني الأبرز في ذلك الطور، وأفسحت المجال أمام انعتاق الحرج الآخر الذي كان يكبّل فصائل عز الدين القسام ويشلّ عملياتها.
وليس استشهاد السنوار ببعيدٍ، اليوم، عن منطق تطوّر مماثل تُضاف إليه اعتبارات عديدة فرضتها سيرورات “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة؛ إذْ قد يقبل امرؤ أنّ غياب السنوار عن المشهد الميداني في قلب المعركة المفتوحة يمكن أن يوجع المقاومة، وقد يساجل امرؤ آخر بأنّ الغياب ذاته قد يكون عتبة الوثوب إلى مراحل انتقال ليست أقلّ استكمالاً لتلك التي دأب عليها القائد الغائب.

“دَوْري” إرهاب الدولة الصهيوني تتعاقب فصوله، إذن، ولكن ليس من دون تبدّلات تقلب السحر على الساحر الإسرائيلي؛ كأنْ يفوّت السنوار على الكيان فرصة “اقتناص” على شاكلة شيخ في كرسيّ متحرّك، أو قيادي نائم في فراش.

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

صن نار