جور نار

منظومة الحكم ستدخل غرفة “المكياج” … وستخرج عرجاء شمطاء حوْلاء !

نشرت

في

ماذا يمكن أن نقول عن وضعنا اليوم…وماذا يمكن أن نستخلص مما جرى ويجري في بلادنا منذ عشر سنوات؟ قد يخرج علينا بعضهم من الذين يرون في ما وقع يوم 14 جانفي خلاصا لهم، ليقولوا أنتم تشتاقون لجلادكم …وتعشقون الركل على قفاكم…وسأقول ماذا يمكن أن نسمي ما يعيشه الشعب التونسي اليوم؟ هل حقّا نحن اليوم في أحسن حال؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

 هل حقّا نحن اليوم أكثر حرية وأقل انشغالا؟ هل حقّا تخلصنا من كل مشكلات البلاد وأصلحنا حالها والعباد؟ وهل حقّا تخلّصت قفانا من ركل الحذاء؟ هل وقع تشغيل كل العاطلين عن العمل كما وعدتم…؟ هل أصبحت كل الجهات تنعم بالعدالة التنموية وبالخير الوفير…؟ هل رُفعت المظالم عن كل من ظُلموا سابقا ولاحقا أم أنضاف إلى المظلومين ضعف عددهم سابقا…؟هل انخفض عدد الفقراء أم توسعت رقعتهم…؟ هل قضيتم على الجهل أم زاد جهلكم…؟ هل قضيتم على الفساد أم تأقلمتم معه وأصبحتم في مقدمة الفاسدين…؟

هل قضيتم على المحسوبية أم أصبحتم تتعاملون معها بعقلية المشارك فيها…؟ هل حافظتم على القيم أم أسقطتموها من حساباتكم…؟ هل نسيتم أطماعكم وفكّرتم في من هم دونكم…؟ هل نسيتم أحقادكم ودفنتم ثأركم…؟ هل طلقتم الخيانات أم زادت خياناتكم…؟ هل ضاعفتم إنتاجكم أم قتلكم التواكل…؟ هل زاد استثماركم أم أغلقتم مصانعكم…؟ هل زادت ساعات عملكم أم أصبح الإضراب شعاركم…؟ هل وهل… وهل…والإجابة هي رغم ما يروجونه وما يريدون اقناعنا به، نحن اليوم في أسوأ حال، ونحن في ورطة قد لا نخرج منها أبدا…

والغريب في كل ما يحاول بعضهم الترويج والتسويق له في سوق النخاسة السياسية، هو أن من يدافع عن الخراب الذي نراه اليوم هم أيضا ممن ولدوا في عهد بورقيبة رحمه الله…هم بعض من صفقوا أيضا لبورقيبة ورفاقه…وهم من أتمّوا تعليمهم في عهد بن علي رحمه الله …وهم أيضا من وقع تشغيلهم في عهده…فلم كل هذا الكذب وهذا الافتراء…لماذا ينكر بعضنا جميل ما عاشوه…ويفاخرون بسقوط لا مثيل له في ظلّ منظومة سياسية حاقدة …فاسدة…زانية…لقيطة…باعت الأرض والعرض…هؤلاء أصابهم حول بعين وأغمضوا الأخرى خوفا من حقيقة لا يريدون رؤيتها…

علينا أن نعترف اليوم، وكلامي هذا موجّه لمن يدركون جيدا حقيقة الوضع السياسي والاقتصادي والصحي بالبلاد …أقول علينا أن نعترف أن هذه المنظومة تعيش آخر أيامها…فالاستهتار بأرواح الشعب الذي نعيشه اليوم يعتبر جريمة ضدّ الإنسانية لن يغفرها لهم الشعب ولا أبناء هذا الشعب مستقبلا …فما تفعله حكومة المشيشي والمنظومة التي ترعاها يعتبر إبادة جماعية لشعب عاش استقرارا نسبيا اقتصاديا واجتماعيا وصحيا لمدّة تفوق النصف قرن، رغم كل ما روجه ويروجه بعض الحاقدين…وما نراه اليوم من محاولات خافتة وتحركات هنا وهناك هو فقط محاولات يائسة وساذجة تهدف إلى الالتفاف على الأزمة من خلال الترويج لخلط جديد في الأوراق وإصلاحات على المشهد الحكومي وحزام امانه البرلماني…

فمنظومة عرجاء ومشلولة لن تنجح في ايهام هذا الشعب المغلوب على أمره بأنها تسعى فعلا لإصلاح حاله… منظومة شريكها يواصل تخريبها منذ عشر سنوات ويريد المزيد من خلال مؤتمر بيعة مدى الحياة ينصّب أمينه العام سلطانا على البلاد والعباد لن تنجح في إيجاد أي حل لما تعيشه تونس…منظومة يتمسّك قادتها بالجلوس على كراسيهم إلى يوم مماتهم وهم الذين كانوا يرفضون ذلك لبورقيبة وبن علي، لا يمكن أبدا الوثوق بها وتصديق ديمقراطيتها…منظومة يصبح الطرف الاجتماعي فيها شريكا في الحكم…يعيّن…ويعزل…ويهدّد ويتوعّد…يطرد هذا وينتدب هذا…لن تقدر على إخراج البلاد مما هي فيه…منظومة يصبح شريكها الاجتماعي الحاكم بأمره والناهي عن المعروف والآمر بالمنكر لن تكون عادلة ولن تصلح حال الأمة….منظومة شريكها يصدر نتائج مناظرات الانتداب بقائمات لا تضمّ غير أبناء النقابات مآلها السقوط…ومصيرها سيكون أفظع من مصير كل دكتاتوريات العالم…منظومة يشترط عليها شريكها حوارا وطنيا ليفعل بها ما يريد متى يريد وكيف يريد، لن تصل مرفأ النجاة أبدا…

هذه المنظومة تبحث اليوم عن خلطة غريبة عجيبة، خلطّة تُبقي بها الحال على ما هي عليه، مع تغيير طفيف في لون أحمر الشفاه وصبغة الشعر ولون ملابسها الداخلية … فجميعهم ولا استثني أحدا يتعاملون بوضوح تام في أن القضية الأمّ والأساسية لهم هي فقط الاستمرار في الحكم وضمان الاستمرار فيه…بساكن القصبة وساكن قرطاج وساكن باردو وسكان الضواحي…فهم يدركون أن هذا هو الحلّ الوحيد لضمان بقاء ملفات النهب والسلب والفساد والمحسوبية والخراب مغلقة…فهم يعرفون جيدا ما يريدونه وما يسعون إليه …وهذا ما يجعل من الأزمة التي تعيشها تونس اليوم أزمة أعمق وأوسع من مجرّد أزمة حكم…أزمتنا اليوم هي أزمة وطن…

وهنا وجب طرح السؤال الأهمّ…هل من يحكموننا اليوم يعرفون معنى الوطن؟…لا أظنّ…فهؤلاء أفقدوا الوطن كل معانيه…وكل ما يعنيه…هؤلاء سيُدخلون حكومتهم ومنظومتهم العرجاء غرفة “الماكياج” ليوهموكم بأن قلوبهم عليكم…وعلى الوطن…وستخرج عرجاء، شمطاء، حوْلاء ترى وطنا آخر غير هذا الوطن… مهما تزيّنت…ومهما تجمّلت…وسيخيّرون الشعب بين البقاء على قيد الحياة…في سجلات الأموات…أو الموت جوعا…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version