جور نار
من سيلوي ذراع الآخر… ساكن قرطاج أو مستوطن ساحة محمد علي؟
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
اعتبرت جريدة الشعب خطاب ساكن قرطاج في ثكنة العوينة “إعلان حرب” وَعَنْوَنَتْ ذلك في صفحتها الأولى بالبنط الغليظ…

والمتابع للأحداث منذ رفض ساكن قرطاج لمبادرة الحوار الأولى التي تقدّم بها الاتحاد يعلم علم اليقين ان الحرب الباردة بين ساحة محمد علي وساكن قرطاج ستصبح حربا ساخنة جدا في قادم الأيام وهي آتية لا ريب فيها…فالاتحاد يبحث عن الإفلات من قبضة ساكن قرطاج ومن معه، بوصفه شريكا بالأغلبية مع بعض الأحزاب في حكم العشرية السابقة، بالتخلّص من تبعات تلك المرحلة… ورغم محاولات انكار تورطه في حكم البلاد بالطول والعرض منذ جانفي 2011، فإن الواقع يؤكّد ان ساكن ساحة محمد علي ومن سبقه الفائز بجائزة نوبل حَكَما البلاد بأغلبية واقعية صنعتها “البلطجة” وفعلا بالعباد ومؤسسات البلاد ما لم يفعله أي حاكم حكمها سابقا…فالنقابات المهنية والقاعدية عوّضت الشُعب ومؤسسات التجمّع الدستوري الديمقراطي وفعلت بالبلاد والعباد ما لا يمكن تصوّره، وما لم تفعله هياكل ومؤسسات التجمّع حين كانت تحكم بأمرها في البلاد…فالاتحاد حَكَمَ “بالبَايْ” مع بقية الأحزاب وافتك عنوة النصيب الأكبر في كل القرارات التي صدرت ممن سكنوا القصبة ومن جاورها وصاهرها وجالسها…
فرض الاتحاد نفسه شريكا بأغلبية مع المنظومة التي حكمت البلاد منذ 14 جانفي إلى حدود 25 جويلية 2021 من خلال نشره الفوضى في البلاد أثناء الأشهر الأولى التي تلت خروج الرئيس بن علي رحمه الله…فميليشيات الاتحاد التي شكّلت مع بعض “بلطجية” اليسار الغبي والنهضة المتعطشة للحكم رابطات حماية الثورة، عاثت في البلاد فسادا وارعبت العباد وفرضت بخطاب العنف والتهديد مشاركة الاتحاد في كل قرار تقرره الحكومات التي تداولت على القصبة منذ ذلك التاريخ…
وبعد أن أقدمت هذه الرابطات طيلة السنة الأولى بعد حكم بن علي رحمه الله على نشر الرعب في المؤسسات الوطنية، وساهمت في الإبادة الشاملة لكفاءات الإدارة التونسية من خلال رفعها لشعار “ارحل” في وجه كل من كانوا على رأس المئات من المؤسسات الإدارية والاقتصادية بالبلاد…وبعد أن فرضت على حكومة الباجي رحمه الله من خلال الإضرابات والاعتصامات وغلق الطرق وإيقاف الإنتاج، الزيادة في أجور موظفي وعمال أغلب القطاعات… وبعد أن طالبت بتسوية عشرات الآلاف من الوضعيات في الرتب والخطط الوظيفية والتدرّج المهني في أغلب القطاعات تقريبا مع امتياز لوزارة الداخلية بجميع اسلاكها وهي التي شهدت أيضا إعادة كل من اطردوا عن العمل من لدن الوزير “الغبي” فرحات الراجحي …مما تسبب في انتفاخ كتلة الأجور إلى مستوى قياسي اصبح حديث كل المنظمات المالية العالمية…كل ذلك ولا أحد من الاتحاد تذكّر ما كان شباب الحراك الاجتماعي يرفعه من شعارات تخصّ الكرامة والتشغيل فلا شيء تحقّق من انتظارات ذلك الشباب…ولا أحد من قيادات الاتحاد فكّر في إعلان هدنة شاملة لخمس سنوات أو أكثر، من أجل ترك الفرصة للاستثمار بهدف تشغيل مئات الآلاف من الشباب المعطّل الذي استبشر خيرا بالشعارات التي رفعت في حراك 2010 وأوصلنا إلى ما نحن فيه… بعد كل ذلك وصف الاتحاد عشريته الماضية بعشرية الخراب…وهو الذي كان الآمر الناهي في كل تفاصيلها …
بعد أن تسبب بمطلبيته المشطة وغير المدروسة والفوضوية والانتقامية، في انتفاخ كتلة الأجور ووصولها إلى حجم قياسي لم تعرفه البلاد منذ استقلالها دون ان تنجز شيئا مما كان ينتظره من يسمونهم بــ”شباب الثورة”…اصبح الاتحاد بكل مكوناته المركزية والجهوية شريكا بأكثر من النصف في حكم البلاد وفي كل ما يقع ويدور بمفاصل الدولة والحكم…فمركزيا كان الاتحاد بقيادتيه “العباسية” نسبة إلى حسين العباسي و”الطبوبية” نسبة إلى نور الدين الطبوبي، يفرض نصيبه من الأسماء في كل الحكومات التي أدارت شؤون الحكم، كما كان يرفع الفيتو في وجه كل من لا يريدهم ولا يقبل بهم ولا يرضخون لشروطه ويخدمون اجنداته ومصالح بعض قياداته…وكان يفرض أيضا العديد من الأسماء في التعيينات الجهوية من ولاة ومعتمدين وغيرهم من خطط إدارية لمفاصل الحكم والدولة…أما جهويا فقد كانت القيادات الجهوية لاتحاد الشغل تفعل ما تريد كما تريد ومتى تريد ووصل الأمر ببعضها إلى فرض نتائج مناظرات على بعض المدراء والمسؤولين…كما أصبح أغلب الولاة يجتمعون بالكاتب العام الجهوي للاتحاد أسبوعيا وفي العديد من المناسبات كشريك فعلي في الحكم، وكانت كل البلاغات الصادرة عن مؤسسات الحكم تنصّ على مشاركة الشريك الاجتماعي في كل المفاوضات والاجتماعات ودراسة المخططات التنموية والاقتصادية…وكان الاتحاد حاضرا في كل اللجان التنموية والاجتماعية والاقتصادية…
هكذا تصرّف الاتحاد في البلاد خلال عشرية كاملة ويزيد، لينعت ويصف بعد ذلك تلك العشرية بالخراب فمن يا ترى كان الشريك الأكبر في صناعة ذلك الخراب؟ الأحزاب أم “نسخة الخراب” من الاتحاد؟؟
هنا تكمن حقيقة ما يعنيه وما يهدف إليه الطبوبي بمبادرته، فالطبوبي يريد أن ينقذ نفسه ومن معه من قيادات الاتحاد من مسؤولية الخراب الذي وقع في البلاد، وهو على يقين أن ساكن قرطاج لن ينسى الاتحاد من حملته لتفكيك المنظومة السابقة … فهو يعتبره احد أهمّ أعمدة المنظومة الحاكمة السابقة وأحد الذين ساهموا في خراب العشرية الموصوفة بالخراب، والآن وبعد أن نجح نسبيا في فرض مجلس نيابي على مقاسه وما يريد، سيلتفت للاتحاد لتفكيكه وابعاده عن طريقه أو تدجينه وضمّه لصفّه حتى وإن أعلن عليه الحرب علنا… فالوضع المأسوي الذي تعيشه البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا شجع قيادات الاتحاد الحالية على اللعب على مزاج المواطن التونسي الذي فقد الثقة في السلطة الحاكمة التي جاءت بعد 2019 بما في ذلك ساكن قرطاج…فتواصُل الانحدار الاقتصادي الرهيب وتواصل معاناة المواطن بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني …وتواصل أزمة المعطلين عن العمل واتساع مساحة اليأس والإحباط لدى كل مكونات المجتمع وكل فئات الشعب بعد أن خاب أملهم في أن يصلح ساكن قرطاج أوضاع البلاد والعباد…
كل هذه العوامل أوعزت لقيادات الاتحاد التماهي مع مزاج الشعب العام الذي بدأ يبتعد عن صانع التغيير الثاني، فالاتحاد سيستغل فشل ساكن قرطاج الذريع في كل مناحي الحكم لمحاولة فرض مبادرته وفرض نفسه شريكا في صياغة مستقبل البلاد سواء كان ذلك مع ساكن قرطاج الحالي أو مع من سيأتي بعده…فتواصل انحدار منظومة 25 جويلية نحو الهاوية يخدم مصالح قيادات الاتحاد الحالية التي تريد التخلّص من عبء تبعات خراب العشرية التي حكمتها بالشراكة مع بعض الأحزاب… إذ أن الاتحاد لم يخرج يوما معارضا لحكم النهضة بل كان شريكا لها في كل سنوات حكمها سواء كان ذلك ضمن الترويكا او حين توافقت مع نداء تونس…ويعوّل الاتحاد في نجاح مخطّطه على أخطاء ساكن قرطاج في خطبه ومداخلاته اليومية…كما يعوّل على تواصل الأزمة ومعاناة المواطن في توفير أبسط ضروريات العيش الكريم… كما تفطّن قياديو الاتحاد إلى أن الاقتراب من الأحزاب والمكونات المعارضة لحكم قيس سعيد سيجعلهم عرضة للنقد والرفض وقد يكون سببا في اسقاط مبادرتهم… لذلك اختاروا أن يبتعد الاتحاد أكثر ما يمكن عن الأحزاب ويرفض وجودها ضمن مبادرته للحوار ليس خوفا منها لكن ضمانا لدعم شعبي يتماهى مع المزاج السائد بعد انقلاب ساكن قرطاج على شركائه، الرافض لكل الأحزاب…
خلاصة ما يريده الاتحاد أولا هو النجاح في تغيير وتليين موقف ساكن قرطاج من القيادة الحالية والقبول بالاتحاد شريكا في المرحلة القادمة، وبذلك ينقذ نفسه من تبعات الخراب الذي ساهم فيه بأكثر من النصف خلال العشرية التي يصفها قياداته بالخراب… ثانيا التواجد شريكا من خلال مبادرته وحواره في مرحلة الحكم القادمة وذلك لضمان خروج آمن بعد انتهاء هذه العهدة التي تعتبر لدى الكثير من النقابيين انقلابا على النظام الأساسي للاتحاد، وسطوا على المنظمة من قيادة تريد حماية نفسها من تبعات ما أتته خلال فترة قيادتها للاتحاد…وللوصول إلى غايته يعوّل الاتحاد على تواصل فشل الحكومة في الوفاء بتعهداتها التي أمضاها معها، وفي تواصل فشل منظومة 25 جويلية في إخراج البلاد من أزمتها، فالاتحاد لن يكون صوتا مسموعا عند عامة الشعب والطبقة الشغيلة لو نجح ساكن قرطاج في الخروج من الأزمة …والاتحاد يفتعل كل الأزمات للي ذراع السلطة كما كان يفعل دائما طيلة العشرية التي ينعتها بالخراب…
لكن ماذا عن ساكن قرطاج؟
لا تختلف أهداف ساكن قرطاج كثيرا عن أهداف الطبوبي المعلنة وغير المعلنة…فسلاح الطبوبي لإنقاذ نفسه هو مبادرته للحوار …وسلاح ساكن قرطاج لتبرير فشله الكارثي انغماسه في الحرب على الفساد وتفكيك المنظومة القديمة ومقاومة من يعتبرهم “قوى الردّة” والخونة والعملاء والمحتكرين والفُسَّاد ومنهم الاتحاد…فخطاب ساكن قرطاج بثكنة العوينة كان فعلا بمثابة إعلان حرب ضمني على منظومة ساحة محمد علي، وكل من يعارضون سياسات ساكن قرطاج الذي فشل فشلا ذريعا، في تحقيق وعد واحد من وعوده كما أوصل البلاد باستعدائه لبقية مكونات المشهد السياسي إلى حافة الإفلاس…
ساكن قرطاج سيواصل كما تعودنا منه تحويل وجهة الرأي العام من أمور ذات أهمية وخطيرة إلى أمور ثانوية لتبرير فشله في إصلاح الأوضاع…ولن يجد أفضل من حرب طاحنة على الاتحاد ليضمن صمت الشارع وصبره عليه…ويعوّل في ذلك على شيطنة الاتحاد واتهامه بتعطيل مواقع الإنتاج وعرقلة العودة إلى المسار العادي والطبيعي للعمل في كل القطاعات ودعمه للإضرابات العشوائية، كما يعوّل ساكن قرطاج على المزاج الشعبي في الأشهر الأخيرة وعلى الانقسام الحاصل في قيادة الاتحاد…فالشارع التونسي بصفة عامة أدرك بعد فوات الأوان أن الاتحاد كان سببا حقيقيا واساسيا في الخراب الذي عاشته البلاد خلال عشرية كاملة…وضاق ذرعا بتصرفات اليعقوبي ومن معه من قيادات نقابية حادت عن المسار الحقيقي للمنظمة الشغيلة…
ساكن قرطاج ادرك ان تخطي هذه المرحلة بسلام لا يمكن أن يتحقّق عبر مواصلة شيطنة النهضة ومن معها من الأحزاب وأن الخدعة لن تنطلي مستقبلا على كل الفئات والمكونات، بعد أن تأكد الشعب التونسي ان لا أحد ممن وقعت شيطنتهم واتهامهم بشبهات فساد ثبتت عليه تلك التهم وأن كل من كانوا تحت وطأة الإقامة الجبرية وتحجير السفر خرجوا وعادوا إلى مواقعهم سالمين…فالنهضة خرجت من الحكم وليست طرفا في الحكم اليوم، ولا يمكن مواصلة تحميلها مسؤولية تواصل السقوط والوصول إلى حافة الهاوية، فساكن قرطاج هو المسؤول الوحيد عن كل الفشل الذي تعرفه المنظومة الحالية فهو الحاكم بأمره والآمر الناهي الوحيد…ساكن قرطاج قرأ مزاج القواعد النهضاوية وأدرك العداء بينها وبين القيادة الحالية للاتحاد، لذلك فإن إعلان الحرب اليوم على المنظمة الشغيلة وقياداتها الحالية قد يعيد لشعبيته بريقها بعد الفشل في الحفاظ على أنصاره في الدورين الأول والثاني من الانتخابات التشريعية…
ساكن قرطاج يدرك تماما أنه فشل في كل ما وعد به…ويدرك رغم نكرانه وتحليله المجانب للواقع لأرقام الإقبال، انه خسر معركة الأغلبية خلال الدور الأول والثاني من انتخاباته التشريعية…فالإقبال المهين و”المسخرة” سيتواصل إلى أكثر ما كان عليه في قادم المحطّات، إن تواصل فشل منظومة صانع التغيير الثاني في إخراج البلاد من أزمتها التي طالت واستفحلت…كما يعلم ساكن قرطاج أن سنة 2023 هي سنة التخلي عن جزء هام من كل اشكال دعم المحروقات وأغلب المواد الاساسية …وأن هذا الأمر سيستغله الاتحاد للعمل على ابعاده عن كرسي قرطاج … وقد يكون سببا رئيسيا في انحدار كبير ومخيف لشعبيته قد يكلفه غاليا إن أراد فعلا مواصلة البقاء جالسا على كرسي قرطاج لولاية ثانية، فالولاية الأولى شارفت على الانتهاء ولم ينجز إنجازا واحد يستحق الذكر…
بعد ان بدأت ساكنة القصبة الحالية معركة تدجين ساحة محمد علي من خلال استقبالها لإسماعيل السحباني واعترافها الضمني والعلني المباشر بالتعدّد النقابي، ظنّا منها ان ذلك قد يفرض على الطبوبي ومن معه إعادة حساباتهم وقراءة عواقب ما يفعلونه مع منظومة 25 جويلية…قد يلتجئ ساكن قرطاج إلى إلغاء الاقتطاع الآلي في مرحلة أولى للي ذراع الطبوبي ومن معه في محاولة لإعادتهم إلى صفّه، ثم وفي مرحلة ثانية قد يفرض عبر مراسيمه على مؤسسات الدولة التعامل مع كل مكونات المشهد النقابي التعددي لخلق أزمة داخل قيادة ساحة محمد علي وتوسيع الهوة بينها وبين قواعدها …ساكن قرطاج يريد أن يكون الاتحاد في صفّه في موقعة 2023 كلفه ذلك ما كلفه لأنها السنة التي قد تبقيه او تذهب به على كتب التاريخ سطرا يتيما…
فالبلاد ستعرف أخطر مراحل وجودها خلال هذه السنة…وتأخر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي واستحالة الخروج إلى الأسواق المالية العالمية (نظرا للترقيم السيادي المتدنّي) وعزوف وامتناع بعض البلدان الصديقة والشقيقة عن الوقوف إلى جانب تونس، والخوف من تبعات تواصل التداين الداخلي لتمويل موارد الميزانية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وانعكاسات ذلك على السوق المالية الداخلية، كلها عوامل تساعد على الانفلات والفتنة…فسنة 2023 لن تكون سنة عادية لساكن قرطاج كما لن تكون عادية لكل أفراد الشعب التونسي، فالأزمة قد تتحوّل إلى إفلاس يذهب بمنظومة 25 جويلية برمّتها ويدخل البلاد في وضع لا أحد يتمناه ويريده…
فمن يا ترى يلوي ذراع الآخر: ساكن قرطاج او مستوطن ساحة محمد علي ؟
تصفح أيضا

عبد الكريم قطاطة:
في الفترة ما بين 2004 و 2010 لم تكن الاحداث التي عشتها كمّيا كثيرة وها انا امرّ على ابرزها لاخلص بعدها لقهرة الربيع العبري…

عودة لسنة 2004… في اواسط تلك السنة بدأت رحلة تعاقدي مع جامعة صفاقس كخبير مدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا… صاحب المقترح هو مدير معهد الملتيميديا انذاك الزميل والصديق “عبدالحميد بن حمادو” الذي أعرفه منذ درسنا معا في تعليمنا الثانوي بمعهد الحيّ… سي عبدالمجيد فكّر في انشاء مادّة للعلوم السمعية البصرية ببرامج بعض شعب المعهد…تحادث في الموضوع مع زميلي الكاميرامان انذك مفيد الزواغي فأشار عليه بالاتصال بي وكان ذلك… وانطلقت مسيرتي كمدرّس لهذه المادة لمدة عشر سنوات بعد ان طلبت ترخيصا في الامر من رئاسة مؤسسة الاذاعة والتلفزة وتحصلت عليه، شرط ان لا يؤثّر ذلك على واجباتي المهنية… ومنين يا حسرة ؟
في وحدة الانتاج التلفزي كنا نعيش البطالة الدائمة ونتقاضى على ذلك رواتبنا ومنح الانتاج ايضا… وكان كلّما عُيّن مسؤول جهوي أو وطني جديد، قام بزيارة اذاعة صفاقس للتعرّف على احوالها وطبيعيّ جدا ان يزوروا وحدة الانتاج التلفزي… وكنت مطالبا كرئيس مصلحة الانتاج ان استقبلهم وان اقدّم لهم بسطة عن الوحدة وعن انتاجها… وكنت دائما اردّد نفس الاسطوانة التي كم اقلقت المديرين الذين تعاقبوا على رأس اذاعة صفاقس… كنت اقول لضيوفنا الاعزاء (اعني المسهولين): وحدة الانتاج التلفزي فيها كلّ شيء الا الانتاج، وبقية التفاصيل تأتيكم من مديري!…
مقابل ذلك كانت علاقاتي مع منظوريّ في مصلحة الانتاج التلفزي على غاية من الودّ والاحترام … بل ذهب بي الامر الى إعلامهم انه بامكان ايّ منهم ان يتغيّب لكن عليه يكتب لي مطلبا مُسبقا لرخصة غياب دون ذكر التاريخ، احتفظ به عندي حتى يكون وثيقة استظهر بها اداريّا كلّما اقتضى الامر وذلك لحمايتهم وحماية نفسي… وفلسفتي في ذلك تتمثّل في الآتي: مالفائدة في حضور موظفين لا شغل لهم ؟ خاصة انّ بعضهم يقطن عشرات الكيلومترات بعيدا عن صفاقس المدينة… ثمّ اليس واردا للموظّف الذي لا شغل له أن يصبح شغله الشاغل احداث المشاكل مع زملائه ؟ اذن مخزن مغلوق ولا كرية مشومة… لكن في المقابل واذا اقتضت مصلحة الوحدة ان يعملوا 16 و 18 ساعة ما يقولوش (احّيت)…
تلك العلاقة التي وضعت اسسها بيننا كرئيس ومرؤوسين رأيت عمقها يوم مغادرة الوحدة للتقاعد… يومها أحاط بي زملائي ورفضوا رفضا قاطعا ان اكون انا من يحمل بنفسه وثائقه وكلّ ماهو ملكه الخاص الى منزله… وحملوها عني جميعا وبكلّ سعادة مخضّبة بدموع العشرة… والله يشهد اني وطيلة حياتي كمسؤول سواء اذاعيا او تلفزيا لم اقم يوما باستجواب كتابي لايّ كان… ولم اخصم لايّ كان من اعدادهم في منحة الانتاج وفي الاعداد المهنيّة…
اذن وعودة الى علاقتي بجامعة صفاقس كمدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا ثم بعده بسنتين بمدرسة الفنون والحرف، حاولت ان اعطي دون كلل لطلبتي… كنت قاسيا معهم نعم… ولكن كان ذلك بحبّ لا يوصف… وبادلوني نفس الحب ان لم تكن دوزته اكبر … كنت الاستاذ والاب والاخ والصديق و كنت ايضا صدرا اتّسع حتى لاسرارهم الخاصة… رغم اني كنت ايضا بوليسا في امور الانضباط وتقديس العلم… وطلبتي الذين هم في جلّهم اصبحوا اصدقاء بفضل الفيسبوك شاهدون عليّ… ولعلّ من الاوسمة التي افتخر بها ما حصل في نهاية السنة الجامعية سنة 2012…
إذ ككلّ نهاية سنة جامعية يقع توزيع شهائد وجوائز للطلبة المتفوقين في جميع السنوات… وفي اخر القائمة سمعت من منشط الحفل يذقول: (الان الجائزة الاخيرة في هذا الحفل وادعو الاستاذ عبدالكريم قطاطة لتسلّمها)… فوجئت حقا بالاعلان… وكانت لوحة رُسمت عليها زيتونة وكُتب فيها (شهادة تكريم للاستاذ عبدالكريم قطاطة نظرا إلى عطائه الغزير لطلبة المعهد)… واعذروني على اعادة جملة تُريحني كلما ذكرتها وهي… “وبعد يجي واحد مقربع ويقلك شكونو هو عبدالكريم اش يحسايب روحو ؟؟” … بل تصوروا انّ زميلة من اذاعة صفاقس بعد حادثة ذلك الفيديو المنحوس حول من هم اعلام العار في نظري سنة 2012 (رغم انّي صححت فيما بعد ماجاء فيه ووضحت انّي لم اعمم وختمت بالاعتذار .. لكن وقت البعض يبدا يستناك في الدورة مهما وضحت وكتبت واعتذرت يكون موقفه”قاتلك قاتلك”)… تلك الزميلة ذهبت الى ادارة مدرسة الفنون الجميلة وطلبت منها فسخ عقدي معهم لاني لا اشرّفهم… وضحكوا منها وقالوا لها فيما قالوا: هاكة موش فقط استاذ الطلبة، سي عبدالكريم استاذنا وشرف لنا ان نكون تلاميذه… ورجعت المسكينة الى منزلها خائبة مذهولة مهمومة وغبينتها غبينة، المغبونة… وانا مسامحها…
قضيت 10 سنوات بمعهديْ الملتيميديا ومدرسة الفنون الجميلة وحتما ساعود الى اشياء عديدة حدثت فيها خاصة بعد قهرة جانفي 2011…
الحدث الاخير سنة 2004 كان دون جدال كُرويّا… تتذكّرو نوفمبر 2004 ..؟؟ وبالتحديد يوم 20 منه ؟؟ تتذكّروا هاكي التشكليطة السافيّة ؟ تتذكّرو زوبا وهو يمشكي في ملاعبية المكشّخة واحد بعد واحد ؟ تتذكّروا كيفاش علّق تيزييه في سقف الملعب ؟؟ انّه نهائي الكأس الشهير… وانه يوم سقوط امبراطورية فرعون الكرة ولد شيبيوب… وانا نعرف انو بعض المكشخّين ماشين عاد يسرسطو ماجاء من سور في كتابهم .. عن بطولاتهم .. عن القابهم وتونس بكلّها تعرف عن محصولهم في الشمبيونزليغ وطبعا ماشين يذكروني بهدف بوتريكة ويختمو بـ (ما تكلموناش احنا ماشين لكاس العالم في امريكا).. لاصدقائي المكشّخين الباهين فيهم وهم قلّة لانّ اغلبهم لا يورّيك ولا يفاجيك .. فقط لاصدقائي نحب نسألكم سؤال وحيد ..توة هدف زبير السافي في هاكي الفينال موش سميّح موش شيء يعمل 5555 كيف؟
موش تقول الواحد صيفا يبدا في يدو مشموم ياسمين وطاولة معبّية بالبطيخ والدلاع والهندي وما ننساوش الفقوس .. وهي تصير كورة من غير فقوس ؟…ويعاود يتفرّج عليه ويعشق العزف متاع زوبا ورقصتو كيف انتوني كوين في زوربا اليوناني ؟ وفي الشتاء يبدا قاعد تحت كوسالة وكاس تاي منعنع ويعاود يتفرّج على زوبا وهو يعزف اشي الحبّ كلّو واشي انت عمري .. واشي انساك ده كلام ويختمها ب ميا موري … نعرف اصدقائي المكشخين الباهيين يعرفوني بليد وماسط وخايب وقت نحكي على مكشختهم ..اما يدبّرو روسهم قلتلهم حبّوني؟… واذا حبوك ارتاح والله… دعوني الان اسرّ لكم بما لا يعرفه اغلب محبّي الفريقين حول ذلك النهائي… واصدقائي ومهما كانت الوان فرقهم يعرفون جيّدا انّي صادق في ما اقول والله شاهد على صدقي…
قبل خوض النهائي كان لنا لاعب معاقب (وسام العابدي)… ولد شيبوب كلّم هاتفيا انذاك احد مسؤولي النادي وقللو نقترح عليك اقتراح لفائدة الزوز جمعيات… قللو نسمع فيك هات… قللو تهبّط وسام يلعب الطرح وانا نقول للملاعبية يسيّبوا الطرح… تربح انت وتعمل شيخة انت وجمهورك وانا نعمل احتراز عليكم وناخذ الكاس… طبعا المسؤول رفض وبشدّة… ولد شيبوب قللو راك ماشي تهبط من غير قلب دفاعك وسام… تعرف اش معناها ؟ معناها ماشي انييييييييييي………… بزوز .. المسؤول ظهر حتى هو قبيّح وقللو .. انا منيش مهبّط وسام واحنا اللي ماشي انننننننننني ……… بزوز … وكلمة عليها ملك وكلمة عليها شيطان ..ولكم ان تعمّروا الفراغ وتربطوا بسهم … لكم حرية التعليق مهما كانت الوان فرقكم لكن مع ضوابط الاحترام …السبّ والشتم والكلام البذيء لا مكان لها في صفحتي! …
ـ يتبع ـ

جور نار
لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!
نشرت
قبل شهر واحدفي
15 أبريل 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
كنتُ بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مقالي الأسبوعي في جلنار، حين بلغ مسامعي صراخ وألم ووجع عائلات من قضَوْا تحت أكوام حجارة سور معهد المزونة، رحمهم الله.

تمرّد القلم بين أصابعي، ورفض إتمام ما بدأه والانصياع لأوامري، وما أكتب، معلنًا الحداد على من ماتوا، ووُئدت أحلامهم تحت حجارة سور جريح ينزف دم سنوات الإهمال والتخلي.
سور أصابته لعنة “باركينسون” تشريعاتنا المهترئة، فارتعش وجعًا. سور لم يرأف بحاله أحد من القائمين على شؤون ترميمه، وترميم ما يحيط به. سور سال دم جراحه، وأسال دم من مرّوا بجانبه وأمّنوه على أرواحهم. سور توجّع وتألم طويلًا، وبكى… ولم يسمع بكاءه أحد، حتى أبكى أمهات بعض من اعتادوا المرور بجانبه… سور تآكل، وبانت عورته، فغضب وانهار على من كانوا يمرّون بجانبه، يتكئون عليه، ويستظلون به من غضب الشمس وثورة الأحوال الجوية، وهم في طريقهم لطلب العلم.
الغريب ما قرأته بعد الفاجعة، وما سمعته من صراخ من خرجوا يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. أغلب من خرجوا علينا يولولون، يطالبون بمحاسبة من تسبب في الفاجعة، ويطالبون بتحميل المسؤولية لكل من قصّر في أداء واجبه أو غفل عنه.
هكذا نقفز على كل وجع ومأساة، لنواصل الدعوة إلى الانتقام من كل ما سبق، ومن كل من سبقونا في تحمّل مسؤولية خدمة هذا الشعب… هل يجب أن ننتقم ونثأر بعد كل فاجعة أو فشل ممن سبقونا في تسيير شؤون مؤسسات البلاد؟ هل يجب أن نشيْطن كل من سبقونا في خدمة الوطن بعد كل وجع يشعر به جسد هذه الأمة؟ ألا يجدر بنا أن نعتبر مما حدث، ونبدأ بإصلاح حالنا وأحوالنا؟
أتساءل: ألا يتساءل أحدكم لماذا كل هذا العزوف عن تحمّل المسؤولية؟ أليس للفصل السادس والتسعين من المجلة الجزائية دور كبير في هذا العزوف، الذي أفرغ مؤسساتنا من كفاءات كنّا نفاخر بها، ونطمئن بوجودها على حالنا وحال مؤسساتنا وحال البلاد؟ ثم، أليس للفصل الرابع والعشرين من المرسوم عدد 54 نصيب مما نحن فيه، ومما عشناه ونعيشه؟ فمن كان يرى في السور عيبًا وخطرًا، لن يكتب عن الأمر، ولن يُنبّه لخطورته، خوفًا من أن يُتهم بنشر أخبار زائفة وإشاعات كاذبة…
ألم نغرق اليوم في وحل الفصل السادس والتسعين، ورعب المرسوم الرابع والخمسين؟ لماذا تنشر تشريعاتنا وبعض قوانيننا الخوف والرعب في نفوس كفاءاتنا، ومن يملكون القدرة على تحسين أوضاعنا؟ أيمكن للأمم أن ترتقي وهي تعيش تحت وطأة الخوف والرعب من قوانينها؟ كيف نطلب من بعضنا خدمة الوطن وهم يعيشون رعب القانون، ورعب الحقد، ودعوات الإقصاء والثأر والانتقام من كل قديم، وكل مخالف في الرأي، وكل من لا يعلن لنا البيعة، ولا يقف صارخًا “مزغردًا”، مصفقًا لأخطائنا، ملمّعًا لفشلنا، داعيًا لنا بطول العمر وجزيل الثواب؟
يا من تستمتعون بوجع خصومكم، ومن لا تتفقون معهم، ومن تركوا أثرًا طيبًا وانتصروا عليكم بما حققوه وأنجزوه…الوطن أمانة بين أيادينا جميعًا، فجنّبوه الفتنة، وجنّبوه الأحقاد، وحافظوا على سور الوطن…ولا تخربوا سقفه، فإن انهار سقف الوطن، فنحن، نحن الشعب، من سيدفع الثمن… نعم… نحن الشعب من سيدفع الثمن.


عبد الكريم قطاطة:
في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…
بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…
هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…
السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…
انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…
ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…
تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…
وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…
في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…
دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…
الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…
رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …
ـ يتبع ـ


ترامب و”القبة الذهبية” وكندا… إما تصبحون الولاية 51، أو تدفعون 61 مليار دولار!!

ورشة عمل حول “تعديل المشهد السمعي البصري في تونس”

دار الإفتاء… العيد يوم 6 جوان

وزارة البيئة تحتفي باليوم العالمي للتنوع البيولوجي 2025

رئيس فرنسا وزوجته بريجيت… أو الصفعة التي طافت حول العالم
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل ساعتين
ترامب و”القبة الذهبية” وكندا… إما تصبحون الولاية 51، أو تدفعون 61 مليار دولار!!
- تونسيّاقبل 24 ساعة
ورشة عمل حول “تعديل المشهد السمعي البصري في تونس”
- صن نارقبل 24 ساعة
دار الإفتاء… العيد يوم 6 جوان
- بيئة و زراعةقبل 24 ساعة
وزارة البيئة تحتفي باليوم العالمي للتنوع البيولوجي 2025
- صن نارقبل 24 ساعة
رئيس فرنسا وزوجته بريجيت… أو الصفعة التي طافت حول العالم
- صن نارقبل يومين
غزة… “حرب الاستيلاء على المساعدات” تشتعل بين مسلحي حماس وخصومهم، واتهامات متبادلة بالنهب
- صن نارقبل يومين
من دولة واحدة إلى فسيفساء طوائف وقوميات: بعد كردستان العراق… “كردستان سوريا” يعلن عن نفسه!
- صن نارقبل يومين
مستشارها ينتقد بشدّة جرائم الكيان في غزّة… هل تحررت ألمانيا أخيرا من قبضتهم؟