انتهت الدورة 75 لمهرجان كان منذ أيام و لكن بماذا احتفظت الذاكرة منها؟ أولا بعودة الانتظام لهذه التظاهرة بعد اضطراب لسنتين بسبب كوفيد … و ثانيا عودة السياسة إلى المهرجان، بشكلها الوقح خاصة …
فقط فقط … إذ لم تشهد “كان” هذه السنة جدلا حول فيلم يثير الجدل كما حصل مثلا منذ نصف قرن عند عرض “التانغو الأخير في باريس” أو “القيامة الآن” أو “العرّاب” و الثلاثة من أداء الممثل الخالد مارلون براندو … كما لم نلاحظ تكريما لإحدى سينماءات العالم الثالث كما حصل أكثر من مرة مع السينما الإفريقية و العربية … و مفاجأة 1975 حين اختطفت الجزائر سبق السعفة الذهبية أو بعد ذلك بسنوات عند تتويج يوسف شاهين على مجمل أعماله … لم نسمع بشيء من كل هذا، و لا بصخب كبير عن فن السينما أساس المهرجان … ولكننا سمعنا أوكرانيا، ثم أوكرانيا، ثم يا ربّ السماء … أوكرانيا !
ما هذا الهمّ؟ … فمهما كانت مهارة منظمي المهرجان في تمرير حربوشة سياسية دعائية مّا ـ كما تعوّدوا ـ فقد انصعق الحاضرون منذ اليوم الأوّل … حيث اقتحم على حفل افتتاحهم فيديو لرئيس أوكرانيا يخطب كأنه أمام أنصار حزبه، و يدعو الناس ليتضامنوا مع نظامه، و يحرّض على روسيا لا كدولة عنده مشاكل معها … بل على روسيا الثقافة و المبدعين و يدعو إلى مقاطعة السينما الروسية حتى لو كان مخرجوها لا علاقة لهم ببوتين … و قد استهجن فنانون أحرار هذا التدخّل الفجّ، و منهم المخرج الكبير “جان لوك غودار” …
لم يكف المنظمين السماح بهذه البروباغندا، فإذا هم بالفعل يقاطعون السينما الروسية (إحدى أعرق مدارس الفن السابع إن لم نقل أفضلها) و لا يقبلون إلا بفلم يتيم لمخرج أرمل بموضوع أحول: التهجّم على روسيا دولة و شعبا و تاريخا … ما هذا القرف؟ و ما هذا العمى الذي بصدد ضرب عالم رأسمالي كنا نظنه عاقلا … فإذا به لا يترك ثقافة و لا رياضة و لا أي شأن لم يحشر فيه صراعه الفاشل على الجبهة الأوكرانية …
ننهي كلامنا مع ملحوظة … هذه ليست مراسلة من الشاطئ اللازوردي أو ذكريات عائد كان متصدرا في المهرجان … متابعتنا هذه عن بُعد، و يكفينا ذلك و يا ربي ليك الحمد … لأن الذهاب إلى مهرجان كان و المكوث فيه باسم مهنة الصحافة، احتكره من زمان غلمان اللوبيات، و فتيات الليل المستحوذات على الصحافة والثقافة و تمثيل تونس و كل شيء يتحرك …