كتب محمد القطّي:
بعد ضمان تطبيع السودان مع الكيان الصهيوني، يطل علينا الرئيس الأمريكي بموقف مفاجئ من الخلاف المصري – االإثيوبي حول مياه النيل. فلقد صرح الرئيس ترامب منذ يومين بأن مصر قد تقدم على تفجير سد النهضة، لما يمثله من تهديد لكل من مصر و السودان و لما أبدته أثيوبيا من تعنت في المفاوضات الرامية لتحديد استغلال مياه النيل. أفيكون ذالك التصريح ضوءا أخضر و إيذانا بحرب جديدة في إفريقيا؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مصيدة أمريكية مشابهة لتلك التي نصبت للعراق منذ ثلاثين سنة؟ ثم ماذا عن عواقب نزاع محتمل مثل هذا على مستوى القارة الإفريقية؟
ليس بخاف على أحد أن الولايات المتحدة وضعت على مر التاريخ، و لا تزال، مصالحها فوق كل اعتبار و أولى أولوياتها الحفاظ على تفوقها في كل مجال و تجاهر بالتعبير عن ذلك و إن بلغة القوة ا.
و لما كان أحد أهداف الإدارة الأمريكية استمرار دوران مركّبها الصناعي العسكري و ما يدرّه عليها من مداخيل طائلة، فإنها لا تتوانى عن خلق بؤر توتر جديدة كلما انطفأت بؤرة نزاع في مكان ما من العالم … و في هذا الصدد بالذات، لا يمكن إلا أن ترحّب صناعتها الحربية باشتعال فتيل فتنة في منطقة حوض النيل … و ربما سمح ذلك أيضا لحليفتها الاستراتيجية ـ اسرائيل ـ فرصة لمزيد التغلغل في إفريقيا …
ففي صورة حصول حرب على الواجهة الشرقية للقارة، من المحتمل أن تجري لعبة تحالفات و يطال الصراع أطرافا من المنطقة و من خارجها أيضا … مما ستكون له نتائج مدمرة للأمة العربية المنهكة أصلا و لمستقبل أفريقيا و الاتحاد الإفريقي، و لعلاقات بلدان شمالي الصحراء و جنوبيها … و يثير حساسيات لطالما غذّاها الاستعمار الأوروبي، خاصة بين العرب و السود …فمصر بوزنها البشري و السياسي ستحشر في زاوية هذا الصراع الذي يراد لها تماما كما السودان … و غير مستبعد انجرار غيرهما من القوى الحليفة إقليميا كالسعودية..
في مقابل ذلك قد يجد الإثيوبيون بدورهم حلفاء محليين و دوليين، يلتحقون بلعبة مصالح أو تصفية حساب مع هذه الدولة العربية أو تلك … دون أن ننسى العمق الشعبي لمطالب كلا الطرفين (مصر و أثيوبيا) و اعتبار الموضوع مسألة وجود أو عدم لدى كل فرد تقريبا من الشعبين … مما قد ينبئ بحرب طاحنة قد تمتد لعدة سنوات في حال انطلاق شرارتها … .
خلاصة القول؛ إن الرئيس الأمريكي لا يمكن أن يكون في موقع الناصح و لا المؤيد لحق مصر و السودان، خاصة في سباق انتخابي هو بصدد خوضه بكل الأسلحة .. إنما هو ناصب شراكه للكل.. و لكن يبدو أن اللعبة صارت مكشوفة لكل معتبر، و ما عودة البلدان الثلاثة (مصر، أثيوبيا و السودان) إلى طاولة المفاوضات، إلا دليل على أن الحل السياسي ممكن … و على أن قيادات هذه الدول قد تكون أ‘عقل من خوض حرب لن يستفيد منها أحد … إلا “الناصح” المذكور أعلاه و شركاه ….